يتميز كتاب "عصر الإمام الصدر" باستشهاده بعدد من الشخصيات اللبنانية المؤثرة التي روت للمؤلف تجربتها وعلاقتها بالإمام الصدر والنهضة التي أحدثها.
شارک :
محمد علي فقيه
كتاب "عصر الإمام موسى الصدر " لأكرم طليس
غداة الذكرى الحادية والأربعين لتغييب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان، الإمام موسى الصدر، ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين، نتوقف أمام كتاب "عصر الإمام، الإمام موسى الصدر والمسألة الشيعية في لبنان، إشكالية الظاهرة والدور"، للكاتب أكرم طليس، الصادر أخيراً عن دار المحجة في بيروت.
بالتأكيد سيتحول هذا الكتاب إلى أحد أهم المراجع عن التاريخ الاسلامي في لبنان، وبالأخص منه مرحلة القرن العشرين، لأن المؤلف أكرم طليس كان من المقربين من الإمام الصدر وهو أحد مؤسسي حركة أمل ومن الذين واكبوا مراحل نشأتها وصعودها والأزمات التي تعرضت لها. حيث تولى المؤلف مسؤوليات عدة فيها: عضو المكتب السياسي لأمل، المسؤول التنظيمي للبقاع ولبيروت، مسؤول مؤسسات أمل التربوية، ملف العلاقات مع سوريا.
وتزداد أهمية الكتاب بأن طليس كان من الشخصيات الشيعية التي لعبت دوراً مهما سواء في مسيرة "حركة المحرومين" التي تحول اسمها إلى "حركة أمل" أو في "المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى" أو في حركة "أمل المؤمنة" أو حزب الله، فضلاً عن علاقته بالإمام الصدر والشهيد مصطفى شمران ورئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري.
ويتميز الكتاب الذي قدمة نائب رئيس المجلس الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان بالعديد من الشخصيات اللبنانية المؤثرة التي روت للمؤلف تجربتها وعلاقتها بالإمام الصدر والنهضة التي أحدثها للطائفة الشيعية إبتداءً من الرئيس نبيه بري والشيخ محمد مهدي شمس الدين.. وإنتهاء بالحاج هدى رمضان والمحامي أحمد قبيسي والحاج أحمد إسماعيل وغيرهم.
يقول طليس: حاولت أن أكتب وجهة نظر الذين لم يكونوا مؤيدين للإمام الصدر في تحركه عام 1967، وخصوصاً إنشاء المجلس الشيعي، فالتقيت وسجلت آراء السيد محمد حسين فضل الله، محسن إبراهيم، والرئيس كامل الأسعد.
يعتقد طليس أنه حلم "بكتابة مثل هذا الكتاب" بعد أن استمع لبعض محاضرات الإمام الصدر التي كان يلقيها في المجلس الشيعي الأعلى في الحازمية، وبعد استماع أي "محاضرة له في أي مكان أستطيع الوصول إليه".
وعلى الرغم من أن الكتاب كان بالأصل مشروع "ماجستير"، إلا أن الكاتب أصر بأن يكون هدفه كتابة موضوع عن الإمام الصدر في كتاب وإصداره، أكثر من هدفه الحصول على شهادة إكاديمية.
يعتقد طليس ان كتابه مكمل لكتاب "الشيعة على مفترق طرق"لنجيب جمال الدين الصادر عام 1967. يقول: "عندما إلتقيت بالشاعر نجيب جمال الدين لأجري معه مقابلة مخصصة للبحث، سعدت عندما قدم إليّ أوراقه وجلب مخطوطة على دفتر، تكمل ما كان قد توقف عنده في كتابه عن الإمام الصدر عام 1967، ولا أنسى ما قاله لي بأنه سيكون سعيداً بأنني سأتابع ما كان قد بدأ به هو، مما زاد رغبتي في إنجاز الكتاب".
يعتبر طليس أن السيد محمد حسين فضل الله أنصف الإمام الصدر في إحدى جلساته إذ قال: "مهما قيل عن الإمام الصدر فهو مفجر الحالة الشيعية في لبنان". ويرى أن ما قاله فضل الله للمؤلف يشكل "عبارة افتتاحية".
ويلفت طليس نظرنا في الفصل الأول إلى أنه "لا يمكن فهم خط الإمام الصدر ونهجه، من دون المرور باختصار على "الشيعة في التاريخ" بقلم الإمام نفسه، ودور الحوزة العلمية في النجف وقم، وحركة العلماء بين لبنان – العراق – وإيران. إلى جانب العودة إلى الوراء، إلى بواكير القرن الفائت، حيث راقبت التطور السياسي للنظام الطائفي في لبنان معتمداً على دراسة للدكتورة صفية سعادة، وراقبت حركة تنقل الطائفة الشيعية، وحركة التنقل لجميع الطوائف في الجغرافيا اللبنانية مستنداً على دراسة الدكتور كمال صليبي. وتابعت الوضع الشيعي في رجالاته وجمعياته في لبنان قدر الإمكان".
يتوقف طليس في الفصل الثاني مطولاً عند مجيء الإمام الصدر لمدينة صور والأعمال التي قام بها، وتكوين فريقه وحركته وأبرزها ما حدث من أفكار واجتماعات وزيارات لقادة الدولة اللبنانية اَنذاك والسبل التي أدت إلى تأسيس المجلس الشيعي الأعلى، وتالياً حركة المحرومين، وأفواج المقاومة اللبنانية – أمل بعد ذلك.
