لم يكن هجوم مجموعة من المستوطنين على احدى معكسرات الجيش الاسرائيلي في الضفة الغربية واعتدائهم على عدد من القادة العسكريين بالامر المفاجىء للكثير من الاوساط الصهيونية التي رأت ان اسرائيل تجني ما كسبته يداها عندما غذت الجماعات اليمينة التي كانت تمارس الاعتداء على الفلسطينيين وممتلكاتهم في الضفة الغربية على مدى سنين عديدة. فقد كانت نواة اليمين الصهيوني المتطرف قد تبلورت منذ السبعينيات على شكل جماعات صغيرة تتبنى شعار محاربة وقتل العرب وانتزاعهم من ارض فلسطين التي يجب ان تكون ارض صافية لليهود، هذه الجماعات التي ترتكز في مجملها الى عناصر صهيونية دينية متطرفة حظيت دائما برعاية خاصة من المؤسسة الامنية والعسكرية الاسرائيلية، وكان جهاز القضاء الاسرائيلي يتجاوز سريعا عن الاعتداءات التي كانت تقوم بها ضد الفلسطينيين من اعمال قتل وتنكيل وسيطرة على اراضيهم ومنازلهم، فقد كانت ممارسات هذه الجماعات تتتماشى مع السياسات الصهيونية العامة المعلنة والخفية التي تركز على اقتلاع الفلسطينيين وارضهم وخصوصا فيما يتعلق بتشجيع سياسات الاستيطان في الضفة الغربية، وكانت هذه الجماعات تمثل طلائع المستوطنين على كانت تغزو الهضاب والتلال في الاراض الفلسطينية لتقيم عليها بؤر استيطانية صغيرة ما تلبث ان تتوسع لتأخذ الصفة الشرعية وتتحول الى مستوطنات رسمية بكل ما للكمة من معنى. جانب آخر كانت الجماعات المتطرفة تتولاه وهو اعمال ترهيب الفلسطينيين ومنعهم من استثمار حقولهم واراضيهم في الكثير من الاماكن وكانت هذه الجماعات تستخدم اساليب مختلفة كقطع بساتين الزيتون او اطلاق النار على المزارعين الفلسطينيين لارعابهم وصدهم عن العمل في اراضيهم وقد شهدت هذه الممارسات تصاعدا في السنوات الاخيرة. ورغم ان الجماعات المتطرفة لجأت الى ارتكاب جرائم بشعة ضد الفلسطينيين من ابرزها مجزرة الحرم الابراهيمي في مدينة الخليل الذي ذهب ضحيتها عشرات الشهداء الفلسطينيين على يد المستوطن الصهيوني المتطرف باروخ غولدشتاين الا ان الحكومات الصهيونية التي كانت دخلت في عملية المفاوضات مع الفلطسينيين لم تلجأ الى خطوات رادعة بحق هذه الجماعات تجعلها تفكر بحجم الثمن الذي ستدفعه نتيجة الاعتداء على الفلسطينيين. الحدث الابرز الذي جعل الصهاينة يتنبهون الى خطر هذه الجماعات هو عند اغتيال الناشط اليميني المتطرف يغئال عامير لرئيس الوزراء الاسرائيلي اسحاق رابي في العام ١٩٩٥ اثر توقيعه على اتفاقية اوسلو مع الفلسطينيين، وقد شكلت عملية الاغتيال هذه صدمة لدى الاسرائيليين الذين لم يتوقعوا يوما ان يوجه الاسرائيليين السلاح نحو بعضم البعض، ورغم عمق هذه الصدمة في الوعي الاسرائيلي الا انها سرعان ما تلاشت ليعود اليمين مجددا ليمسك بزمام السلطة بعد عام على مقتل رابين ما اعتبر حينها نكرانا من الاسرائيليين لذكرى رابين. ورغم بعض الخطوات التي لجأ اليها القضاء الاسرائيلي في توقيف بعض النشطاب اليمينيين واللجوء الى خطوات احترازية واعمال اعتقال لعدد من اعضاء اليمين المتطرف الا ان التساهل عاد مجددا مع ممارسات الجماعات الصهيونية التي زادت من جرعات ارهابها ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية وضاعفت عملياتها لتوسيع عمليات الاستيطان في مختلف انحاء الضفة الغربية. تلاقى هذا الواقع من تزايد الحالة العنصرية في الاوساط الصهيونية ضد الفلسطينيين في السنوات الاخيرة، وقد ترجم نشطاء اليمين هذه المسألة بسلسلة من المسيرات التي قاموا بها ضد الفلسطينيين في عدد من مدن الاراضي المحتلة عام ثمانية واربعين تحت حماية قوات الاحتلال ما رفع مستوى الاحتقان الى مستويات غير مسبوقة في هذه المناطق بين الفلسطينيين والصهاينة، كما عززت بعض الفتاوى العنصرية التي اطلقها مجموعة من الحاخامات الصهاينة الشحن والتحريض ضد الفلسطينيين خصوصا في المدن التي تشهد اختلاطا بين الطرفين. معالم الازمة بين هذه الجماعات وجيش الاحتلال بدأت نتيجة محاولات الجيش تفكيك بعض النقاط الاستيطانية العشوائية التي لا تمثل قيمة مهمة بنظر الحكومة الاسرائيلية، وقد ارادت هذه الحكومة من تسويق اخلائها لبعض هذه النقاط لتخفيف حدة الانتقادات الموجهة ضدها عالميا نتيجة الاستمرار بعمليات التوسع الاستطياني في الضفة الغربية، كما ان هذه الجماعات بدأت بممارسة عمليات ترهيب وتهديد بالقتل ضد عدد من الشخصيات الاكاديمية والثقافية الصهيونية نتيجة موقفها المعارض للاستطيان في الضفة الغربية كما وجهت تهديدات لبعض العاملين في المجال القضائي الاسرائيلي كانوا على صلة بخطوات قضائية ضد نشاطات اليمين. السلطات الصهيونية بدأت في هذه المرحلة برأي العديد من الاوساط الاسرائيلية بمواجهة الخطر المتعاظم لهذه الجماعات التي كانت تحظى بالغطاء والرعاية والدعم عندما كانت تخدم السياسة الصهيونية ضد الفلسطينيين، وقد اثار اعتدائها على معسكر الجيش ردود فعل ساخطة وشاجبة وقد قدم وزيري الامن الداخلي والقضاء الصهيونيين مجموعة من التوصيات لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ليباشر بعمليات عقابية ضد هذه الجماعات مثل اعتقال العديد من افرادها، واتخاذ خطوات احتياطية تحسبا لاي اعمال هجومية يمكن ان تقوم بها ضد الجيش الاسرائيلي وممثلي السلطات الصهيونية، لكن نتنياهو رفض مطالبة بعض السياسيين التي حثت على اعتبار هذه الجماعات جماعات ارهابية. تطورات هذه القضية جاءت ايضا في ظل حال من الانقسام الداخلي الصهيوني حول جملة من القضايا المتعلقة بقضايا تطبيق احكام الشريعة اليهودية في الكثير من الاماكن خصوصا فيما يتعلق بالفصل بين الجنسين في الاماكن والمرافق العامة، كما ان اندفاعة الجماعات اليمينة الدينية وصلت الى صفوف الجيش نفسه وسط مساعي هذه الجماعات فرض رؤيتها على شؤون الجيش كما حصل عند مقاطعة جنود متدينون لاحدى المراسم العسكرية نتيجة قيام بعض المجندات بالغناء وهو امر محرم في الشريعة اليهودية كما يراها المتدينون اليهود. هو اذن شرخ عامودي يضرب مختلف جوانب الحياة في الكيان الصهيوني الذي يزداد ميلا نحو العنصرية والتزمت، لكن اللافت هذه المرة ان هذه الافات الكامنة في جسم الكيان الغاصب بدأت تنعكس على صحة هذا الجسم بعد ان كانت مجندة وموجهة لممارسة سياسات القمع والاضطهاد والتعدي ضد الفلسطينيين بادوات غير رسمية، والسؤال المطروح هل سيزداد هذا الشرخ عمقا ليصل الى حدود الخطر الذي يهدد وجود اسرائيل ام ان القيادة الصهيونية ستنجح مجددا في توحيد الاسرائيليين ضد عدو خارجي؟.