في لحظة جنون كادت الامور في لبنان تنزلق الى اشعال نار تحرق كل شيء، لولا حكمة الفريق الوطني ورجاحة عقله وبعد نظره وقدرته على الصبر والاذية، ما ادى الى افشال مخطط احراق لبنان بيد تيار مستقبل الحريري، وحلفائه من التكفيرين والاخرين من ذوي الباع الطويل في القتل والتهجير والعمل بالتوجيهات الاسرائيلية لتدمير لبنان.
خطة الاحراق التي اتخذت من اغتيال رئيس فرع المعلومات في قوى الامن الداخلي شرارة لها، ونفذت قطع طرقات واعتصامات مسلحة واعتداء على المواطنيين بقطع ايديهم واصابعهم بالسيف او بقنصهم و قتلهم بما يعيد الى الاذهان صورة الحرب الاهلية التي قيل انها انطوت مع اتفاق الطائف.
ثم توجت الخطة الحريرية بالهجوم الغوغائي على السريا الكبير الذي كتب فوقه الحريري الاب "لو دامت لغيرك ما آلت اليك". واستمرت ردة الفعل المجنونة الى ان كان مؤخرا القرار بمقاطعة الدولة والعمل السياسي الرسمي فيها بما يشبه العصيان المدني "الذي لا رجعة عنه ان لم تستقل الحكومة".
ولان الشيء بالشيء يذكر، فان مشهد ما حصل بعد اغتيال العميد - رقي بحكم القانون بعد الشهادة – اللواء وسام الحسن يعيدنا بالذاكرة الى ما حدث قبله و قبل ٥ اعوام حيث استهدف الارهاب المنظم رئيس عمليات الجيش اللبناني العميد – كذلك رقي بحكم القانون بعد الشهادة – اللواء فرنسوا الحاج، وقرأنا يومها في استشهاده انه قد يكون ردة فعل انتقامية على دوره الفاعل في مخيم نهر البارد حيث كان اعد للجيش اللبناني فيه فخ بعدما تواجه فرع المعلومات مع فتح الاسلام، كما ولم نستبعد يومها بان الاغتيال كان بمثابة قطع طريق على الضابط العام لمنع وصوله الى قيادة الجيش حيث كان هو الاوفر حظا لكفاءته ولانه ومن المقربين للعماد عون.
ومع هذا التصور دعونا الى انتظار نتجة التحقيق و وضع كل الامكانات في سبيل كشف الحقيقة حول الاغتيال رغم العوائق التي قد تعرقل السير في ذل . مع التذكير بان السلطة يومها كانت بيد تيار مستقبل الحريري وحلفاؤه والذين هم في المعارضة الان بعد ما خسروا مقاعدهم في السلطة لرعونة و قصر و نظر و عجز عن قراءة الوضع اللبناني و فهمه .
وهنا يكون مفيداً ان نذكر بردة فعل الفريق السياسي هذا ( اليوم هو المعارضة ) وهو الذي قام بردة الفعل المشينة والمجنونة كما ذكرنا اعلاه بعد اغتيال العميد الحسن، وقد كان هذا الفريق هو المستأثر يوم اغتيال العميد الحاج بالسلطة في لبنان وكانت حكومة فؤاد السنيورة هي الممارسة الحصرية للحكم بعد ان اخرجت الشيعة من صفوفها وقطعت العلاقة مع رئيس الجمهورية لتقوم هي بمقام الرئيس عبر ذاك النص الذي ادخل في دستور الطائف و جعل السلطة التنفيذية في مجلس الوزراء ظاهرا و في يد رئيس الحكومة واقعا، حيث كانت يومها ردة فعل هذا الفريق مغايرة تماما للمنطق، ولقواعد القانون الجنائي فسارعت الى لصق الجريمة ومن غير اي دليل او قرينة او بينة، بخصمها السياسي وطبعا كانت سورية برأيهم هي المسؤول، رغم ان سورية كانت خرجت من لبنان قبل ما يقارب العامين.
