منذ «النكبة» والشعب الفلسطيني يعيش ـ غالباً ـ في الوقت الفاصل بين مجزرتين.. وحتى بعدما طرد الاحتلال "الإسرائيلي" الفلسطينيين من بلادهم، أو اتخذهم أسرى فيها، وهم أهلها الذين عمّروها وخضّروها، فقد ظلت المجازر تترصدهم في ديار اللجوء، في ظل تقاطع المصالح بين "إسرائيل" و«أنظمة الصلح» العربية المعادية ـ بالتكوين ـ للثورة بوصفها طريق العودة.
مع ذلك تبقى مجزرة صبرا وشاتيلا التي «توّج» بها المحتل "الإسرائيلي" اجتياحه لبنان، صيف العام ١٩٨٢، هي الأفظع، بأعداد ضحاياها من الشيوخ والنساء والأطفال، بعد ترحيل «المقاتلين» من بيروت إلى منفى جديد في بلاد لا تطل على فلسطين ولا نظامها يسمح لأهلها بأكثر من التعاطف الوجداني مع المنفيين ألف مرة!
أضاء الدم المهدور غيلة ظلمة الليل الذي امتد حتى آخر جنين، وثقبت صرخات المدفونين أحياء في تلك البقعة من أرض بيروت التي «احترقت ولم ترفع الأعلام البيضاء» آذان «العالم الحر» الذي كان يرى في «الرئيس» الآتي على ظهر دبابة عنواناً لعهد السلام "الإسرائيلي" مع لبنان.
دخل القتلة المخيمين بحراسة المدافع "الإسرائيلية"، ونفذوا جريمتهم تحت أضواء الكشافات "الإسرائيلية"، ثم خرجوا وقد أنجزوا «المهمة القذرة» التي تهرّب من تنفيذها جنود الاحتلال الذين كانوا يغطون آذانهم وعيونهم ويغسلون أياديهم من دماء هذا الصدّيق!
ولسوف يمضي وقت طويل قبل أن يعرف العالم تفاصيل المجزرة الجديدة التي كان بين أهدافها أن تلقى المسؤولية على «المضيف» لتصوّر السفاح "الإسرائيلي" كقوة فصل بين «الإخوة الأعداء».. ولسوف تتوالى بيانات الإدانة والاستنكار التي لا تعيد روحاً إلى جنين دُفن حياً، بينما سيتولى المحتل «محاكمة» بعض جنده على تقصيرهم في ردع «الوحوش اللبنانيين» وحماية عائلات البؤس الفلسطيني المتروكين للريح.
بالمقابل فإن «العهد الجديد» الذي جاء أيضاً على متن الدبابة ذاتها، بديلاً من «القائد» الذي اغتيل قبل أن يتسنم السدة، قد طارد فطرد كل الهيئات الدولية التي جاءت للتحقيق في المجزرة وتحديد مسؤولية القيادة العسكرية عنها. وبين المطرودين محامية فرنسية عجوز تعمل في «محكمة برتراند راسل»، قدمت بيروت لتستكمل تحقيقاً بدأته مع المسؤولين "الإسرائيليين"، وفي المطار قالت كلمتها الخطيرة: أفهم أن تسعوا لتبرئة الذات، ولكنكم عملياً تبرّئون العدو وتدينون أنفسكم أمام العالم أجمع!
هذه المجزرة التي يجيء إلى بيروت، كل عام، بعض المناضلين من أحرار العالم (ليس بينهم من يمثل عرب السلطة) لإدانتها ومحاولة توكيد التضامن مع هذا الشعب الذي يعيش في الهامش بين النكبة والمجزرة، في السياسة كما في تفاصيل حياته، داخل أرضه الوطنية كما في مخيمات اللجوء.
وليس الهدف تبرئة «المضيف اللبناني» منها، وهو في موقع الضحية، ولكن بهدف منع النسيان من أن يطوي هذه الصفحة السوداء من مآثر "إسرائيل" كقوة احتلال وافدة من الخارج، لا هي من هذه الأرض ولا مكان لها فيها إلا بالقتل ثم القتل ثم القتل إلى يوم... التحرير!