وقد اعتمد المؤلف في هذا الفصل على مصادر أهمها موسوعة الإمام الصدر، التي جمعها الرائد المرحوم يعقوب ضاهر، ومجموعة من محبي الإمام الصدر وتلامذته الإكفاء.
كانت أول زيارة للإمام الصدر إلى لبنان في عام 1957 إلتقى فيها المرجع السيد عبد الحسين شرف الدين الذي كان أول من إكتشف ميزة هذا العالم الشاب. فسأل السيد عبد الحسين شرف الدين الإمام الصدر: إذا كُتب لك أن تعيش في بلد اَبائك، وأجدادك، فهل أنت مستعد لذلك؟ فلم يجبه، ثم نظر السيد شرف الدين إلى إبنه السيد حعفر قائلاً: يا جعفر يا إبني، إذا أخذ الله وديعة أبيك، فلا يملأ الفراغ بعدي إلا هذا الشاب، قاصداً السيد موسى الذي انحدرت من عينه دمعة.
في عام 1958 أثناء إقامة العزاء في النجف الأشرف بوفاة السيد عبد الحسين شرف الدين، كان الإمام الصدر يتقبل العزاء مع أهالي الفقيد، تقدم من السيد جعفر نجل الفقيد قائلاً: "هل أجد مكاناً لي في ضاحية بيروت، أسكن فيه وأنطلف برسالتي الدينية"، فأجابه السيد جعفر: "لماذا في الضاحية تأتي إلى منزلك في صور، وعندما تستقر هناك، تنطلق بعدها إلى أي مكان تريد".
وفي أواخر عام 1959 وصل الإمام الصدر إلى لبنان، فتوجه إلى صور، واتخذ له منزلاً متواضعاً من منازل اَل شرف الدين.
وبعد أن استقر الإمام في صور، وأمضى فترة تفكر وتأمل، بدأ الإمام العمل من خلال جمعية "البر والإحسان" التي أسسها الإمام شرف الدين، فأدخل فيها دماً جديداً، بمساعدة وجوه اجتماعية. وبعد سنة كانت حصيلة عمله المؤسساتي: منع التسول بعد أن كفلت الجمعية للفقراء أقواتهم وألبستهم من الأغنياء، كل فقير يمرض يؤمن له طبيب ويعالج مجاناً، تنظيم المجالس الدينية والإحتفالات العامة.
وأسس الصدر معهد الدراسات الإسلامية يُدرس العلوم الإسلامية والعلوم الطبيعية واللغات الأجنبية، والدراسة فيه مجانية والطلاب داخليون جميعاً.
كان هدف الصدر أن يتطور المعهد ليصبح جامعة. ومن أبرز الإساتذة الذين درسوا فيه الدكتور محمد فرحات، الدكتور أحمد اللوساني، وأسعد علي. ودرّس الصدر الفلسفة فيه، ودرّس الشيخ عبد الأمير قبلان علم الأصول.
يعتبر نجيب جمال الدين أن فكرة تكوين المجلس الشيعي لم تكن فكرة مستعجلة، بل كانت فكرة مدروسة، بدأ النضال فيها منذ عام 1962. ويقول السيد جعفر شرف الدين إن "نشر فكرة تأسيس المجلس الشيعي وتسويقها جاءت إثر "حادثة صور" حيث أمت الوفود النادي الحسيني في صور وأراد الإمام الصدر أن يأخذ من هذه الظاهرة طريقاً لتأسيس المجلس الشيعي، معتمداً العواطف الثائرة، وأعلن عن رغبته وحاجة الطائفة لإنشاء المجلس".
وبعد نضال دام لسنوات نشرت الجريدة الرسمية في 25 كانون الأول/ ديسمبر 1967 في عددها 103، قانوناً يتعلق بتنظيم الطائفة الإسلامية الشيعية في لبنان.
ويختصر السيد محمد حسين فضل الله الأجواء في تلك الفترة بقوله: "ولد المجلس وكان حدثاً كبيراً عظيماً في وجدان الطائفة الشيعية، لأنها شعرت أنها ولدت من جديد، وأنها أصبحت رقماً في البلد، وأنها أصبح لها قيادة ومجلس".
في الفصل الثالث، يبحث طليس عن تحرك الإمام الصدر وموقفه من الحرب الأهلية، وعلاقته بالإطراف السياسية، ويغوص في شخصيته من خلال مقابلات مع سياسيين وعلماء دين.
وعن تأسيس حركة أمل، يقول طليس: لا يمكن للمؤرخ أن يضع تاريخاَ محدداً لإنشاءة حركة المحرومين – أمل – فهناك تواريخ عديدة. فثمة من يربط إعلانها بالإنفجار في معسكر التدريب في عين البنية في قضاء بعلبك عام 1975.
كتاب طليس، الذي رحل قبل أسابيع، مليء بالمعلومات، ولا شك بأنه سيكون من المراجع والمصادر الأساسية التي تؤرخ لمرحلة الإمام الصدر، إلى جانب "موسوعة الإمام الصدر" التي أعدها الرائد الراحل يعقوب ضاهر، والأبحاث والدراسات التي كتبت لمؤتمر الإمام الصدر السنوي الذي يعقده بشكل شبه سنوي مركز دراسات الإمام الصدر.