كما ان هذا الفريق لم يعر اهمية للدماء الزكية التي سالت حتى انه لم يعلن الحداد على الشهيد الحاج (فاستفز مشاعر احبته وذوويه واصدقائه ) بل كل ما كان يبتغيه هو الاستثمار السياسي والهجوم على خصومه من باب الجريمة تلك.
وفي المقابل لم يطالب احد باستقالة الحكومة يومها او يحملها مسؤولية التقصير او ارتكاب الجريمة، ولم يودع الضباط المسؤولين عن الامن في السجن كما حصل بعد اغتيال رفيق الحريري، ولم تقطع الطرقات ولم يقنص على احد بل كانت ردة فعل حضارية تميزت بالحزن والاستنكار و المطالبة بتطبيق القانون اللبناني لملاحقة الجناة.
ان كلا الضابطين العامين المستهدفين بالاغتيال ووفقا للاصول والترابية والوظائف كلاهما مهم في سلم المهام الامنية والعسكرية اللبنانية، ولكن لماذا كان هذا الاستنفار والتناقض والاختلاف في ردات الفعل حول هذه الجريمة وتلك التي تشبهها، حيث ان الفريق المسيحي عامة والتيار الوطني الحر خاصة لم يلجأ الى شيئ مما ذكر وقد كان هو ايضا في المعارضة وخارج السلطة؟.
وبعد هذه المقارنة والتساؤل ومن اجل معرفة الدوافع الحقيقة "لثورة الجنون التدميري " نرى ان نعود الى عملية الاغتيال ذاتها لنعرض الاصول الواجبة الاتباع في كشف الجناة وخفايا اي جريمة حيث ان البحث يكون محكوما بالقواعد التالية:
١) على المحقق ان يبدأ من ميدان الجريمة كنقطة انطلاق ويبحث في كل الاتجاهات دون تركيز مسبق على اتجاه او اهمال مسبق لاتجاه اخر مهما كان ظاهره سخيفا. وان اي تقييد مسبق لاتجاهات التحقيق يكون بمثابة القصد المسبق لعدم الوصول الى الحقيقة.
٢) على التحقيق ان يأخذ في الاعتبار ان المستفيد من الجريمة قد يكون واحداً من ثلاثة و لا يجوز استبعاد اي منهم مسبقاً :
- الاول وهو الذي ينبغي ان يقفز الذهن اليه فور وقوع الجريمة، وهو الخصم او العدو الذي يجد في المغدور مصدر ضرر او خطر عليه، فيعمد الى قتله ليتخلص من خطره.( يدرج هنا كل الاعداء و الخصوم )
- والثاني وينبغي لا يستبعد في مسارالظن والتحقيق لا بل قد يكون المنطلق به، هو الصديق والفريق الذي ينتمي اليه المجني عليه، حيث يكون القتل هنا تحت عنوان التخفف من عبء او حامل اسرار او من اجل استثارة العواطف و المشاعر لاحتضان هذا الفريق او دفع جمهوره الى عمل يريد خدمة لمصالحه السياسية ( كانت الحركة الصهيونية تدمر ممتلكات اليهود في الشتات من اجل دفعهم للهجرة الى فلسطين المحتلة ) وفي هذه الخانة يمكن ادراج كل من عمل معه المجني عليه او عرف شيئا من اسراره.
- اما الثالث فقد يكون جهة او طرف ثالث يستفيد من حالة الاحتقان بين فريق القتيل وخصومه فيقدم على الفعل من اجل دفعهما الى صدام و فتنة، او من اجل تنفيذ مقاصد اخرى مع علمه بان امر اكتشافه صعب مع وجود تلك الحالة العدائية.
