تاريخ النشر2011 10 January ساعة 09:42
رقم : 36291
قراءة في كتاب:

السلفية المحافظة فی الأردن

أخذ حضور "السلفية المحافظة" يبرز في الأردن مع بدايات الثمانينات من القرن الماضي ، عندما استقر أحد أكثر شيوخ الدعوة السلفية في العالم شهرة ، الشيخ ناصر الدين الألباني
السلفية المحافظة فی الأردن

وكالة أنباء التقریب (تنا)

ضمن السلسلة التي يصدرها الباحثان الاردنيان محمد أبو رمان وحسن أبو هنية حول الجماعات والحركات الإسلامية في الأردن، صدر خلال الأيام الماضية عن مؤسسة فريدريش أيبرت الألمانية (باللغتين العربية والانجليزية) الطبعة الأولى لكتاب "السلفية المحافظة: استراتيجية أسلمة المجتمع وسؤال العلاقة الملتبسة مع الدولة". 

يقدّم الكتاب قراءة تحليلية للاتجاهات السلفية في المشهد العربي ، وخصوصاً في الأردن ، موضّحاً موقع السلفية المحافظة أو التقليدية من هذه السلفيات ، ومحدداً مسار تطورها وصعودها في الأردن ، والمعالم الرئيسة لخطابها الأيديولوجي وعلاقتها بالدولة والمجتمع ، التيارات الإسلامية الأخرى. 

السلفية: الصعود والانتشار
يكشف الكتاب أن تيار "السلفية المحافظة" هو أحد أبرز ثلاثة تيارات تتقاسم "المشهد الإسلامي" الشعبي الأردني ، بالإضافة إلى كلّ من جماعة الإخوان المسلمين ، وتيار "السلفية الجهادية" ، الذي يمثّل الوجه الآخر الراديكالي للدعوة السلفية.
و"السلفية المحافظة" ليست جماعة إسلامية بالمعنى الكلاسيكي، فهي أقرب إلى اتجاه ديني - اجتماعي يضم شيوخاً وتلاميذ (أتباع) ، ينتظمون من خلال دروس وحلقات دينية ومنهج فكري معين، ونشاطات مشتركة، مع رفض الالتزام بصورة رسمية أو علنية بإطار حزبي أو تنظيمي معين، إذ يعتبرون ذلك مخالفاً لمنهجهم. 

أخذ حضور "السلفية المحافظة" يبرز في الأردن مع بدايات الثمانينات من القرن الماضي ، عندما استقر أحد أكثر شيوخ الدعوة السلفية في العالم شهرة، الشيخ ناصر الدين الألباني، في عمان، وبدأت دائرة أتباعه ومريديه بالاتساع والانتشار، مع أفكار دعوته وفتاواه الدينية، ليس فقط في الأردن، بل خارجه، من خلال كتبه وكتب أتباعه. 

ويمثّل اليوم مركز الألباني للدراسات المرجعية العلمية والمؤسساتية الرئيسة للتيار، إذ تصدر عنه مجلة الأصالة وينشر الفتاوى المعتمدة (بتوقيع شيوخ التيار) والمحاضرات الخاصة بهم ، ويمثل بؤرة تجمع ولقاء وتواصل بين الأفراد. 

كما تمثّل شبكة الانترنت
قناة مهمة وحيوية في التواصل بين السلفيين ونشر خطابهم وأفكارهم والتجنيد ، ويخص شحادة بالذكر منتدى "كل السلفيين" يشرف عليه علي الحلبي، إذ يؤدي حالياً دوراً رئيساً في التواصل والحوار بين أفراد التيار، ومناقشة القضايا الساخنة والحيوية. 

تركز الدروس السلفية والعلاقات بين أفراد التيار على العلم الشرعي (الديني) ، وهو أساس التمايز والصعود والتجنيد داخل التيار ، وبذلك تحظى الكتب العلمية الدينية بأهمية قصوى بين الأفراد ، وتأخذ دروس العقيدة والفقه والحديث منحى أقرب إلى "أدلجة المعرفة" ، إذ تقوم على تمايز العقيدة والفتاوى السلفية عن الجماعات والمذاهب والفرق الأخرى ، مما يجعل من أفراد التيار ذوي نزوع جدالي في التنشئة والتجنيد مع الفرق والتيارات الأخرى ، منذ اللحظات الأولى التي يلتحق فيها أحدهم بحلقات الدروس أو المحاضرات المتعلقة بهذا التيار. 

مسار مسكون بالصدام مع الإسلاميين
وفي مجتمع مثل الأردن ، الذي لم يكن (تاريخياً) على تماس مع الدعوة السلفية بقدر ما حظيت فيه افكار الصوفية والمذهبية بحضور واسع، حتى داخل المؤسسة الدينية الرسمية، كان من المتوقع أن يحدث اصطدام عنيف بين السلفية وعدوها التقليدي التاريخي الصوفية، وأن يدخل السلفيون معارك على "ساحات النفوذ" مع المدرسة الصوفية. 

