إن أموال حماة الحرمين الشريفين لا يقدّم منها شيء يذكر للحرم الثالث،ولشعب فلسطين الصامد،ولأولى القبلتين، أما القدس،والأقصى،وقبة الصخرة،فلها الله!
شارک :
في عام ١٩٣٤، يوم ١٤ آب، زار الأمير( السعودي) سعود بن عبد العزيز بلدة عنبتا، فرحب به الشاعر الفلسطيني الشاب عبد الرحيم محمود بقصيدة نظمها للمناسبة، تليق بعنفوان شاعر يرى ما يدبّر لوطنه في وقت مبكر، ورغم حداثة عمره آنذاك، فهو من مواليد عام ١٩١٣، أي كان في حدود العشرين..قال فيها: نجم السعود وفي جبينك مطلعه أنى توجه ركب عزك يتبعه
وبعد المطلع الترحيبي نبّه الشاعر الأمير الزائر إلى ما ينتظر الأقصى: يا ذا الأمير أمام عينك شاعر ضُمّت على الشكوى المريرة أضلعه المسجد الأقصى أجئت تزوره أم جئت من قبل الضياع تودعه؟!
بصيرة عبد الرحيم محمود الثاقبة نبهت الأمير إلى الخطر الصهيوني وأطماعه، ومتى؟ قبل النكبة ب١٤ عاما..فهل كان الأمير في غفلة عمّا يحدث لفلسطين، وهو سليل من يحكمون الأرض التي ولد على ثراها نبينا محمد، حيث أقدس مقدسات المسلمين، التي لا تقل المقدسات في القدس عنها قداسة؟!
الأمير الذي زار الأقصى، وتجول في أرجائه، تأمل ولا شك قبة الصخرة المشرفة التي عرج من قربها نبينا إلى السماوات العلى، تسلّم الحكم في ما يسمى ( السعودية)، وصار ملكاً على البلاد التي عّرفت قبل حكم العائلة بشبه جزيرة العرب، وبلاد نجد والحجاز، ولم يفعل شيئا لنجدة الأقصى والقدس بعامة، رغم تفاقم الخطر الداهم على فلسطين منذ زيارة الأمير، وسماعه لقصيدة شاعر فلسطين الثائر التحذيرية.
من لا يعرف مصير ذلك الملك أنبهه إلى أنه بعد سنوات على حكمه، ترك المُلك مضطراً، وغادر بلده إلى مصر الناصرية، وبقي هناك عدّة سنوات حتى العام ٦٧، ثمّ انتقل إلى سويسرا وتوفي هناك.
الملك الذي خلعته العائلة لمشاعره العروبية، مات ميتة طبيعية، وليس اغتيالاً كالملك الراحل فيصل، الذي يقال أن الصهيوني كيسنجر اغتاظ منه، ومن دوره في حرب تشرين ١٩٧٣ بسبب قطع النفط، فحرضّ عليه بعد أن توعده في لقاء أغضب الصهيوني كيسنجر وزير خارجية نيكسون!
للتذكير فإن المسجد الأقصى هو أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، وإذا كان ملوك آل سعود قد لقبوا أنفسهم ب( خادم الحرمين الشريفين)، منذ الملك فهد، فإننا نسألهم: وماذا عن الحرم الثالث الذي تحتضنه القدس، الحرم الأسير بالاحتلال الصهيوني، وبرعاية أمريكية!
قصيدة عبد الرحيم محمود هي القصيدة الأولى في طبعة أعماله الشعرية، ولعل هذا ليس بالمصادفة، فالقدس قلب فلسطين، وفي مقدمة أقدس مقدسات المسلمين في العالم، وهي تضيع تماماً تحت بصر وسمع حكام العرب والمسلمين، وتفقد ملامحها العربية الإسلامية..والمسيحية أيضاً. (أذكركم ببيع ممتلكات الكنيسة الأرثذوكسية للاحتلال الصهيوني التهويدي).
القدس تطلق هذه الأيام آخر زفراتها، هي التي إستغاثت، وحذرت، ونبهت إلى ضياعها شعراً ونثراً، منذ بدأ التسرب الصهيوني في ظل رعاية الانتداب البريطاني منذ عشرينات القرن العشرين. آخر ما أعلنته (بلدية القدس) الصهيونية، في مسلسل تهويد القدس، تخطيطها لتحويل باحات المسجد الأقصى إلى (مرافق عامة)!
هذا يعني تحويل الباحات إلى حديقة للزوار اليهود، وهو ما سيكون مقدمة لزرع ما يسمى بالهيكل الثالث على أنقاض المسجد الأقصى، بعد قطع التواصل بين الأقصى وقبة الصخرة، للهيمنة على قلب القدس التاريخي والحضاري.
هل ستحرك الحمية للدين حكام (السعودية) لإنقاذ الأقصى قبل وقوع الكارثة؟!
هل ستتخذ المملكة التي يتوارث ملوكها لقب (خادم الحرمين الشريفين)، ما يعبر عن ولائهم للحرمين..وللحرم الثالث، الذي بدونه تكون المهمة الجليلة التي إنتدبوا أنفسهم لها ناقصة، وسببا لإدانة تقاعسهم من مليار ومائتي مليون مسلم في العالم، كونهم حكام بلاد رسول الله، و..وأصدقاء أمريكا راعية الكيان الصهيوني، التي يتنافس رؤساؤها على خدمة الكيان الصهيوني، وعلى حساب فلسطين، والأقصى، دون أن يأبهوا بزعل المملكة، كون زعلها الشكلي لا قيمة له، ولا يعني بنظر أمريكا سوى مجرد كلام للتسويق على مسلمي العالم!
سيتساءل كثيرون، ومعهم كل الحق: ومتى كان نفط المملكة و..أخواتها النفطيات والغازيات في خدمة قضايا الأمة، وفي صلبها قضية فلسطين، وجوهرتها قدس الأقصى والصخرة..والقيامة؟!
يوم الجمعة ٢٠ تموز الماضي، أجرى الشاعر والإعلامي زاهي وهبه حوارا حول القدس، مع السيدين: موسى أبوغربية، ويونس العموري، وهما من كوادر السلطة المتابعين لشأن القدس، فقدما معلومات مرعبة عن القدس، وما يدبر لها، منها أن عدد المستوطنين في القدس الشرقية _ هناك من يردد يومياً أنه يريدها عاصمة للدولة الفلسطينية..رغم أنه أن لم يبق منها ملمح عربي!_ بلغ ٢٥٠ ألف يهودي.. والرقم يتصاعد مع توسيع المستوطنات، التي هي مدن عملاقة، في مقدمتها معاليه أدوميم.
لتعزيز المستوطنات التي تطوق القدس، وتخترقها، إتخذت سلطات الاحتلال قراراً يسمح بإنشاء فنادق ٥ نجوم فيها، لتستوعب السيّاح القادمين من أمريكا وأوروبا للتبرك بالكيان الصهيوني، وربما.. بالهيكل الذي سينشأ بعد دمار مسجد قبة الصخرة، والأقصى المبارك!
هناك معلومة أوردها أحد الأخوين المتداخلين في الحوار، وهي أن مؤتمر القمة العربية في (سرت) ـ أيام القذافي ـ إخذ قرارا بدعم القدس سنويا ب ٥٠٠ مليون دولار سنوياً..لم يصل منها سو٦٧ مليون دولار، ومجموع ما وصل من العرب والمسلمين في العالم نصرة للقدس، ودعماً لصمود أهلها بلغ ٣٠٠ مليون دولار في كل السنوات الماضية!.
بحسب متابعة الأخوين، فإن اليهود في العالم دعموا مخططات تهويد القدس ب٣ مليارات دولار حتى اللحظة، والرقم مفتوح..حتى يتم تهويد القدس، مع بقاء قلة قليلة عربية محشورة في أحياء تقضم يوماً إثر يوم، بحيث تتقلص مساحة كل ما هو عربي بشراً وحجراً!
الباحات الفسيحة المفتوحة على السماء التي عرج منها النبي، والتي قال فيها الله تعالى: سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله (ص)..ستتحول إلى مرافق عامة، وهو ما يعني أماكن قصف ولهو لليهود، و..المرافق تعني مراحيض لقضاء حاجاتهم، في الأرض التي إرتوت بدماء من حرروا الأقصى من الفرنجة، و..الذين نزفت عروقهم وهم يواجهون الإنكليز والصهاينة في ثورات فلسطين، وإنتفاضاتها، وهبّاتها.
في حديثهما مع زاهي وهبي، توقف القادمان من القدس للقاء الميادين، عند التبرعات التي يقدمها سنوياً الملياردير اليهودي الصهيوني موسكوفتش.
هذا الشخص العجوز موسكوفتش، له محلات قمار تنتشر في أمريكا ، وهو يجمع كل أرباحه سنوياً، ويطير بها إلى الكيان الصهيوني، ويوظفها مثل كل عام، في خدمة توسيع المستوطنات، وبلغ به الأمر أنه تحمل تكاليف إنشاء مستوطنة بكاملها من أموال القمار!
أموال نفط حماة الحرمين الشريفين لا يقدم منها شيء يذكر للحرم الثالث، وشعب فلسطين الصامد، وأولى القبلتين، أمّا القدس، والأقصى، وقبة الصخرة..فلها الله!