يعترف ميليس، ويكمل مينارغ ربط حلقات السلسلة، قبل الحريري هناك هزيمة إسرائيل في أيار ٢٠٠٠، وبعد الحريري هناك حرب تموز، وبين المحطات الثلاث يخوض مينارغ في أسرار حرب "الغيريللا" التي إحترفها حزب الله
شارک :
بعد أيام قليلة، وفي تاريخ قد يطابق ذكرى مرور ٣٠ عاماً على الأحداث التي يؤرّخها، ينتظر أن يوقّع الكاتب والصحافي الفرنسي، ألان مينارغ، الجزء الثاني من كتابه «أسرار حرب لبنان».
يبتسم ألان طويلاً وهو يرتقب موعد الولادة في بيروت. فالمولود الجديد بات بين يديه، باللغتين الفرنسية والعربية. علّه يزعج أكبر عدد من السياسيين في الوقت نفسه، يفكر كاتب التحقيقات الصحافية الشهير. يسرح بعينيه كمن يستعرض الأسماء والصفحات، قبل أن يجزم: أستبعد أصلاً أن يلاقي الكتاب الرضى أو الود، عند سياسي واحد ممن يتناولهم أو ممن كانوا لاعبي المرحلة المؤرّخة، لا بل إزعاجاته ستكون أكثر بكثير من الجزء الأول.
نحو ستمئة صفحة من الوقائع المذهلة. أكثر من خمسمئة وثيقة لم تنشر من قبل، مئات محاضر الإجتماعات والأسماء والتواريخ والتفاصيل الدقيقة، كل ذلك لكتابة حياة لبنان واللبنانيين، في أقل من سنة ونصف. تحديداً يبدأ كتاب مينارغ تأريخه يوم ١٨ أيلول ١٩٨٢.
المكان مؤسسة «بيت المستقبل» في منطقة النقاش في المتن الشمالي. الحدث: إجتماع أمين الجميل مع أرييل شارون وإسحق شامير، قبل يومين من إنتخابه رئيساً للجمهورية.
ويسدل الكتاب ستار صفحاته يوم ٢٨ شباط ١٩٨٤. المكان هذه المرة مطار دمشق الدولي. الحدث: وصول رئيس الجمهورية اللبنانية أمين الجميل إلى العاصمة السورية، في أول زيارة له، بعد الصراع الطويل مع الشام وحكمها، وبعد حرب الجبل وحركة ٦ شباط من ذلك العام، وبعد إنقلاب معادلات وتبدّل موازين.
وبين دفّتي الكتاب الضخم كم هائل من الأسرار: ماذا دار بين اللبنانيين والإسرائيليين، مجزرة صبرا وشاتيلا، إنتخاب أمين، بدء المفاوضات السرية مع الإسرائيليين، ثم المفاوضات الرسمية، بهلوانية وليد جنبلاط بين دمشق وتل أبيب، حرب الجبل وأخطاء قادة القوات اللبنانية يومها وتنافسهم في ما بينهم ومع الجيش ومع أمين الجميل.. مؤتمر الحوار الوطني الأول في جنيف، ومن ثم سقوط بيروت في ٦ شباط، قبل العودة إلى طريق الشام.
تكفي قراءة عناوين الفصول لإدراك أي كنوز من الأسرار وقع عليها ألان في بحثه بين بيروت ودمشق وتل أبيب وعواصم أخرى.
تسأل فوراً: وماذا بعد شباط ١٩٨٤؟ يقلب ألان شفتيه ليعلن بثقة: لا شيء بعد هذا التاريخ. لحظة حطّت طائرة أمين الجميل على مدرج مطار دمشق، إنتهى التاريخ عندكم. بعد تلك اللحظة دخلتم الزمن السوري، وظللتم تراوحون فيه عقدين كاملين. كل المحطات التالية والحقبات اللاحقة، لا طعم لها ولا نكهة.
حتى أحداث ١٩٨٩ – ١٩٩٠ وإقرار الطائف؟ هذه حقبة مهمة، يوافق ألان، لكن لا أسرار غير معروفة فيها. إطّلعت عليها وتابعتها بدقة، لا شيء مكتوماً حولها، كما في الحقبة السابقة. لذلك وجدت أنها لا تستحق كتاباً من نوع كشف أسرار غير معروفة. في المقابل، سيكون جزء ثالث حتماً، لكنه يبدأ في ١٢ تموز ٢٠٠٦
في ذلك النهار، عاد تاريخكم حيّاً متفاعلاً. حرب تموز، تلك حقبة غنية جداً بالأسرار. يعرضها الجزء الثالث بتفاصيلها: عملية الأسر ما قبلها وما بعدها.
مع إضاءات إسترجاعية على حدثين سابقين مرتبطين بتلك الحرب: التحرير في عام ٢٠٠٠، وإغتيال رفيق الحريري سنة ٢٠٠٥. الأحداث الثلاثة مترابطة كلياً. تصوّر أن ديتليف ميليس، مثلاً، أكد لي حين تلقى إتصالاً هاتفياً من كوفي أنان، يطلب منه ترؤّس لجنة التحقيق الدولية في إغتيال الحريري.
كان مساء يوم ثلاثاء. إستمهل الألماني أمين عام مبنى مانهاتن حتى اليوم التالي للإجابة. إتصل ميليس فوراً بليمان، صديقه وخط اتصاله مع سي آي اي، فقال له وافق. في اليوم التالي أبلغ ميليس أنان موافقته. متى ألتقيك؟ سأله. أجابه أنان: عليك القيام ببعض الزيارات قبل لقائي. أولاً جاك شيراك. بعده جورج بوش.
في باريس وواشنطن فهم ميليس أن مهمته محددة: سوريا قتلت الحريري، أثبت ذلك. كيف؟ الجواب عنها في تل أبيب. في عاصمة الكيان الصهيوني، أمضى ميليس أسبوعاً كاملاً بين مئير داغان في الموساد ومسؤولي شين بيت. بعدها فُصل له نحو عشرين محققاً إسرائيلياً بجوازات سفر مزدوجة، لإنجاز المهمة، التي فشلت.
يعترف ميليس، ويكمل مينارغ ربط حلقات السلسلة، قبل الحريري هناك هزيمة إسرائيل في أيار ٢٠٠٠، وبعد الحريري هناك حرب تموز، وبين المحطات الثلاث يخوض مينارغ في أسرار حرب "الغيريللا" التي إحترفها حزب الله.
كيف نقل تجربة الأنفاق الفيتنامية، كيف إستعان بعملاء سابقين للإسرائيليين من أجل تفكيك بنية تساحال وأجهزته، وكيف أعاد إحياء تاريخ لبنان، بحسب الكاتب.
ما هي أبرز خلاصة تستخلصها من كل هذا التأريخ؟ يفكر ألان قبل أن يجيب: حين أسترجع مواقف سياسييكم في حقبات مختلفة، أدرك كم أنهم بلا مبادئ ولا قضايا، وحدها مصالحهم الخاصة هي التي تحركهم!