الصراع مع الصوفية لم يكن الوحيد ، الذي خاضه السلفيون ، وما يزال ، إذ كانت معركتهم الرئيسة الأخرى هي مع جماعة "الإخوان المسلمين" ، التي كانت تتمتع بحضور واسع في المساجد ومراكز الاشتباك والاتصال الشعبي ، وكان لخطابهم الديني - السياسي حضورّ واضح ، من خلال خطبائهم ودعاتهم وأساتذة الجامعات والتكنوقراط المنخرطون في الجماعة. 


وكالة أنباء التقریب (تنا)

منذ حضورها المبكّر في المجتمع الأردني أعلنت الدعوة السلفية المحافظةعن خصومتها الصريحة مع جماعة الإخوان وأفكارهم ، وذلك بما كان يقدمه الألباني من خطاب فكري معارض للعمل السياسي حتى بصيغته الإسلامية ، نظراً لرفضه الحزبية الإسلامية ، وهجومه العلني والصريح على العقائد الدينية للجماعات الأخرى ، باعتبارها لا تلتزم بعقائد ومناهج السلف الصالح ، نظرياً وعملياً. 

الصراع على تمثيل "البيت السلفي"
ولعدم وجود تعريف منضبط واضح محدّد توافقي للسلفية ، فإنّ صراع "المحافظين" مع المدارس والاتجاهات السلفية الأخرى، اندلع حتى على عنوان "السلفية". فكل من "المحافظين" "والجهاديين" يدّعي مشروعية تمثيل المدرسة السلفية فكرياً وتاريخياً وسياسياً ، ويتّهم الآخر بالانحراف
عن مسارها الصحيح. 

مع بداية التسعينات ، ومع بروز الوجه الآخر للسلفية (الجهادي) على يد الأب الروحي له أبو محمد المقدسي ، بدأ كلّ من الاتجاهين يتنازع الحديث على اسم السلفية ويدّعي أحقيته تمثيلها. وبالرغم من الصراع الشديد بين الاتجاهين والاختلاف الكبير في مواقفها السياسية من الحكومات والنظم، إلاّ أنّهما يتفقان على رموز معيّنة، مثل حضور بعض العلماء والفقهاء الإسلاميين المؤثرين تاريخياً في خطابهما الفكري والديني، كابن تيمية وابن قيم الجوزية وأحمد بن حنبل ، والشوكاني ومحمد بن عبد الوهاب وغيرهم. 

خطوط التصدع والنزاع تمتد إلى داخل السلفية المحافظة نفسها، فمع أنّها حافظت على تماسكها خلال مرحلة الشيخ الألباني (ت )۱۹۹۹، إلا أنّها شهدت تصدعات بعده ، امتدت إلى السنوات الحالية. 

وبرزت مسألة التمثيل بقوة عقب وفاة الشيخ المؤسس ناصر الدين الألباني. فقيادات الصف الأول تغيّرت منذ وقت المؤسس الألباني إلى اليوم ، ففي مرحلة الألباني كان الرجل الثاني ، إن جاز التعبير ، هو محمد إبراهيم شقرة ، الذي دخل في صدام شرس بعد وفاة الألباني مع باقي تلاميذ الشيخ حول بعض الفتاوى والأحكام ظاهرياً ، لكن حقيقة الصدام كانت على الخليفة الشرعي للألباني. بعد ذلك تصدّر الصف الأول مجموعة أسماء هي: علي الحلبي ، مشهور حسن ، سليم الهلالي ، مراد شكري ، موسى نصر ، حسين العوايشة. 

ثم أدّت التصدّعات والخلافات إلى خروج كلّ من سليم الهلالي ومراد شكري من القيادة المعتمدة، التي بات مركز الألباني بمثابة الموقع الرسمي لها، وأصبحت البيانات اليوم والفتاوى توقع بالأسماء التالية: علي الحلبي، مشهور حسن، حسين العوايشة، باسم الجوابرة، موسى نصر وزياد الزعبي. 

السياسة: خروج من الباب ودخول من النافذة
تبلورت رؤية السلفية المحافظة لمنهج التغيير والعمل السياسي على يد الشيخ المؤسس الألباني من خلال نظرية "التصفية والتربية" ، كما مرّ سابقاً.
لذلك، لا يتعرض السلفيون للدولة وشرعيتها إلا اضطراراً، ويوجهون عنايتهم إلى المجتمع وفعالياته الناشطة، وقد ظهرت الرؤية الاستراتيجية لدى شيخهم الألباني، جلياً وبشكلْ صريح، عقب هزيمة حزيران ۱۹6۷، إذ تولدت لديه قناعة باستحالة تحقيق النصر والتمكين من دون إعداد بعيد المدى للمجتمع والدولة.
وترسخت تلك القناعة بعد الصدامات الدامية بين الحركة الإسلامية، وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين والنظام في سوريا، هي منعطفات تاريخية فارقة في تحديد المسار الفكري والسياسي للدعوة السلفية الألبانية، وقد برزت مخرجاتها بوضوح عقب استقرار الألباني في الأردن عام ۱۹۸۰ حتى وفاته عام ۱۹۹۹.
https://taghribnews.com/vdccsiq1.2bqeo8aca2.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز