الازمة الاقتصادية والمالية العالمية ألقت بظلال كثيفة من الشك على الكثير من النظريات والفرضيات الاقتصادية بعد ان تركت وراءها مؤسسات مالية وااقتصادية متعبة واقتصاديات تأن تحت وطأة العجز والإفلاس ومئات الملايين من الناس ممن اكتووا بنارها ودفعوا الأثمان من مدخراتهم ولقمة عيشهم.
شارک :
أصدر مركز القدس للدراسات السياسية في الأردن كتابا جديدا بعنوان "الاقتصاد بين نظريتين.. السوق الاجتماعي والإسلامي" ، في إطار مشروع نحو خطاب اسلامي ديمقراطي اطلقه المركز بالتعاون مع مؤسسة كونراد اديناور عام 2006. ويضم الكتاب بين دفتيه اوراق عمل مؤتمر عقد في عمان بمشاركة عدد من الخبراء والمختصين في الاقتصاد من كل من الاردن وتركيا وألمانيا ولبنان. وجاء عقده في أتون الازمة المالية العالمية التي ألقت بظلالها على الاقتصاد العالمي.
ويتكون الكتاب ، وهو من القطع المتوسط من 154 صفحة ويحتوي على ملخص باللغة الإنجليزية. يقدم مدير مركز القدس للدراسات السياسية "عريب الرنتاوي" للكتاب فيقول ان الازمة الاقتصادية والمالية العالمية ألقت بظلال كثيفة من الشك على الكثير من النظريات والفرضيات الاقتصادية بعد ان تركت وراءها مؤسسات مالية وااقتصادية متعبة واقتصاديات تأن تحت وطأة العجز والإفلاس ومئات الملايين من الناس ممن اكتووا بنارها ودفعوا الأثمان من مدخراتهم ولقمة عيشهم. ويشير الرنتاوي في مقدمته الى الجدل العالمي الذي اندلع حول مسببات الازمة وسبل الخروج منها ، مستعرضا الافكار والنظريات التي ذهبت في كل صوب واتجاه.
يقول الرنتاوي في هذا الصدد "كان لافتا ان انظار كثير من اصحاب المدارس الفكرية قد اتجهت صوب المدرسة الالمانية في اقتصاد السوق باعتبارها المدرسة التي تحفظ للرأسمالية والمنافسة والملكية الفردية كامل طاقتها على الخلق والإبداع والتطوير وتوفير الفرص وحفز النمو.. وفي سياق مواز وجدت مدارس فكرية اقتصادية واجتماعية عربية واقليمية في الازمة المالية والاقتصادية العالمية ضالتها للترويج لما تمثله عادة النظرية الإسلامية في الاقتصاد وهي نظرية او بالاحرى مجموعة من الافكار وجدت رواجا مع تنامي ظاهرة البنوك وشركات التأمين الإسلامية.. انطلاقا من دول الخليج الثرية" ، مشيرا الى ان "الازمة المالية العالمية اعطت لاصحاب هذه المدرسة مشروعية إضافية وشجعتهم على طرح افكارهم بوصفها طريقا خلاصيا ، ينهض كبديل عن الرأسمالية المازومة والاشتراكية المهزومة".
وتشير مقدمة الكتاب الى ان الاردنيين لم يكونوا بعيدين عن الجدل الذي اندلع بهذا الخصوص فقد انخرطوا به بشكل حاد وواسع.. "صحيح ان انخراطهم به لم يأخذ منحى فكريا اونظريا واسعا وعميقا ، الا ان تداعيات الازمة العالمية وما سبقها من اخفاقات صاحبت برنامج الإصلاح الاقتصادي وما ترتب عليه من تداعيات اجتماعية مؤلمة ساهم في تأجيج الجدل والحوار حول خيارات الاردن الاقتصادية والاجتماعية وانخرطت في هذا الجدل قوى وشرائح وحركات احتجاج اجتماعية وانتقل في بعض الاحيان من صفحات الكتب والجرائد وقاعات الاجتماعات المغلقة الى الشوارع. ومن عناوين أوراق العمل التي عرضها الكتاب ، ورقة بعنوان (البحث عن نموذج اقتصادي جديد) للدكتور جواد العناني.. كما قدم الدكتور اسماعيل اوزسوي أستاذ الاقتصاد بجامعة الفاتح في تركيا ورقة عمل بعنوان (هل هناك نظرية اقتصادية في الإسلام). في حين ناقش استاذ الاقتصاد في الجامعة الامريكية ببيروت الدكتور ماركوس ماركتنتار في ورقته موضوع (نظرية السوق الإجتماعي على محك الازمة الاقتصادية العالمية).
وعرض الدكتور سمير الشاعر أستاذ الاقتصاد في جامعة الاوزاعي في لبنان من خلال ورقته لـ(موقف الاقتصاد الإسلامي من قضايا السوق) ، في حين ناقش أستاذ الاقتصاد في الجامعة الاردنية الدكتور احمد العوران في ورقته (مستقبل نظرية اقتصاد السوق). وإضافة الى اوراق العمل يعرض الكتاب للمداولات التي شهدتها اعمال المؤتمر حيث قدم المشاركون مروحة واسعة من الأفكار والقراءات والتوصيات لوحظ بنتيجتها ان المدافعين عن النظرية الإسلامية في الاقتصاد رأوا في اقتصاد السوق الاجتماعي الاقرب الى نظريتهم. كما لوحظ ان كثير من المشاركين العرب والأردنيين عبروا عن قناعة بأن اقتصاد السوق الاجتماعي ربما يكون المدرسة الاقرب للتعبير عن حاجة الدول والمجتمعات العربية لتنمية متوازنة واصلاح اقتصادي مصحوب بإصلاح سياسي شامل ومشروط ببرنامج اجتماعي كفيل بحفظ حقوق الفئات والطبقات الاجتماعية المهمشة.
يذكر ان هذا الإصدار الجديد لمركز القدس هو الثالث من نوعه حيث يشكل الكتاب الجديد مع كتابين سابقين صدرا ضمن سلسلة "نحو خطاب إسلامي مدني" إسهاما إضافيا في مشروع ريادي بدأه المركز منذ ما يزيد عن خمس سنوات بهدف تطوير الخطاب السياسي والفكري للحركات الاسلامية ، والعمل على ادماجها في عملية الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي في الدول والمجتمعات العربية ، وهو المشروع الذي قوبل باهتمام شديد من قبل هذه الحركات من جهة ، وعلى مختلف المستويات الاكاديمية والبحثية والفكرية من جهة ثانية ، باعتباره مشروعا رياديا ينطلق من المنطقة وبإسهام مفكريها وقادة الحركات السياسية فيها.