جماعة الإخوان المسلمين في الأردن والعلاقة مع الحكم
وكالة أنباء التقريب (تنا): تعكس تجربة جماعة الإخوان المسلمين في الأردن في الحياة العامة بمختلف تفريعاتها صورة مشرقة للدور الذي يمكن ان تلعبه الحركة الإسلامية في المجتمع.
شارک :
وتخبرنا الصيرورة التاريخية بأن العلاقة بين الجماعة والنظام الملكي في الأردن ارتبطت منذ البداية بتبادل المنافع أو "الزواج القسري"، وقد شهدت قفزات متباينة فانتقلت من الاحتواء الودي الى التعامل الحذر وتسجيل النقاط والمواقف وأخيرا دخلت في عملية قضم مصادرة نفوذ الجماعة.
اتسمت العلاقة التاريخية بين الجماعة والنظام الملكي في الأردن بطابع ودي قائم على تبادل المنافع، فقد أخذت الجماعة شكل جمعية خيرية بموافقة من النظام الحاكم في الأردن وافتتح "عبد الله الأول" المقر الأول للجماعة في ١٩/١١/١٩٤٥. وعلى العموم، فقد سعى الحكم الأردني في مراحله الأولى إلى استمداد قدر وافر من مشروعيته بتأكيد انتمائه إلى بيت النبوة ومحافظته على رسالة الإسلام واستثمر وجود الجماعة ووظّفها للتأكيد على شرعيته الدينية في وجه الدعوات اليسارية والقومية التي رأى فيها تهديدا لبقائه.
في هذا الإطار سجلت الجماعة نقاطًا عديدة في سجل الرشد والعقلانية، فساندت عام ١٩٥٧ نظام الحكم في مواجهة محاولة الانقلاب الفاشلة التي قادتها القوى اليسارية والقومية، ووقفت على الحياد في المواجهة بين النظام والحركة الفلسطينية في أحداث أيلول ١٩٧٠، ورفضوا في الوقت نفسه محاولات هذه الحركات الإجهاض على النظام.
وعبر العقود المتتالية كانت مواقف الجماعة من عوامل الاستقرار السياسي والاجتماعي للدولة الأردنية، ولم يُسجَّل في تاريخها اللجوء للعنف، وهذا أمر أدركه الملك الأردني السابق "حسين بن طلال" وكانت من الأسباب المهمة وراء مقاومته للضغوط التي مارستها قوى إقليمية ودولية لضرب الحركة الإسلامية مكتفيًا بتحجيم هنا أو هناك.
في المقابل ساعد النظام على "إحلال" جماعة الإخوان محل حركة "فتح" والفصائل الثورية في المجتمع الفلسطيني في الأردن، وهي السياسة التي أدت لاحقاً إلى تقوية نفوذ وشعبية الإخوان في المجتمع الفلسطيني-الأردني، ليصبحوا الممثل الرئيسي له في الحياة السياسية. ورغم بروز نزعة التدين السياسي في الشارع الأردني، بقيت الجماعة تتمتع بحرية الحركة النسبي تحت مظلة العمل الخيري على الساحة الأردنية. فحققت نجاحات واسعة ومكتسبات كبيرة وارتبط بالجماعة مؤسسات علمية واقتصادية هامة. وكان واضحًا أن موقف الإخوان الرافض لقرار فك الارتباط بين الأردن والضفة الغربية يُمثِّل نقطة إيجابية لصالح الحركة الإسلامية لدى مؤسسة الحكم.
وشكل الانفتاح السياسي في ١٩٨٩ مرحلة مهمة في تاريخ الجماعة بعد أن حسمت أمرها على قاعدة المصلحة واعتبرت خيار المشاركة في الانتخابات سواء البرلمانية أو البلدية قرارا استراتيجيا ومجالا مهما يمكن استثماره، وقد اعتبر ذلك تطورا مفصليا أدخل ثقل الجماعة في ساحة غامضة لم تختبرها من قبل.
ولاشك في أن الحكم صدم بالوزن الحقيقي للجماعة بعد اكتساحها مع إسلاميين آخرين أكثر من ربع مقاعد مجلس النواب، كما تم الاتفاق وعلى نطاق واسع في الدوائر الإخوانية على المشاركة في حكومة "مضر بدران" بخمسة وزراء إضافة الى إسلاميين مستقلين، وبادرت الجماعة الى إنشاء حزب جبهة العمل الإسلامي عام ١٩٩٢ الذراع السياسي للجماعة، وقوة شوكة " جمعية المركز الإسلامي " العصب الاقتصادي لجماعة الأخوان والتي تتضمن مؤسسات ومصالح كبيرة على مستوى الأردن.
ومنذ أدرك حجم العوائق التي يمكن أن تضعها الجماعة على السياسة الداخلية والتوجهات الخارجية لم يدخر الحكم الأردني جهوده لوضع العصا في دولاب الانفتاح السياسي للحد من مكاسب الجماعة وبالتالي تحجيم دورها في التأثير على القرار السياسي.
فبدأ الحكم بسلسلة تشريعات وسياسات كقانون انتخابات "الصوت الواحد" الذي خاض على أساسه "الإخوان" باسم حزب جبهة العمل الإسلامي انتخابات عام ١٩٩٣، وأدى بالفعل إلى إضعاف دورهم في مجلس النواب وتراجع حضورهم، وتمخض عن ذلك إقرار الأغلبية البرلمانية لمعاهدة السلام مع الكيان الصهيوني (وادي عربة) عام ١٩٩٤.
ثم عُمِّم قانون الصوت الواحد على الجامعات الأردنية لضرب قوة "الإخوان" فيها. وتزامن ذلك مع تشديد القبضة على المساجد وحرمان "الإخوان" من المنابر التي تؤثر على الرأي العام، وفوق هذا وذاك جرى توظيف تيار "السلفية التقليدية" لشن حرب فكرية وثقافية لإضعاف "الإخوان" داخل المجتمع. الرد "الإخواني" على التضييق الرسمي تمثل بمقاطعة انتخابات عام ١٩٩٧ في محاولة لتهديد شرعية الحياة السياسية، إلا أن المقاطعة لم تؤد إلا إلى الإمعان في حصار الإخوان والحد من دورهم في الحياة السياسية. وأدت إلى تفاعلات تنظيمية لم تتوقف بعد، نجم عنها فصل عدد كبير من قيادات الجماعة بينهم وزراء ونواب وقادة تنظيميون بسبب مخالفتهم قرار مجلس شورى الجماعة بالمقاطعة.
أما الآن في عهد العاهل الأردني عبد الله الثاني فأصبحت الجماعة في العهد الجديد مستهدفة أكثر من أي وقت مضى، وأخذت بالاستعداد لمواجهة استحقاقات المرحلة الصعبة القادمة بكل أبعادها، وسعى العهد الجديد بتظافر معطيات داخلية وحوافز خارجية الى تغيير بعض الأولويات أهمها إحالت التعامل مع الجماعة إلى المؤسسات الأمنية، فتعرض نشاطات الجماعة للتضييق وتم التعمد في إهانة رموز الحركة واعتقالهم. وفي الحقيقة لم يحظ "الملك عبدالله الثاني" بفرصة التحاور مع الحركة الإٍسلامية قبل أن يتولى الحكم؛ وافتقد الى تجربة والده لقرابة نصف قرن مع الجماعة وعرف دورها الذي مارسته في تحقيق استقرار البلاد في مراحل صعبة ودقيقة.
وبدأت عهد الملك عبدالله الثاني بضربة موجعة تلقاها "الإخوان" بقيامه بإغلاق مكاتب حماس في عمَّان وطرد قادتها من الأردن بطريقة استفزازية، وهي أبرز المحطات التي ظهرت فيها بوضوح الرسائل القاسية من السلطة التنفيذية، التي اعتبرها المراقب العام للإخوان "عبد المجيد الذنيبات" في حينه إهانة للجماعة.
لقد كان تأثير العامل الإقليمي والدولي جليا على علاقة نظام الأردن بالجماعة، مثلا أدت أحداث سبتمبر ٢٠٠١ إلى تعزيز التعاون الأمني والسياسي بين الأردن والولايات المتحدة، ووفقاً لعدد من الخبراء الأميركيين أصبحت المخابرات الأردنية شريكاً إستراتيجياً في الحرب على الإرهاب، في حين وقف الإخوان على الطرف الآخر - من المعادلة الداخلية - المعادي للسياسة الأميركية.
في هذه المرحلة شهدت الأزمة المفتوحة بين الطرفين تصاعداً في أوقات وتهدئة في أوقاتٍ أخرى، وكانت السياسة الرسمية مبنية على التعامل المرحلي- اليومي المرتبط بطبيعة الظروف السياسية. ثم شهدت الأزمة حالة من التهدئة، بل ومجالات من التفاهم الضمني، أدت إلى عودة "الإخوان" للحياة النيابية فشاركوا في انتخابات ٢٠٠٣ وأظهروا تمثيلاً ساحقاً للوسط الفلسطيني في الأردن. وقد ترافق مبادرتهم الإصلاحية في مايو وفي أغسطس ٢٠٠٥، معلنين موقفاً فكرياً حاسماً بالقبول بالتعددية والديمقراطية كإطار للحياة السياسية في الأردن. ثم تعرض الاخوان الى خسارة فادحة في انتخابات ٢٠٠٧ ، وذلك بعد عملية التزوير التي قادتها الحكومة الأردنية وقتذاك، حسب ما أعلنته الجماعة.
أما الآن وعلى وشك إجراء الانتخابات النيابية في الأردن فقاطع الإخوان هذه الانتخابات احتجاجا على ما تقوم به الحكومة من مصادقة القوانين المؤقتة وسحق الأحزاب ولاسيما الإسلاميين. ويتوقع الخبراء والمحللون في الأردن أنه ستشهد الانتخابات النيابية المقبلة التي ستقام في ٩/١١/٢٠١٠ مشاركة ضئيلة من قبل المواطنين بسبب الشعبية الواسعة التي يتمتع بها الإخوان في الأردن.
ومهما يكن من أمر، فالواقع يشير الى أن الدولة الأردنية بحاجة الى مشاركة الحركة الاسلامية السياسية والعامة لمواجهة التطرف وتحقيق التنمية السياسية وتطوير المشاركة الشعبية في الحياة السياسية والعامة، بالإضافة الى ان الحركة الاسلامية بقيت دائما رصيدا للدولة تتحالف معه بقوة في الأحداث والمواجهات السياسية الداخلية والخارجية.