ما خلفية الصراع الخليجي والتظاهر السعودي بمحاربة الارهاب ؟ !
تنا
الصراع بين السعودية وقطر قديم وحديثه تمحور حول دولتين مصر وسوريا . فبعد ان اخفقت قطر في الملف السوري وسحب هذا الملف منها ، تمركز هذا الصراع حول مصر ، فصدر القرارين السعوديين بحق قطر والاخوان .
شارک :
العميد امين محمد حطيط
يتوقف المتابع مليا عند قرارين املتهما السياسة السعودية على نفسها و على من يتبعها من حكام الخليج الممتثلين لاوامرها بعد تصدع مجلس التعاون الخليجي الذي تملك السعودية قراره حيث بات موزعا بين جزء محتل منها ( البحرين ) و جزء يدور في فلكها ( الامارات ) و جزء ينأى بنفسه عن صراعاتها (الكويت ) و جزء تعاديه و يناهضها في السياسة و السلوك ( قطر ) .
كان القرار السعودي الاول محاولة لفرض عزلة خليجية على قطر لانها بزعمها لم تحترم التزاماتها الامنية و السياسية حيال “مجلس التعاون الخليجي” و استمرت برعاية تنظيم “الاخوان المسلمين” و احتضانه و تمويل عملياته التي تهدف الى زعزعة الامن و الاستقرار في دول المجلس ، و طبعا جاء الرد القطري نافيا للمزاعم السعودية و مصوبا للتبرير و الاسباب بربطها بما يجري في مصر و سورية من صراع خليجي برعاية اميركية ، و ما آل اليه وضع المجموعات الارهابية التي ترعاها السعودية في سورية من تناحر و تأكل فيما بينها ، و اندحار و هزائم امام الجيش العربي السوري و حلفاؤه لم تكن آخرها “معركة الزارة” و ما كان فيها من سقوط مدوي للارهابيين القادمين في معظمهم من لبنان .
اما القرار الثاني فقد تمثل في ادراج تنظيمات عدة على لائحة الارهاب السعودية ، و حظر عملها ومنع تقديم الدعم المالي لها ، حتى و حظر مجرد الدعاء لها في المساجد الى حد يمكن تأويله بان القرار حرم حتى التأييد القلبي او القبول الضمني بهذه التنظيمات التي تنقسم الى فئات ثلاث :
- فئة كانت السعودية تلاحقها منذ نشأتها و لم تكن يوما في موقع المتحالف او الصديق او حتى المحايد منها و هي ليست على المذهب الوهابي مطلقاً (تنظيم انصار الله الحوثي في اليمن ، و تنظيم حزب الله السعودي في المنطقة الشرقية من المملكة ذاتها) .
- و فئة نشأت و مولت و عملت تحت الرعاية السعودية و اعتنقت الفكر و المذهب الوهابي التكفيري و عملت للاهداف التي تريدها السعودية وفقا لما املته عليها اميركا التي اوجدت تنظيم القاعدة الارهابي ، و استعملته حيث تقضي احتياجاتها (بالاستعانة بالسعودية و اموالها ) ، و هذه الفئة هي التي تعمل اليوم بشكل خاص في العراق و سورية و بعض لبنان ( تنظيم داعش ، جبهة النصرة ) ،
- اما الفئة الثالثة فهي الفئة التي شهد تاريخها الممتد الى عقود ثمانية نوعا من التوأمة بينها و بين الوهابية ، و التي كانت الحليف الاستراتيجي و الميداني لها في جميع مراحل الحريق العربي و ميادينه الممتدة من تونس الى سوريا عبر ليبيا و مصر في السنوات الثلاث الماضية .
و مع هذين القرارين يتساءل المتابع عن الاسباب التي حدت بالسعودية لاتخاذهما و عن دلالاتهما في هذه الحقبة بالذات التي وصل فيها الصراع الدولي في منطقة الشرق الاوسط و في العالم الى مرحلة متقدمة و شديدة الحساسية .
و تلمساً للاجابة نرى ان نبدأ بمصر التي سارعت السعودية الى اغداق المال على الجهة التي تولت الحكم فيها بعد ان تم اسقاط حكم “الاخوان المسلمين” ، مؤملة امتلاك قرارها لتكون – مصر – بديلا للعراق الخارج من القبضة السعودية الى الحد الذي بات يتهمها مع قطر بانهما اعلنتا الحرب عليه و انهما تصدران اليه الارهابيين و تنفقان اموالهما فيه لزعزعة الامن و الاستقرار و الفتك بوحدته كله دفعا لاقامة الدويلات الطائفية و العرقية و المذهبية وفقا لما تشتهي اسرائيل التي لا هم لها اليوم الا اعلان يهودية الدولة و الاستحصال عل اعتراف العالم و في طليعتهم الفلسطنيين و العرب بان “اسرائيل دولة للشعب اليهودي “.
لكن السعودية التي تتابع ما يجري في مصر ، و التي تطلع على ما يكتب من تقارير غربية حول مسار الامور المصرية مستقبلا باتت – كما يبدو – تدرك ان حكم المشير عبد الفتاح السيسي القادم بخطى ثابتة وفقا لما بات يقينا عند الجهات المعنية و المتابعة ، ان هذا الحكم يمكن ان يكون صديقا او منسقا مع السعودية ، لكنه لا يمكن ان يكون تابعا و مسيرا من قبلها ، و انه لن يدع مصر جرما يدور في الفلك السعودي بل سيكون له سياسته المصرية الخاصة به التي قد تتقاطع و تتوافق مع السعودية و قد تتعارض معها ، ما يعني ان السعودية لن ترى مصر كما تريد و لن تكون مصر تعويضا لها و بالحجم الذي تتوخاه عما خسرته و يرجح ان تخسره في المشرق العربي ..
ثم انها تقلق على هذا القدر المتواضع من التعويض المصري و تراه مهددا بالضياع ايضا بفعل سياسة قطر التي تستمر عبر اعلامها ، و اموالها بالتحريض على الحكم المصري القائم حيث تسعى لاعادة تنظيم الاخوان المسلمين الى السلطة من اجل ان تكون مصر جزءا من فضائها الاستراتيجي الحيوي الذي تحلم به ، و لهذا رصدت ال ١.٥ مليار دولار لانشاء “الجيش المصري الحر ” على غرارا ما انشأت في سورية مع بدء العدوان عليها ، و انها تستمر في وصف الحكم القائم ب”الانقلاب” ، و لهذا كانت حرب السعودية على قطر و على الاخوان المسلمين الذين اضحوا ارهابيين بالتصنيف السعودي بعد طول تحالف و تنسيق معهم .
اذن انه الصراع على مصر بين قطر و السعودية ، كان السبب الرئيسي لانفجار العلاقة بينهما ، و ما قد يؤدي الى انفجار مجلس التعاون الخليجي كله و ينسحب بآثاره بشكل او باخر على “جامعة النعاج العربية ” – وفقا للتوصيف القطري – تلك الجامعة التي ستنعقد في قمتها في الكويت التي تخشى ان يكون الانفجار العربي في القمة على اراضيها و تتضرر بشيء من شظاياه . و هنا من المفيد ان نذكر بانه صراع على جلد الدب قبل اصطياده ، دون ان يعلم المتناحرون بان مصر اكبر من تدخل في الجيب القطري ، و اهم من ان تكون حديقة خلفية للحاكم السعودي ، خاصة اذا قيض لها من يكون وفيا لتاريخها و حريصا على مستقبلها و مستقبل الامة .
اما على الاتجاه السوري فقد يكون الامر مختلفاً بعض الشيء ، حيث ان قطر ادركت فشلها و اخفاقها ، و تجرعت كأس هزيمتها مع طرد “حمديها” بقرار اميركي و سحب الملف منها لتستأثر به السعودية التي بدأت تدرك ايضا انها دخلت في طريق الهزيمة و انها تسير بخطى ثابتة اليها و ان رأس بندر لن يكون هو الاخير الذي يسقط في مسيرة العدوان على سوريا .
و بالتالي لا يبدو ان السعودية تخشى من دور لقطر في سوريا ، كما انها باتت في اعماقها لا تؤمل هي بذاتها من ربح في سوريا بعد ان تسارعت الاحداث على ساحتها و تهاوت الاحلام الغربية على الصعد السياسية و الميدانية معا ، و بعد ان بات المشهد ينبئ يقينا بان سورية و حلفاؤها خطُّوا بدماء شهدائهم و ارادة قادتهم و صبر شعوبهم خطّوا المقدمات لانتصار استراتيجي اكيد سينسحب بمفاعليه على العالم كله ، و لن تكون السعودية بمنأى عن تلك المفاعيل في وجهها السلبي على المعتدين الذين تشكل السعودية اليوم رأس الحربة فيهم .
و بالتالي فان السعودية التي خسرت في فضائها الاستراتيجي الحيوي الذي ضمر لينحسر الى حدودها مع بعض امارات الخليج باتت تخشى على امنها ذاته ، خطرا تتصوره من الاتجاه السوري حيث تخشى من ٤٠ الف ارهابي ينضوون تحت عناوين “داعش” و “جبهة النصرة” ، و هي تخشى من اضطرار بعض هؤلاء – و سيكونون بالالاف – الى ترك الميدان السوري هربا من قبضة الجيش العربي السوري و حلفاؤه ، و اللجوء الى دول الخليج و في طليعتها السعودية و التقاء هؤلاء في فعلهم مع عمل اخرين يناهضون الحكم السعودي الوهابي في الحجاز و هنا توضع المملكة بين نيران اربعة : نار انصار الله الحوثيين من الجنوب عبر اليمن ، و نار حزب الله السعودي من الشرق انطلاقا من القطيف و جوارها ، و نار داعش من الشمال عبر العراق ، و نار جبهة النصرة من الشمال الغربي عبر الاردن آتيا من سوريا …
انها النيران الاربعة التي باتت تؤرق حكام السعودية ، و هي الهواجس التي حملتها على اتخاذ التدابير االاحترازية و الوقائية لمنع وقوعها ، و من اجل ذلك كان “قرار محاربة الارهاب” ، القرار الذي لا يمت بصلة الى يقطة ضمير او تراجع عن الحرب- العدوان على سورية ، لان السعودية مستمرة في هذا العدوان حتى تتلقى اشعارا آخر من اميركا ، اذ لو كانت السعودية تريد وقف العدوان او محاربة الارهاب لكانت ضمت الى لائحتها ما يسمى ” الجبهة الاسلامية ” و هي المنظومة التي شكلها بندر قبل عزله لتكون جيش السعودية الارهابي الذي يقتل السوريين و يدمر ممتلكاتهم . ..و بالتالي بعد ان انحسر فضاؤها الحيوي الاستراتيجي في المنطقة ، هاهي السعودية باتت شديدة القلق على امنها و استقرارها ، فهل ستشرب من الكأس الذي سقت منه سورية و الاخرين و اسمي “ربيعا عربيا ” ؟ و كان حريقا لم يبق و لم يذر ؟.