ان الفرقة والشرذمة والتناحر بين الاخوة عمل شيطاني ينافي دعوة الله الى الوحدة والتعاون ونبذ الاحقاد، لذلك فاننا نطالب المسلمون بتقوى ربهم في وحدتهم وتضامنهم وتناصرهم فيقفوا سدا منيعا بوجه الفتنة .
شارک :
بقلم الشيخ عبد الأمير قبلان نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى
لا يمكن اعتبار الصوم مجرد عملية امتناع عن المفطرات فحسب، فالصوم فريضة ربّانية فرضها الباري عز وجل على عباده منذ القدم لتكون مدرسة تربوية تسهم في صناعة الانسان الرسالي الصابر صاحب الارادة الصلبة والعزيمة القوية، فالصوم بما يشتمل عليه من عبادات تشترك فيها جوارح الانسان وجوانحه يسهم في صقل الشخصية السوية المحصنة بالايمان والتقوى والخير وقد قال تعالى: «يا ايها الذين امنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون».
وتكشف لنا هذه الآية المباركة عن ابرز مقاصد الصوم المجسدة بتقوى الله تعالى التي تدخل في كافة تفاصيل حياة الصائم الذي يدخل في رحاب الضيافة الرمضانية في شهر الله، فيصبح نومه عبادة وانفاسه تسبيحا ودعاؤه مستجابا، فالصوم يحقق التقوى في حياة الانسان ويرسم لها مسارها ويحدد مسيرها ومصيرها لينعم الصائم بفيوضات الرحمة الالهية والجود السماوي لينال السعادة في الدنيا والفوز العظيم بالاخرة.
ان التقوى هي المعيار الذي يحدد توجهات ومواقف وسلوك المؤمن بشكل عام والصائم بشكل خاص، وهي مطلوبة بشدة لصلاح الانسان والمجتمع، وفي مقاربة للواقع الذي تعيشه الأمة الاسلامية فاننا نجد ان التقوى السياسية أكثر من حاجة وضرورة لاصلاح الانسان والمجتمع تمهيدا لنشوء أمة الخير والصلاح التي قال الله عنها: «كنتم خير أمة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله»، فتقوى الله في العمل السياسي تؤسس لقيام أمة الخير التي تتعاون على البر وتنبذ العدوان والمنكر ويتضامن ابناؤها من موقع الاخوة الايمانية التي اكد عليها تعالى بقوله: "انما المؤمنون اخوة". وهذه التقوى تحتم ان يعود المسلمون الى قرآنهم فيلتزموا بتعاليمه ومضامينه ويقتدوا بآياته الهادية الى الصلاح فيتمسكوا بعناصر قوة الأمة وفي طليعتها الوحدة والاعتصام بحبل الله تعالى امتثالا لقوله تعالى: «واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا».
ان الفرقة والشرذمة والتناحر بين الاخوة عمل شيطاني ينافي دعوة الله الى الوحدة والتعاون ونبذ الاحقاد، لذلك فاننا نطالب المسلمون بتقوى ربهم في وحدتهم وتضامنهم وتناصرهم فيقفوا سدا منيعا بوجه الفتنة التي تريد ابعاد الاخ عن اخيه وايقاع الخلاف والخصام بين الاهل وابناء الوطن الواحد والأمة الواحدة، فالاصل ان يتعارف الناس على تنوع اعراقهم وانتماءاتهم ويتعاونوا على الخير وينهجوا طريق الحق في مواجهة الباطل.
ان ما يجري في عالمنا الاسلامي مؤلم ومؤسف، حيث تتفشى النزاعات العدوانية في أكثر من بلد تريد ان تنهش جسم الأمة بدعوات تكفيرية ما انزل الله بها من سلطان، لتفرق بين المؤمنين ولا تستثني في خطرها اي مذهب اسلامي لانها تشكل مرضاً سرطانياً يضرب كل شرائح ومذاهب الأمة، فالارهاب والتكفير صناعة استعمارية ليس لها في قاموسنا الاسلامي مكان، ولا يجوز ان يتحمل الاسلام وزر ما تقوم به المجموعات الارهابية من قتل وفساد وتشريد. وافضل رد عليها يكون بالتبرؤ من كل دعوة للتكفير ليكون المسلمون كتلة متراصة متعاونة على الخير متصدية لكل مشاريع الفتنة والتقسيم التي تضرب سوريا والعراق ولن يكون لبنان بمنأى عن تداعياتها.
ان التقوى تتجسد في نصرة الحق ومحاربة الباطل والظلم، وعلى العرب والمسلمين ان يجسدوا تقواهم بنصرة المظلوم والانتصار للحق فيبادروا الى دعم الشعب الفلسطيني المقاوم للاحتلال والمتصدي لغطرسة قطعانه وعصاباته فينقذوا المقدسات في فلسطين من براثن التهويد لان فلسطين كانت ولا تزال بوصلة الصراع بين الحق والباطل والمسجد الاقصى كان ولا يزال عنوان عزة وكرأمة المسلمين, والعرب الذي يستصرخ ضمائرهم لانقاذه من نير الاحتلال.
في شهر رمضان, فاننا نهنئ المسلمين واللبنانيين بحلول هذا الشهر الفضيل, ونبتهل الى الله تعالى ان يتقبل صيام الصائمين وقيام القائمين وان يحفظ لبنان وبلاد العرب والمسلمين فاننا نؤكد ان تقوى الله هي رأس الحكمة, وهي السبيل الوحيد لخلاص المؤمنين من كل الابتلاءات والمصائب, وكل عام واللبنانيون والعرب والمسلمون بألف خير.