تاريخ النشر2011 31 January ساعة 14:56
رقم : 38573

عـودة الـروح الی الشـارع المصـري

وكالة انباء التقريب(تنا)
مؤسسة الجيش التي تعتبر حصن الشرعية والنظام، وقفت حتى الآن على الحياد حائرة بين الاستجابة لطلب مبارك بتمديد فترة حكمه وبين الحاجة لحفظ الأمن والاستقرار، في بلد ينادي شبانه وشاباته بالتغيير السلمي والإصلاح الشامل.
عـودة الـروح  الی الشـارع المصـري
 أن مصر بدا تغرق في أسوأ واخطر أزمة سياسية واجتماعية تواجهها في تاريخها الحديث، تسبب بها عناد الرئيس حسني مبارك ورفضه التنازل عن الحكم الذي يشغله منذ أكثر من ثلاثين عاما، برغم التظاهرات والاحتجاجات الشعبية الأكبر في مصر التي تطالبه بالرحيل، والتي رد عليها بتعميم الخراب والفوضى في مختلف الأنحاء المصرية، لإنذار المعارضين بأنهم لن ينتزعوا منه دولة أو مؤسسات سليمة، برغم أن تلك المؤسسات، لاسيما منها مؤسسة الجيش التي تعتبر حصن الشرعية والنظام، وقفت حتى الآن على الحياد حائرة بين الاستجابة لطلب مبارك بتمديد فترة حكمه وبين الحاجة لحفظ الأمن والاستقرار، في بلد ينادي شبانه وشاباته بالتغيير السلمي والإصلاح الشامل.

وعلى الرغم من مرور ستة أيام على واحدة من أوسع الانتفاضات الشعبية في تاريخ مصر، ظل مبارك يبث الرسائل المتلفزة التي توحي بأنه ما زال الحاكم الفعلي، حتى وهو يقدم التنازلات المتتالية، على خطى نظيره التونسي زين العابدين بن علي، سواء من خلال إقالة الحكومة وتكليف احد اقرب مقربيه وأقاربه احمد شفيق بتشكيل حكومة جديدة، ثم تعيين مدير جهاز الاستخبارات عمر سليمان نائبا له، وإجراء تعيينات عسكرية أبرزها ما تردد عن تكليف محافظ شمال سيناء السابق اللواء مراد موافي بإدارة الاستخبارات العامة، خلفا لسليمان، في الوقت الذي كان وزير الدفاع المشير حسين طنطاوي يخرج إلى الشارع تحت دوي طائرتين حربيتين حلقتا للمرة الأولى في سماء القاهرة، ليتفقد جنوده وينفي الشائعات التي ترددت حول موقف المؤسسة العسكرية.

وعلى وقع التظاهرات التي لم تغادر المدن المصرية كافة، وتحولت في ميدان التحرير في وسط القاهرة إلى مركز تجمع رئيسي للمعارضين، ظلت مصر تنتظر اقتناع مبارك بحتمية الرحيل بسرعة والإقلاع عن اللعب بورقة الفراغ الأمني والفوضى، وتترقب صياغة شكل جديد للسلطة، أو على الأقل للفترة الانتقالية التي يبدو أن الحكومة المرتقبة خلال ساعات لن تساهم في احتواء مضاعفاتها، لاسيما وان الشارع يشتبه بأن الرئيس لا يزال يأمل بالبقاء حتى تشكيل السلطة الجديدة، ويرفض حتى الضغوط والنداءات الخارجية التي تلح عليه لتوفير انتقال منظم للحكم يلبي تطلعات الشعب المصري، حسب تعبير الرئيس الأميركي باراك اوباما، وسط أنباء عن أن واشنطن تريد تشكيل حكومة وحدة وطنية تدير المرحلة الانتقالية حتى الانتخابات الرئاسية المقررة في أيلول المقبل، ما يوحي بأنها تريد أزمة مفتوحة وليس استقرارا وانضباطا سريعا يتمناه المصريون الذين سقط منهم المئات بين قتلى وجرحى، في اشتباكات مع بقايا القوى الأمنية ومع المجرمين واللصوص الذين سدوا فراغ الأمن وعاثوا فسادا في ارض مصر من أقصاها إلى أقصاها.

لكن ضغوط الشارع المصري أثمرت أمس، عن قرار اتخذه وزير الداخلية حبيب العادلي، وهو احد أسوأ وجوه النظام بإعادة الشرطة التي سحبت فجأة مع بدء التظاهرات يوم الثلاثاء الماضي إلى مراكزها ومواقعها للقيام بدورها الأمني، الذي يتيح للمعارضين الاطمئنان إلى أنهم لن يطعنوا من النظام ولا من المجرمين الذين أطلقهم من السجون، والى أن احتجاجهم بدأ يؤتي ثماره تدريجيا، سواء على المستوى السياسي حيث اسقطوا والى الأبد الكثير من الخيارات التي كان يلوح بها مبارك ويرغب بتوريثها إلى احد أبنائه أو إلى احد ضباطه، أو على المستوى الاقتصادي والاجتماعي حيث انهار بنيان كامل من الفساد المنظم الذي كان ينهب ثروات مصر وشعبها.

وتداول الشارع المصري سيناريو الساعات المقبلة على النحو الآتي: يشكل احمد شفيق حكومة جنرالات جديدة مطعمة ببعض المدنيين، يتم فيها الاستغناء عن بعض رموز الفوضى والفساد، فيرد الرأي العام بالرفض الذي يدفع مبارك إلى رمي المزيد من الأوراق لا سيما حل مجلس الشعب المطعون بشرعية انتخاب ۹۰ في المئة من أعضائه بحسب اعتراف المحاكم الرسمية، قبل أن يضطر في نهاية المطاف إلى الالتحاق بالرئيس التونسي في موعد ينتظره المصريون بفارغ الصبر، ويأملون ألا يكون بعيدا، وألا يكلفهم المزيد من الدماء والخراب.

وبدا أن الأزمة لن تمتد طويلاً، إذ يتوقع المصريون أن تنتهي بين ثلاثة أيام وأسبوع كحد أقصى، فيما استبعد المراقبون تولي أي من رموز النظام القائم الحكم، خاصة أن عمر سليمان واحمد شفيق ومحمد طنطاوي وحتى رئيس الأركان سامي عنان عاجزون وغير مؤهلين للقيادة، لكن ثمة مخاوف لدى بعض أوساط المعارضة من أن تسعى واشنطن إلى ترتيب اتفاق تقاسم للسلطة بين الجيش والليبراليين بما يمكن المؤسسة العسكرية من الإمساك بخيوط اللعبة السياسية.

وتجمع عشرات آلاف المتظاهرين في ميدان التحرير في وسط القاهرة يومي السبت والأحد واليوم للمطالبة بإسقاط نظام حسني مبارك، متحدّين قرار فرض حظر التجوال الذي جدده مبارك، بصفته الحاكم العسكري، في وقت شهدت باقي المدن المصرية تظاهرات شارك فيها الآلاف، وكان أكبرها في الإسكندرية حيث أشارت مصادر إلى أن أكثر من ۱۵۰ ألف مصري خرجوا إلى الشوارع للمطالبة برحيل النظام.

وفيما كان آلاف المتظاهرين يتجمعون في ميدان التحرير، سجّل تحليق لمقاتلات حربية من طراز «أف-۱۶»، ما أثار تساؤلات حول الرسالة التي تريد القيادة العسكرية توجيهها من هذا الاستعراض الجوي، ليتبيّن لاحقاً أن هذه الطائرات كانت تواكب زيارة قام بها وزير الدفاع المشير محمد طنطاوي إلى مبنى التلفزيون الرسمي.

وبدا المتظاهرون مصرّين على الذهاب بمطالبهم حتى النهاية، وهو ما تبدّى في ردهم السريع على القرارات التي اتخذها مبارك خلال اليومين الماضيين، ومن بينها تعيين مدير جهاز الاستخبارات المصرية عمر سليمان نائباً للرئيس، وتكليف القائد السابق لسلاح الجو أحمد شفيق بتشكيل الحكومة. وردد المتظاهرون «حسني مبارك، عمر سليمان كله عميل للأمريكان»، و«الشعب يريد إسقاط النظام»، و«لا مبارك ولا سليمان، يسقط يسقط الطغيان»، و«يا مبارك يا مبارك، الطيارة في انتظارك».

وكان مبارك عيّن، سليمان نائبا لرئيس الجمهورية، وذلك للمرة الأولى منذ توليه الحكم في العام ۱۹۸۱، في خطوة اعتبرها المراقبون إنها جاءت متأخرة ۳۰ عاماً، وأنها قطعت الطريق عملياً على سيناريو توريث الحكم لمصلحة نجله جمال مبارك.

وعرض التلفزيون المصري لقطات تظهر سليمان وهو يؤدي اليمين الدستوري أمام مبارك، متجنباً مصافحة الرئيس قبل أداء التحية العسكرية، في ما اعتبره المراقبون أنه يعبّر عن أن نائب الرئيس المعيّن لن يخرج عن طاعة مبارك.

ولم تصدر أي تعليقات إضافية عن مبارك، الذي اقتصر حضوره الإعلامي على زيارة لمركز عمليات القوات المسلحة «لمتابعة السيطرة على العمليات الأمنية»، وقد بدا إلى جانبه كل من سليمان وشفيق، بعد سلسلة من الإطلالات التلفزيونية الصامتة يوم السبت.

وبدا نظام مبارك في حال من الانهيار، وهو ما تبدّى في إعلان التلفزيون الرسمي أن أمين تنظيم الحزب الوطني الحاكم أحمد عز، الذي يعد الرجل الثالث في الحزب بعد حسني مبارك ونجله جمال، قد استقال من منصبه، فيما تردد أن عائلته قد غادرت البلاد على متن طائرة خاصة، على غرار عائلات ۱۸ رجل أعمال نافذين آخرين.

