السعودية دخلت معركة غير محسوبة سياسياً وعسكرياً ولم تتوقع حجم الصمود اليمني امام هذا العدوان ، ولهذا فهي متخوفة من نتائجه المعكوسة في الميدان وعلى مستقبلها السياسي في العالم الاسلامي .
شارک :
بقلم : محمد إبراهيم رياضي
الحجج الواهية التي ساقها النظام السعودي لتبرير عدوانه وحربه على اليمن من إعادة الشرعية والرئيس المستقيل المنتهية ولايته، والتهديد اليمني المفترض على السعودية، ومواجهة الاحتلال الايراني أو "الهيمنة الايرانية"، ترجمت عملياً باخفاق واضح للمحور السعودي، في مقابل اثبات وصلابة وقدرة أنصار الله على مواجهة قوة متفوقة جوياً .
ولكن تبقى التساؤلات حول اسباب هذا الاخفاق في حين ان السعودية اعلنت ان هدفها من العدوان ارضاخ الحوثيين وحركة انصار الله بقبول قرارات مجلس الامن والاعتراف بشرعية منصور هادي المنتهية ولايته ، و خلع سلاح الحركة وانهاء احتلالها للمؤسسات الحكومية . الراي العام العربي وبعد الاعلان عن وقف العدوان السعودية الخليجي على اليمن يتساءل هل حقق التحالف العربي المزعوم كل تلك الاهداف وهل انصاعت حركة انصار الله واللجان الثورية لمطالب السعودية ؟ وهل تراجعت عن قرارها في رسم مسار جديد للسلطة في اليمن يعيد للشعب رأيه وكرامته وحقه في تعيين مصيره ؟
هناك عدة عوامل ادت الى اخفاق السعودية والمتحالفين معها من عربان النفط من تحقيق اهدافها المرجوة في العدوان على الشعب اليمني منها عسكرية والقسم الاخر سياسي ، نستخلصها كالاتي :
• السعودية خسرت المعركة لانها هي التي طالبت بوقف اطلاق النار قبل ان يطالب المعتدى عليه ذلك والسبب يرجع الى صمود ومقاومة الشعب اليمني وعدم تأثير هذه الضربات على رأي اليمنيين تجاه الحوثيين .
• السعودية لم تحقق اهدافها العسكرية في ضرب مصادر القدرة العسكرية لانصار الله او على اقل تقدير تحجيم قدراتهم العسكرية والتسليحية ، وذلك من خلال مراجعة بسيطة الى المواقع التي قصفها الطيران السعودي يثبت هذا المدعى حيث غالب المواقع التي استهدفها كانت سكنية او مؤسسات ومنشآت حيوية غير عسكرية كالملاعب والمدارس ومخيمات النازحين ودور المستشفى و..
• عدم اقبال الشعب السعودي خاصة جيل الشباب الى الانضمام الى العمل العسكري والمشاركة في عدوان "عاصفة الحزم" مما اضطر الحكومة بان تلجئ الى المفتين لاصدار فتوى وجوب الالتحاق بالجيش السعودي واداء واجب الجهاد !! . هذا الواقع دفع السلطات السعودية الى اللجوء الى العمل لتجنيد المرتزقة الاجانب في السعودية وتشكيل افواج منهم لعمليات حرب الشوارع في اليمن .
• الخوف من رد فعل اليمنيين العسكرية خاصة وانهم جربوا الحرب ضد الحوثيين عام 2009 والهزيمة التي منيت بها القوات السعودية انذاك امام مجموعة صغيرة واسلحة بسيطة ، فكيف بها اليوم وهي تواجه شعب مسلح برمته وقد ازدادت القدرات العسكرية لانصار الله خلال هذه الاعوام التي مضت على ذلك العدوان حيث تؤيد بعض المصادر على امتلاك الحركة لصواريخ بعيدة المدى . اضافة الى ذلك انهم استطاعوا في هذه الحرب ان يتغلغلوا قليلا داخل الاراضي السعودية وتقتل عدد كبير من جنودها مع ان الحركة لم تعلن لحد الان عن بدأ عمليات الرد على العدوان .
• عدم استجابة تركيا وباكستان لدعوة السعودية للانضمام الى التحالف العرباني للمشاركة في العدوان الغاشم والغير متكافئ ضد الشعب اليمني ، وذلك بعد تحركات ايران الاسلامية تجاه هذين البلدين وتحذريهما من مخاطر العمل العسكري وتداعياته على المنطقة والعلاقات بين دول الجوار . الموقف التركي كان متحمس لهذا العدوان حيث هاجمت ايران متهمة اياها بتوسيع رقعة نفوذها في منطقة الشرق الاوسط ولكن فجأة وبعد زيارة اردوغان الى ايران تغير الموقف التركي واخذ يدعو الى الخيار الحواري والسياسي للازمة اليمنية . واللافت في هذا المجال ان تركيا وبعد زيارة اردوغان لايران لم يفصح بكلمة واحدة حول الازمة اليمنية وهذا دليل على حنكة ايران وعقلانيتها في ادارة ازمات المنطقة ودورها القوي والمتنامي في المنطقة رغم كل الاعلام الخليجي والسعودي المضلل والمعادي لهذا الدور البناء .
باكستان بدورها كذلك رفضت المشاركة في التحالف العدواني على اليمن خاصة بعد ان صوت البرلمان الباكستاني بالاجماع على الحياد في النزاع اليمني، رافضا طلب السعودية إرسال قوات وطائرات وسفن باكستانية للمشاركة في التحالف .
باكستان رفضت المشاركة لعدة اسباب تتعلق معظمها بظروفها الداخلية الاجتماعية والطائفية والاقتصادية ، ولربما يؤجج مشاعر بعض الاقليات التي تعارض سياسات السعودية الداعمة للجماعات الارهابية (جماعات ارهابية في باكستان وافغانستان تدعمها السعودية) ويسبب لها اضطرابات داخلية غير محسوبة . ولربما يسبب لها توتر في علاقاتها مع دول الجوار خاصة ايران كدولة كبيرة ولها دور قوي ومؤثر في المنطقة .
الرفض الباكستاني كذلك جاء بعد زيارة وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف لهذا البلد مما اثار غضب الخليجيين فمنهم مثل وزير الدولة للشؤون الخارجية الامارتي أنور قرقاش توعد الباكستانيين بان رفضهم سيكلفهم عالية قابله تصريح لوزير الداخلية الباكستاني بان تصريحات الوزير الامارتي نالت من كرامة وعزة باكستان ، واخر سعودي ، امير منطقة نجران ، يصف الشعب الباكستاني بالخسيس .
وهنا يميز الراي العام العربي والمتتبع لاحداث المنطقة الفرق الشاسع بين التحرك المنطقي والعقلاني لايران في تعاملها مع احداث المنطقة والهستيريا وعدم التماسك الذي يصيب السعودية والدول التي تدور في فلكها في تعاملها مع ازمات المنطقة .
هنا نستطيع ان نضيف موقف مصر من المشاركة في التحالف العرباني ، حيث السعودية وبعض المراقبين كانوا يتوقعون مشارکة قوات برية مصرية في العدوان على اليمن ولكن ولاسباب لم تذكر تراجعت مصر هي الاخرى عن اشراك قواتها البرية في هذه الحرب الخاطئة في حساباتها العسكرية والسياسية وحددتها بالقوات الجوية والبحرية .
• تحذير ايراني من استمرار العدوان وتبعات هذا العدوان على السعودية والمنطقة وانها لن تقف مكتوفة الايدي فيما اذا استمرت السعودية بجرائمها ومجازرها الوحشية . هذا التحذير تكرر على لسان المسؤولين السياسين والعسكريين حيث جاء بعده تحذير الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله . السعودية وحلفائها الخليجيين يعلمون جيدا ان ايران لن تجامل عندما تحذر خاصة وان تجربتي سوريا والعراق لا زالت حية امامهم . فقد راهنت دول الخليج الفارسي على سقوط النظام السوري والعراقي من خلال زجهم للجماعات الارهابية في هاذين البلدين ولكن الدعم السياسي واللوجستي الايراني غير موازين القوى ، حيث اصبح اليوم الحديث عن الانتهاء من "داعش" في العراق واستأناف علاقات بعض الدول العربية والاوروبية مع الحكومة السورية .
وهنا يجب ان نظيف الى التحذير الروسي القوي للعمل الهستيري الذي تورطت بها الرياض بضرورة وقف الهجوم العسكري على اليمن لما له من تبعات خطيرة على السعودية .
• العامل المهم الاخر يرجع الى تزلزل مكانة السعودية في العالم العربي والاسلامي بسبب جرائمها في اليمن والمجازر التي ارتكبتها في بعض المدن و كذلك استخدامها للاسلحة المحرمة خاصة الاسلحة الكيميائية . هذه الجرائم شوّهت من سمعة السعودية وزعزعت مكانتها ودورها في العالم الاسلامي كبلد حامي الحرمين والمدافع عن المسلمین التي كانت دائما تتبجح به حیث الشارع العربی اصبح لم یثق بشعاراتها الاسلامية وراح البعض يقارن هذه الجرائم بجرائم الصهاينة في غزة .
مما لا شك فيه ان هذه الجرائم الوحشية والغير متوقعة من بلد اسلامي عربي ضد بلد عربي اسلامي اخر ، ستوسع من دائرة الاستنكار الشعبي التي بدأت من اليمن واستمرت في ايران والعراق وبعض البلدان الاوروبية ، الامر الذي سيؤثر على مستقبل دور السعودية في المنطقة والعالم الاسلامي ، ولهذا السبب اثار خلاف داخل العائلة المالكة بين مؤيد لاستمرار العدوان والمعارض لها .
استنكار طبقة كبيرة من علماء السنة والشيعة في ايران والعراق ولبنان وسورية لهذا العدوان الغاشم الى جانب كثير من الشخصيات السياسية و الاعلامية ، وعدم صدور اي موقف رسمي مؤيد لهذا التدخل العسكري من قبل بعض المؤسسات والمراكز الدينية الكبيرة مثل الازهر . السعودية كانت تتوقع موقف مؤيد من الازهر كسند شرعي وفقهي على عدوانها التي ادعت انه جاء للدفاع عن العروبة والاسلام .
السعودية راهنت في عدوانها هذا التي تذرعت بانه جاء للتصدي امام الهيمنة الايرانية والتمدد الشيعي في المنطقة ، راهنت على اثارة المشاعر المذهبية بين السنة والشيعة لخلق جدل طائفي وحرب مذهبية في اليمن لتعم بعد ذلك في المنطقة ولكن كانت النتيجة معكوسة حيث هذا العدوان عزز من تلاحم كل الطوائف المذهبية السنية والزيدية والشيعية و كثير من الكتل السياسية في اليمن ، والمسيرات المليونية التي خرجت في هذا البلد تنديدا بالعدوان السعودي خير دليل على ذلك . وهذا يعني ان السعودية اخفقت حتى على هذا الصعيد ولم تستطع ان تحجم من الدور الايراني الصاعد في المنطقة .