كثيرة هي الاسئلة التي طرحت حول حلب و المواجهات فيها، اسئلة دارت حول الاسباب التي جعلت المعركة فيها تتاخر فلا تحسم حتى الان، وحول طبيعة النتائج المترتبة على هذه المعركة وفقا للاتجاه الذي ستؤول اليها في النهاية.
وجاءت اعلانات عصابات الارهابيين عن “قراراهم ” و حشدهم لحسم المعركة في الايام القليلة القادمة لتزيد من الاسئلة التي كانت تطرح في هذا الموضوع، و بعد كل هذا نعود الى السؤال الاساس: لماذا استهلك هذا الوقت في حلب وما هي النتائج المتوقعة فيها ميدانيا و المترتبة عليها سياسيا؟
أ. للاجابة نرى في البدء انه من المفيد ان نذكر بقواعد تعتمد في العلم العسكري و استراتيجيات الصراع حيث ان هناك نظريتين و لكل منهما شروط اعمال و مهل للوصول الى النتائج المتوخاة. النظرية الاولى هي نظرية “القوة البحتة ” و التي ترتكز في التطبيق على تدمير قوة العدو تدميرا يمنعه عن العودة الى الميدان ما يحقق “بالانهيار الميداني” له.
ولهذا النوع من القتال شروط ثلاثة تتمثل في قرار يتخذ بقتل افراد العدو في السقف الاعلى الممكن و تدمير عتاده و اهلاك البيئة التي يتحرك فيها او يتحصن في منشآتها، والثاني القدرة على محاصرة المنطقة المستهدفة و منع تعزيزات ترسل الى العدو من خارجها او ظهور قوى جديدة تعمل استكمالاً لدوره، والثالث يتضمن قرارا بتحمل اي نسبة في الخسائر البشرية و العتاد و المعدات مهما بلغت.
فاذا طبقنا هذه المبادئ على معركة حلب نجد ان سورية لم تتخذ و لا يمكنها ان تتخذ قرار القتل والتدمير الشامل لانها تواجه المسلحين على ارضها و في الاحياء التجمعات السكنية للشعب الذي يتمسك بدولته وحكومته و يرفض الارهابيين وسلوكهم ووجودهم، ثم ان حلب و منطقتها هي ملاصقة لحدود الدولة التي اسقطت كل الاقنعة وخالفت كل الشرائع والقوانيين وجاهرت بدورها في دعم العمل الارهابي ضد سورية وآوت الارهابيين واقامت لهم مناطق التدريب والتحشد واستمرت على سلوكها العدائي حتى الان ولم يغير في الحال ادعاءها بانها اخرجت قيادة الارهابيين من اراضيها، لان لهذا الاعلان تفسير آخر لا علاقة له بدورها في دعم الارهاب ضد سورية، اما في الشرط الاخير فاننا نعلم مدى حرص القيادة السورية على جنودها كحرصها على شعبها و عدم قبول التفريط باي جندي الا اذا كان لا بد من الامر و قسرا و بشكل يفرضه الميدان.
وعلى هذا تكون استراتيجية “القوة البحتة ” التي تختصر المهل و الاوقات غير ممكنة الاعمال في الحالة تلك.
ب. اما الاستراتيجية الثانية وهي استراتيجية الاذعان فانها تقوم على المواجهة المستدامة الى الحد الذي يقود الخصم او العدو الى القناعة بان استمراره في العمل في الميدان او البقاء فيه سيكون في امرا مكلفا ثم انه لن يكون له افق في الانتصار ولن يكون له اثر او جدوى و لن يغير واقعاً، عندها يضطر الى التوقف والتراجع و التسليم بعجزه فيخرج.
وفي الحالة القائمة في حلب وسورية عامة كان على الدولة ان تواجه العصبات الارهابية اولاً ومن وراءها رعاتها الاقليمين و فوقهم قيادة جبهة لعدوان بعمل وسلوك يفهمهم بان سورية ثابتة صامدة و ان الارهاب مهما اوقع من خسائر و دمار فيها فانه لن يسقطها، وفي مرحلة ثانية تشعرهم بان النار التي اضرمومها على الارض السورية لن يكونوا بمنأى عن لهيبها وان عليهم مراجعة الحساب والتوقف عن العدوان، سواء المباشر على الارض السورية او عبر الدعم انطلاقا من دول الجوار خاصة من تركيا و لبنان.
و قد ادت هذه الاستراتيجية حتى الان الى نتائج هامة يمكن ذكر بعضها كالتالي :
١) الحؤول دون تمكن الاهابيين رغم الحجم و القدرات التي بلغوها (مئة الف مسلح تقريبا) و رغم كل الدعم الخارجي و الاحتضان الذي لاقوه من قوى العدوان و قيادتها ، الحؤول دون تمكنهم من السيطرة على اي بقعة و بسط سلطتهم عليها بما يمكنهم من تحويلها الى قاعدة سياسية للحركة الارهابية التفتيتية .
٢) تشكل حالات اليأس و الاحباط لدى العصابات المسلحة و تشظي قيادتها و تناحرها و اعتزال البعض و فرار الاخر و عودة اخرين عن غيهم و الثواب الى الرشد و التخلي عن حمل السلاح بوجه الدولة لقناعة منهم بان السلاح لن يؤدي الى تغيير و لن يوصلهم الى نتيجة .
٣) فشل كل محاولات الجمع و تشكيل القيادات الموحدة للحركات المعارضة سواءعلى الصعيد السياسي او العسكري و الاستمرار في تفسخ هؤلاء الى الحد الذي سقط فيه اي احتمال لقيام سلطة او حكومة مؤقتة رغم التشجيع الغربي خاصة الاميركي و الفرنسي لاقامة الحكومة الانتقالية .
٤) فتح كوة في الجدار الذي اقيم بوجه العمل السياسي الداخلي و كان لمشهد مؤتمرات القوى المعارضة السلمية و المدنية التي عقدت في دمشق مؤخرا خيردليل على قوة النظام و الحكومة السورية في ادارة الشأن السوري العام .
٥) لجوء المعارضة الارهابية لمسلحة الى عمليات الانتقام و ارتكاب المجازر بشكل جنوني تعبيرا عن حالات اليأس و الاحباط .
٦) خشية تركيا من تمدد الحالة الارهابية اليها و انطلاقها في عملية مراجعة للسلوك ستقود في النهاية الى تجفيف مصادر الارهابيين المنطلقين منها ، و الامر ذاته بدأ في لبنان مع تشدد الجيش البناني في مراقبة الحدود و ضبط عمليات التسلل و تهريب السلاح .
٧) شعور عالمي متزايد بان النار في سورية اذا لم تطفأ فانها ستنتقل حتما الى كل المنطقة و يكون من مصلحة من اضرمها ان يسعى الى تسوية و حل يطفئها .
ج. اما على صعيد النتائج و توقيت الحل فاننا نيز بين امرين :
١) الاول يتعلق بمصير المواجهة و هنا نستطيع و بثقة المراقب المتمسك بقواعد العلم لعسكري و المتتبع لمجريات الميدان ان نقول بام حلم المسلحين الارهابيين بالنصر و في اي مستوى كان هو وهم اكيد ، كما ان مناورتهم للاستمرار في قتال يؤخر الهزيمة و يكسبهم الوقت لاستقدام مزيد من الدعم و التدخل ، هي مناورة بائسة يائسة لان الاوراق التي يمكن اللجوء اليها استعملت كلها في الميدان السوري و لم تحقق نتيجة يبنى عليها ، و يبقى الوضع الثالث الذي لا مفر منه و هو تجرع هزيمة بات بعضهم يتلمسها و لهذا نجدد التشظي و التشتت و انفراط الجمع المعارض لينأى كل واحد بنفسه عن الخطر القادم.
٢) الثاني يتعلق بالمهلة المتوقعة للانتهاء من المواجهة الميدانية، و هنا نلفت الى ان العمل المسلح الجاري على الارض السورية ليس موحد الاهداف اصلاً، حيث اننا نميز في الامر بين فئات اربعة من مقاصده، و نبدأ بالمعلن منها و هو اسقاط النظام، يليه في حال الفشل – و الفشل بات امرا واقعا- تدمير قوى الجيش السوري و انهاكه و اخراجه من معادلة المواجهة مع اسرائيل كونه الجيش العربي الوحيد المتبقي اليوم في هذا الميدان،
ويضاف الهدف الثالث الذي يتمثل بتدمير البنية الثقافية و التاريخية و الاقتصادية لسورية لمنع قيامها مجددا والزامها بان تكون دولة فاشلة اسوة بالدول العربية التي ضربتها يد العدوان الاميركي الصهيوني، وأخيرا نصل الى الهدف الرابع و هو الاجهاز على الشعور الوطني والقومي الذي تميز به السوريون لاحلال شعور الطائفية والعرقية والمذهبية مكانه لمنع تشكل حالات الوحدة الوطنية مكانه مستبلا و هي الوحدة التي لا بد منها لقيام الدولة القوية.
من هنا ومع تعدد الاهداف و الاستراتيجيات المعتمدة لتحقيقيها، فاننا نرى ان سورية بحاجة للوقت الاضافي لتعطيل العمل الارهابي والعدوان السلح الذي يستهدفها خاصة في الهدفين الثالث والرابع وبعد ان بات الفشل مؤكدا للهدف الاول، وان الجيش السوري نظم مناورته في المواجهة بما يمنع تحقق الهدف الثاني.
و على ضوء ذلك و مع قناعتنا بان العدوان على سورية فشل ، وبان سورية لن تنتقل من موقعها الاستراتيجي الذي كان سببا في الاصل للعدوان عليها فاننا نرى ان كل المنخرطين في العدوان عليها باتوا على قناعة بان الحل لن يكون كما يريدون، ولن يكون بالقوة المسلحة لانهم عجزوا عن الانتصار، و لان سورية لم تعتمد استراتيجية القوة البحتة كما ذكرنا،
ولذلك بات موضوعيا القول بان سورية هي اليوم على عتبة اعلان انتصارها على المؤامرة، و ان اعمال العنف الى تراجع اكيد، اما الحل النهائي الذب يعيد الاستقرار الى تمامه، فانه لن يكون الا على طاولة حوار يتحلق حولها كل مؤمن بسورية وعزتها وسيادتها ويرفض العنف والارهاب ويعارض اي نوع من اانواع التدخل العسكري الاجنبي او الاستعانة بالاستعمار متذكرا بان الظالم المستعمر لا يمنح حرية و لا حقوقاً لاحد.