من جهته، قال رئيس مجلس الشعب المصري فتحي سرور إن المجلس سيحترم أحكام القضاء بشأن صحة الانتخابات التشريعية الأخيرة و«سيصحح عضويته».
وكان لافتاً بالأمس أن لهجة الصحافة الحكومية قد تغيرت بشكل واضح، حيث بدأت تتحدث عن بداية «التغيير». وعنونت صحيفة الجمهورية التي اعتادت توجيه انتقادات حادة للمعارضين المصريين «بدأ التغيير»، فيما كتبت صحيفة «الأخبار» الحكومية في صدر صفحتها الأولى «سقوط احمد عز»، مضيفة أنه «خربها واستقال».

وحتى مساء أمس، كان المتظاهرون ما زالوا متجمعين في ميدان التحرير. وقد انضم إليهم البرادعي بعض الوقت، حيث أكد «أننا نبدأ مرحلة جديدة»، مشدداً على أن «التغيير آت». وكان العضو القيادي في جماعة الإخوان المسلمين عصام العريان أعلن أن قوى المعارضة المصرية اتفقت على تأييد محمد البرادعي كمفاوض مع الحكومة. وعلم أنه تم تشكيل لجنة من عشرة أشخاص للتفاوض مع الحكومة.

وكانت القاهرة، كغيرها من المدن المصرية، قد شهدت أجواء من الرعب، بعد انسحاب قوات الأمن من معظم الأحياء ليل الجمعة الماضي، ما أوجد حالاً من الفراغ الأمني استغله البعض للقيام بعمليات نهب وتخريب للممتلكات العامة والخاصة، وحتى استهداف المدنيين.

وناشد الجيش المصري «شعب مصر العظيم» إلى عدم التجمع حتى يتسنى السيطرة على أعمال التخريب، والالتزام بحظر التجوال الذي تم تمديده ليصبح من الرابعة مساء إلى الثامنة صباحا بدلا من السادسة مساء إلى السابعة صباحا، فيما شكل المواطنون لجانا شعبيا لحماية ممتلكاتهم وأسرهم بعد عمليات نهب جرت في العديد من المناطق.

وقال شهود عيان إن من يقوم بأعمال الفوضى هذه هم من «البلطجية» المأجورين من قبل النظام الحاكم وجهازه الأمني، بالإضافة إلى سكان المناطق العشوائية الفقيرة، مشيرين إلى أن عدداً من أمناء الشرطة والحزب الوطني الحاكم يشاركون في هذا التخريب.

وقالت ناشطة معارضة إنّ «ما يجري الآن شد حبال بين نظام مبارك الذي يستخدم البلطجية لترويع الناس ومنعهم من المشاركة في عملية التغيير عبر الشارع»، مضيفة أن «الشباب مصرّون، بالتعاون مع رجال الجيش، على منع هذه الفوضى، حيث بدأوا بتشكيل لجان شعبية لحماية الأحياء، وهي خطوة تندرج ضمن إطار المقاومة الشعبية، بما يؤدي إلى إفقاد النظام آخر أسلحته، بعدما باتت نهايته قريبة».

بدوره، أكد ناشط في اللجان الشعبية أن «أعمال الحراسة التي قام بها شباب الثورة نجحت في إشاعة الطمأنينة بين الأهالي، ما سيشجعهم على المشاركة الكثيفة في التظاهرات المستمرة حتى إسقاط مبارك»، مؤكداً أنه «بعد ليل الرعب الذي حاول بلطجية النظام فرضه على القاهرة، بدت المدينة ابتداء من بعد الظهر أمس أكثر أمناً مما كانت عليه عندما كانت الشرطة موجودة».

وذكرت مصادر طبية أن حصيلة المواجهات خلال اليومين الماضيين وصلت إلى نحو ۱۵۰ قتيلاً، بالإضافة إلى ما لا يقل عن ۶۰۰ جريح. وقال شهود عيان إن أكثر من ۱۰ أشخاص قتلوا مساء السبت برصاص قناصة اعتلوا سطح مبنى وزارة الداخلية في القاهرة، ما دفع الجيش إلى التدخل لمنع تفاقم الوضع.
والحق لصوص إضرارا باثنتين من المومياوات في المتحف المصري، عندما حاولوا سرقة محتوياته، قبل أن يتدخل أعضاء اللجان الشعبية الذين شكلوا سلسلة بشرية حول المبنى.

كما فرّ مئات المساجين من سجون أبو زعبل، ووادي النطرون على الطريق الصحراوي بين القاهرة والإسكندرية، والفيوم، وسجون أخرى في باقي المحافظات.
وأعلنت مصادر حكومية مصرية، مساء أمس، أن وزير الداخلية المستقيل حبيب العادلي طلب من الشرطة الانتشار مجدداً في القاهرة وباقي المدن ابتداء من صباح اليوم، في مؤشر إلى فشل خطة إشاعة الفوضى التي حاولت بقايا النظام الأمني انتهاجها منذ «جمعة الغضب»، وهو ما استقبله المتظاهرون بارتياح، حيث توقع أحدهم، تدفق مئات الآلاف إلى ميدان التحرير اليوم لاستكمال معركة التغيير.
السفير ووكالات 

https://taghribnews.com/vdchxmnx.23n6qdt4t2.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز