مؤشرات بالجملة رسمها العدوان الإسرائيلي على غزه. توقيت العملية في تموز بالتزامن مع الإنشغال الدولي الشعبي بالمونديال يكرر مخططات تل أبيب التي كانت تقدم في معظم عملياتها العدوانية على إختيار هذا التوقيت.
شارک :
بقلم : عباس ضاهر اعلامي لبناني لم تستطع إسرائيل حسم المعركة خلال يوم أو إثنين أو ثلاثة . أثبتت المحطات الميدانية دوماً أن فشل إسرائيل بالحسم في مدة زمنية محدودة يعني فشلها في تحقيق الهدف . هذا ما حصل خلال حرب تموز عام ٢٠٠٦ ضد لبنان .
تخشى تل أبيب أن تتحول الحرب إلى إستنزاف . الخسائر لا تحصى هنا في الكيان العبري سياسياً وإقتصادياً وعسكرياً ونفسياً. يردد المستوطنون الصهاينة مخاوف : هل أصبحت دولتنا التي لا تقهر عاجزة عن إنهاء ظاهرة عسكرية كالمقاومة الفلسطينية في قطاع محدود المساحة الجغرافية؟
عندما إختارت تل أبيب زمن الحرب، كانت تبني على معطيات عربية - إقليمية. إعتقدت أن "حماس" تحديداً غرقت في الوحول السورية، عدا عن صراع "الإخوان المسلمين" مع مصر. والأساس بالنسبة للإسرائيليين إنشغال الساحات العربية بأحداثها والشحن المذهبي والتطرف والسرقات النفطية والمائية وأحلام التقسيم. كلها عوامل تخدم الصهاينة.
كانت ترمي الحكومة الإسرائيلية الى تحقيق أهداف إستراتيجية بشكل سهل. المطلوب كما طُرح في الايام الاولى للعدوان القضاء على عنصر القوة الأساسي للمقاومة، أي البنية الصاروخية. تلك تشكل هاجساً وقلقاً للكيان. تماماً كما كان الهدف عام ٢٠٠٦ نزع سلاح المقاومة في لبنان. أسلحة المقاومة الفلسطينية اليوم هي صواريخ إستطاعت الوصول الى تل أبيب وحيفا وأبعد.
كانت تعتقد إسرائيل أن "إنحياز حماس" في سوريا ومصر الى جانب الإسلاميين والمتطرفين المسلحين ترك أثراً سلبياً على تسليحها من جانب "محور المقاومة"، لكن بدا أن المعركة ضد الإسرائيليين بالنسبة الى هذا المحور أولوية جرى التحضير لها قبل وبعد الأحداث . ألم تثبت الصواريخ أنها صناعة سورية؟ ثم جاءت الطائرات من دون طيارين "أبابيل" تنفذ مهماتها كما طائرة "ايوب" التي سيرتها المقاومة اللبنانية فوق الاراضي المحتلة في السنوات الماضية. الصناعة نفسها و الأسلوب نفسه تعلموه في مدرسة "المحورالمقاوم".
من يعتقد أن "حماس" وحدها تقاتل هو مخطئ . حركة "الجهاد الإسلامي" هي أساس في المواجهة من دون اي تعارض مع "حماس". "الجهاد" حركة لم تبدل موقفاً لا تجاه سوريا ولا تجاه ايران. بقيت البوصلة عندها واضحة : معركتنا مع الصهاينة. بقي قياديوها في دمشق يتحضرون لأي معركة مع إسرائيل. كانوا يدركون أن المواجهة آتية. هذا ما حصل.
الأخطر ما جرى على الجهة اللبنانية. محطات لافتة تفرض أسئلة: من يطلق الصواريخ بإتجاه الأراضي المحتلة؟ لماذا؟ هل الغاية تسجيل موقف؟ قد يُسجل بتظاهرة مثلاً. لماذا الإصرار على إطلاق الصواريخ من الجنوب اللبناني رغم انها لا تغير شيئاً في المعادلة؟
اعتادت المقاومة في لبنان على توقيت تحركاتها. لم تترك للعدو فرصة لتحديد أولوياته . كانت المقاومة تحضّر و تخطط وتنفذ في الزمان والطريقة والمكان المناسبين. فمن يريد جر لبنان الى حرب مع اسرائيل في زمن لم تحدده المقاومة؟
اطلاق الصواريخ عملية مشبوهة الأهداف، لا تبدو المجموعات المتطرفة نفسها بعيدة عنها، لا تعاطفاً مع فلسطين وكرهاً لإسرائيل، بقدر ما هي استدراج رد العدو الإسرائيلي للاستفادة من عدوانه بكل الإتجاهات.
جاء هجوم الإرهابيين في السلسلة الشرقية لجبال لبنان المحاذية للحدود السورية ضد عناصر المقاومة هناك في نفس التوقيت. بدت الخيوط نفسها تتقاطع لإرباك المقاومة شرقاً وجنوباً . لكن المقاومة تدرك فعلاً ما هو المخطط.
لا يبدو هذا السيناريو بعيداً عن الواقع. ألم تتعاون المجموعات المسلحة في جنوب سوريا مع الإحتلال الإسرائيلي؟ ألم تعالج إسرائيل جرحى المسلحين؟ ألم تتدخل لنصرتهم ضد الجيش السوري مرات عدة؟ ألم تستهدف إسرائيل المواقع العسكرية السورية على الحدود الجنوبية التي تشكل خطراً على المسلحين والإسرائيليين؟
ألم يستهدف المسلحون العقول السورية، وخصوصاً الضباط الذين صنعوا الصواريخ التي تستخدمها المقاومة الفلسطينية اليوم؟ ألم تُضرب قواعد الدفاع الجوي السوري من قبل المسلحين؟ لمن كانت الأوامر؟ ألم تكن إسرائيل هي المستفيدة؟
إذا ما الذي يمنع أن يكون خلف عمليات إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان جواسيس يعملون لصالح المجموعات المسلحة في سوريا ويأتمرون بالأوامر الإسرائيلية؟.