٣) وجوب سير التحقيق في جو هادئ بعيدا عن اي ضغط مهما كان مصدره، لان المحقق هو انسان تتأثر مشاعره و يخشى عليه من ان يمتنع عن اظهار حقيقة توصل اليها بقناعة و لكنها لا ترضي الجمهور ، او ان يندفع الى التزوير و التلفيق من اجل الاستجابة لتلك البيئة الضاغطة .
٤) ان يجري التحقيق من له مصلحة اكيدة في كشف الحقيقة، و هنا لا مصلحة الا للبنان الوطن و الدولة نفسها باعتبارها دولة الجميع ، اما الاستعانة بالغير ففيها مخاطر كبيرة على الحقيقة اذ من يضمن عدم اخفاء الحقيقة من المتدخل الاجنبي في التحقيق ؟ او تشتيت ادلتها ( كما كانت حكومة فؤاد السنيورة تطلب من ال اف بي اي الامريكية بعد كل جريمة من الجرائم ال ١٤ التي ارتكبت في ظلها ، و نخشى ان يتكرر هذا الامر ذاته مع القبول بهذه المؤسسة الامنية الاميركية للتحقيق في جريمة قتل اللواء الحسن.
على ضوء هذه القواعد نستطيع ان نقيم سلوك المعارضة في لبنان لنخلص الى صورتها كما يلي:
- انها غير مهتمة بدم الشهداء العسكريين بصفتهم ضباطا للوطن، وبالتالي لا تعنيها المؤسسات بل تهمها المصلح التي يوفرها الاشخاص لها. ففرنسوا الحاج لم يكن من فريقها، فبخلت عليه حتى بيوم حداد، اما وسام الحسن فكادوا ان يحرقوا لبنان بعد غتياله.
- انها غير مهتمة بكشف الحقيقة، لا بل انها بما اعتادت عليه من سلوك تسهل ارتكاب الجريمة عبر جو التشنج الذي تشيعه في البلد، و انها تتيح للمجرم الحقيقي ان يفلت من العقاب طالما ان احدا لن يفكر فيه و ان الاتهام سيكون حصريا ضد سورية.( كيف يمكن استبعاد اسرائيل !!!!!!!!)
- انها غير مهتمة بامن او بمشروع دولة او دولة فهمها الاوحد السلطة و السلطة فقط، حتى و لو كان السلوك اليها والمحافظة عليها يسيران في اتجاهات متناقضة و متعاكسة و هنا نذكر بان فؤاد السنيرة استدعى مفتي الجمهورية الى السرايا ليمنع اجتياحها الموهوم ( و هو ظن تبين انه وهم و خطأ في التقدير ) و اقام له صلاة الجماعة و حول السرايا الى مسجد ليعطيها حصانة دينية، وهو نفسه، سكت معبرا عن رضا و اغتباط بالدعوة الى مهاجمة السرايا لاسقاط حكومة نجيب الميقاتي.
ان هم فريق مستقبل الحريري و حلفاؤه، لم يكن كشف حقيقة او نشر امن او مصلحة وطن و لم يكن يوما قبولاً بمشاركة الاخرين في الحكم او تأمين مصالح المواطنين بل انه حصري في امر واحد هو السلطة و السلطة وحدها حتى و لو جاءت على جماجم الشعب و دمائه و امنه و اقتصده، و اذا كان المستفيدون من السطة تلك يبررون لانفسهم كل فعل مهما كان شنيعا ، من اجل الوصول اليها . فاننا نسأل عن مصلحة من تبقى يسير وراءهم (من الواجب التنويه بتراجع شعبي لهم انعكس بشكل مذهل يوم تشييع اللواء الحسن )؟
واخيرا نذكر" تيار شهوة السلطة " ان متغيرات هامة و بيئة دولية قادتهم الى السلطة في العام ٢٠٠٥ ، و ان هذه البيئة تغيرت و ان قوتهم الذاتية غير قادرة بمفردها على اعادتهم الى الحكم فهل يتعقلوا و يتوقفوا عن ايذاء الدولة و شعبها و الانتحار ؟