تاريخ النشر2018 4 March ساعة 11:46
رقم : 315899

السياسة الإيرانية بين الواقع والتحدّي

تنا
إن الخطاب السياسي للرئيس الإيراني حسن روحاني والذي جذب من خلاله الرأي العام الإيراني، وكثيراً من القيادات الدينية والسياسية حوله، شكّل نموذجاً جديداً في قيادة إيران ونظامها السياسي نحو الحداثة، وذلك لأنه أكد الرغبة بالتغيير باتجاه الفكر الإصلاحي بصورة عاقلة ومتّزنة.
الرئيس روحاني
الرئيس روحاني
أسامة العرب
ولعلّ أهم ما ركز عليه برنامج الحكومة الإيرانية موضوعين أساسيين، هما الاقتصاد والتنمية الشاملة. ففي المجال الاقتصادي جرى تعديل المشاريع القديمة من منظور إصلاحي وسطي، كتوجيه الدعم وأسهم العدالة وإسكان المحبة.

وفي مجال السياسة حرصت الحكومة على عرض صورة معتدلة للنظام الحاكم في التفاهمات والعلاقات والمباحثات الدولية كلها، فضلاً عن السعي لإزالة كل أشكال التهديد الخارجي من خلال آلات الدبلوماسية، وهو ما أدى إلى رفع العقوبات وزيادة العلاقات الاقتصادية مع دول العالم، رغم الالتزام بمبادئ ونهج الثورة الإسلامية والدفاع عن حقوق الشعوب المظلومة والمستضعفة وخاصة شعب فلسطين. وهو ما ساهم بإيلاء إيران دوراً فعالاً يتناسب مع مكانتها على المستوى الإقليمي والدولي.

أما في المجال الاجتماعي، فقد كان التركيز على ضرورة الانسجام بين أطياف المجتمع كافة، وعلى تعزيز حق المواطنة والاهتمام بالتنمية البشرية لدى الشباب ورفع مكانة المرأة وحصولها على حقوقها. أما في المجال الثقافي، فقد كان التعبير واضحاً عن تطوير استراتيجية الثقافة الوطنية، وتأكيد محورية الثقافة في برنامج الحكومة،
مع الحفاظ على الأسس الدينية في الثقافة المجتمعية. فضلاً عن الحرص على نبذ أشكال العنف، وتحقيق التوازن بين العرقيات الثقافية وانسجامها كأساس لانسجام الثقافة الوطنية، مع إتاحة حرية الرأي والتعبير في إطار القيم المعنوية للمجتمع. كما تمّ العمل على إيجاد النقابات للعاملين في الحقل الثقافي وتشجيع الاستثمار الاقتصادي في المجالات الثقافية، الأمر الذي ساهم بتصدير التراث الإيراني للعالم من هذا المنظور.

وقد كان التحوّل واضحاً في المجال السياسي، حيث تم التركيز على عدم إقصاء أي فصيل يلتزم بالدستور، بما يشير إلى إعادة فعالية التيار الإصلاحي المعتدل، واحتواء التيارات الأخرى. إلا أن اللافت فعلاً هو التحوّل في مجال الأمن القومي، حيث تمّ التركيز على تحقيق التوازن بين أمن الأفراد وأمن النظام، وتقنين نشاط وزارة المعلومات، ودعم الاطمئنان العام والثقة في توافر الأمن الداخلي والقضاء على أسباب التوتّر قدر الإمكان، والمحافظة على أمن البلاد واستقلالها ووحدة أراضيها، والسعي من أجل نشر الاستقرار الإقليمي والعالمي. إلا أن الإيرانيين واقعيون، ويعرفون أن الأيام المقبلة صعبة، وحجم الضغوط التي تمارس عليها، خصوصاً في ظل وجود رئيس أميركي لديه ولاء مطلق نحو «إسرائيل»، ومشروع شرق أوسط معدّل يرمي لتأسيس تحالف إقليمي بوجه طهران.

وإذا كانت حكومة روحاني قد تمكّنت من المحافظة على الاتفاق النووي كما وقعت عليه مع مجموعة الخمسة زائد واحد، وبذلت جهوداً كبيرة في مجال تحسين البنية التحتية من كهرباء ومياه وطرقات وإزالة الفوارق الاجتماعية، وإنجاز ضمان صحي شامل وتعليم مجاني وشبكة مواصلات واسعة، وسعت لإصلاح السوق واستقراره، إلا أن الضغوط الخارجية والعقوبات الاقتصادية التي مورست عليها قيّدت
فعالية أدائها.

فدور طهران المحوري في دعم محور المقاومة من لبنان وسورية وفلسطين والعراق واليمن والبحرين، جعلها مستهدفة بشكل أساسي من أميركا و "إسرائيل" وحلفائهما، ولذلك فإن التحدي المرحلي للرئيس روحاني يكمن في حث الجميع على التحلي بالصبر لتحقيق تقدم سياسي واقتصادي ثابت. وفي القضاء بشكل كامل على مشكلة البطالة التي لا تقارن بأي بطالة في أي دولة عربية أو شرق أوسطية. أما التحدّي الثاني فيكمن في التوصل إلى حلول مبتكرة لجذب رؤوس الأموال اللازمة إلى السوق الإيرانية، والاستفادة من الزخم الشعبي الذي يتمتع به من أجل إدخال الإصلاحات التي يمكن أن تغيّر الوقائع السياسية والاقتصادية بشكل ملموس، وإنما بشكل تدريجي.

لكن رغم الصعوبات، فإن إيران نجحت في الحفاظ على قرارها السياسي المستقل، وعلى مواجهة المخاطر المحدقة في العراق وسورية ولبنان واليمن والبحرين، وبالقضاء على مشروعي تقسيم المنطقة وتصدير الإرهاب، وأسست لحلف استراتيجي مع موسكو وبكين، الأمر الذي عزّز موقعها على الصعيد الدولي.

وقراءة سريعة لمجمل السياسة الإيرانية في عهد الرئيس روحاني، نجد أنها سياسة براغماتية ناجحة، تدرك مدى تعقيد الأوضاع وكيفية تجاوزها بسلاسة، فروحاني تسلّم مقاليد الرئاسة في ظل أوضاع داخلية وخارجية صعبة، وورث مشكلات فترة الحكم السابقة لعهده، وتمكّن من إخراج إيران من عزلتها والحصار الاقتصادي، وطوّر البنية التحتية للبلد.

ورغم كل محاولات التدخل الخارجية، فقد أثبتت الأحداث الأخيرة مدى التفاف الشعب حول قيادته وحرصه على بلاده. وبالنسبة للعلاقة مع المجتمع الدولي، فقد تمكّنت إيران في عهد روحاني من التعامل مع الآخرين على قدم المساواة والندّية، مؤكدة أن الحوار هو السبيل الوحيد لبناء الثقة والاحترام المتبادل بين الشعوب.

والجدير
بالذكر، أن إيران تمكّنت في عهد الرئيس روحاني على دعم قوتها الناعمة، وتأكيد دور الدبلوماسية في السياسة الخارجية كإحدى أهم أدواتها، التي تمكّنت من حل قضايا شائكة كالإفراج عن الأموال الإيرانية المحتجزة في الخارج وإبرام الاتفاق النووي والحؤول دون إلغائه أو تعديله، وإبرام تفاهمات مع دول الجوار، وإيجاد مصالح مشتركة، ونبذ الخلافات. أي أن سياسة إيران تميّزت بالتأكيد على مبادئ الثورة ورفض التدخلات الخارجية في شؤونها، إنما في ظل تبني نهج معتدل قادر على تحقيق نتائج كبيرة. ولو أن روحاني أفصح بأن هنالك ثلاث مشكلات واجهته، هي سوء إدارة الاقتصاد، والخضوع لنظام عقوبات شرس، وعلاقات مضطربة مع لاعبين كبار، وهذا ما أخّر تحقيق جميع الأهداف التي كان يصبو إليها.

فمواجهة شبكة العقوبات وحدها التي تطال القطاعات الرئيسية، كالبنوك والطاقة والشحن والنقل البحري والصناعات الثقيلة والمنتجات الزراعية وغيرها، تحتاج إلى جهد جبار للاتفاق عليها.

غير أن التحدي الأكبر، الذي واجه الرئيس ولم يفصح عنه، فيتمثل بسياسة النفقات الشعبوية التي كانت سائدة سابقاً، كالقروض شبه المجانية، والتي أغرقت الدولة بالنقد، وأدّت إلى ارتفاع التضخم بشكل مخيف. ولكن يشيد معظم الإيرانيين بسياسة الرئيس روحاني، وبعضهم يعتقد بأن رئيسهم بإمكانه أن يحقق المعجزات، أما البعض الآخر فيعلّق الآمال على نجاح الدبلوماسية وإنهاء العقوبات بشكل نهائي لاستعادة عافية الاقتصاد، غير أن العبء الملقى على عاتق الرئيس الذي يتمتع بدعم المرشد الأعلى آية الله السيد علي خامنئي، كبير جداً وهو يحتاج إلى رؤية وشجاعة غير مسبوقتين، لمواجهة الضغوط الخارجية وإجراء الخطوات الإصلاحية الصائبة القادرة على بناء مؤسسات الدولة الحديثة والنهوض بالاقتصاد بشكل نهائي، ومما لا شك فيه أن الرئيس روحاني قادر على تحقيق ذلك، لأن معياره الجديد للسياسة هو الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والمساواة الاجتماعية.
https://taghribnews.com/vdceon8xojh8zvi.dbbj.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز