التنوع والتعدد والاختلاف من المفاهيم البادية للعيان يلامسها كل إنسان, فهي من المسلمات في حياة الإنسان بحيث لا تحتاج في البرهنة عليها إلى كثير عناء
شارک :
وكالة انباء التقريب : من الموضوعات الحساسة التي أخذت أبعاداً مختلفة في المفردات الإسلامية منذ عشرات السنين على يد شخصيات دينية وسياسية هو مفهوم التعددية والحرية على كافة الأصعدة. فهناك لغط يثار حول مفهوم التعددية ، يتم تغذيته عبر عقليات إسلامية تظهر وعن نوايا طيبة حرصها على الدين, وترى أن سلامة الدين وصيانة المجتمع يبتني على توخي الحذر، وأخذ الحيطة من التشاكل والتجانس مع ثقافة التعددية والحرية الفكرية والمذهبية والسياسية…., وتعتقد أن مساوئ التعددية أكثر من منافعها فلا تستسيغه, إضافة إلى وجود عقليات إسلامية مختلفة المستويات الثقافية والعلمية تعتقد أن التعددية من الأمور المستحدثة الطارئة على الدين, وبعضهم يضعها على حد البدعة, حتى وصل الأمر بالبعض إلى الاستعانة بسلاح التكفير والخروج عن المألوف داخل المدرسة الإسلامية الواحدة. على أن التنوع والتعدد والاختلاف من المفاهيم البادية للعيان يلامسها كل إنسان, فهي من المسلمات في حياة الإنسان بحيث لا تحتاج في البرهنة عليها إلى كثير عناء, بل يمكن القول بأن التعدد مسألة فطرية وسنة كونية لا يمكن دفعها عن مسارها, وعلى الإنسان السير ضمن خطوطها الطبيعية المؤدية إلى الخير. إن الثبات والصمدية وعدم التعدد هي من صفات الله تعالى الذاتية, وما دونه يقع فيه التفاضل ودرجات التعدد والكمال, وهذا هو جوهر ولب التعدد والاختلاف. فمن خلال استنطاق النصوص القرآنية {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً}[١]، وكذلك الروائية التي تخبرنا بأن رسول الله صلى الله عليه وآله كان أحياناً يخبر عن شخص بأنه سيخلق فتنة بين المسلمين، أو سيحدث ديناً باطلاً، ثم لا يعمد إلى قتله، ولا يجيز للمسلمين أن يمسوه بأذى ، وهذا يدخل في سياسية العفو العظيمة، وحرية إبداء الرأي، وتحمل المعارضة ، وهو مما أتاح للرسول صلى الله عليه وآله تأسيس الدولة الإسلامية في وسط عظيم من عواطف الناس واختلاف آرائهم، فلو كان النبي صلى الله عليه وآله يقتل هذا ويقتل ذلك لسبب أو لآخر، لما تأسست دولة الإسلام، ولا استحكمت أصولها. فقد فسح الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله باب الحرية الإنسانية على مصراعيها، فكان يعيش في المدينة المسلمون وغيرهم من اليهود والنصارى والمنافقين، مختلطين في دورهم وأسواقهم، يتعاملون ويمارسون حرياتهم المتبادلة في ظل الإسلام عيشة سعيدة هانئة في عزة ورفاه. وكذلك في عصر أمير المؤمنين عليه السلام، فقد كان يستوعب الخصوم والأعداء، ويستقطب المناوئين والمعارضين، ومما يذكر أن ابن الكواء كان رجلاً منافقاً، خارجياً، مشاكساً لأمير المؤمنين عليه السلام، وذلك في قمة قدرة الإمام عليه السلام الشاملة، وفي أوج دولته الواسعة، التي كانت ذلك اليوم أوسع دولة على وجه الأرض، فكان ابن الكواء يلقي اعتراضاته على أمير المؤمنين عليه السلام في الأوساط العامة، وبصورة شديدة وحاقدة وبكل حرية، فقد روي أن أمير المؤمنين عليه السلام كان في صلاة الصبح فاعترضه ابن الكواء رافعاً صوته من خلفه بالقرآن {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[٢]، فأنصت أمير المؤمنين عليه السلام تعظيماً للقرآن الكريم، حتى إذا فرغ ابن الكواء من الآية عاد الإمام عليه السلام إلى قراءته، فاعترضه ابن الكواء ثانية وأعاد نفسه الآية، فأنصت الإمام عليه السلام للقرآن مرة ثانية حتى إذا أتم ابن الكواء الآية عاد الإمام لمواصلة صلاتة ، فأعاد ابن الكواء الآية ثالثة، فأنصت الإمام تعظيماً للقرآن، فلما أتم ابن الكواء قراءة الآية للمرة الثالثة، قرأ الإمام عليه السلام وكأنه يجيب على اعتراضه {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ}[٣]، ثم أتم السورة وركع. فهل هناك حرية كهذه الحرية؟، بحيث تسمع لرجل منافق أن يرد على الرئيس الأعلى للدولة ويتعرض له بنسبة الشرك وحبط الأعمال! ولمن لعلي بن أبي طالب عليه السلام الذي هو عين الإيمان ولولاه لم يعرف المؤمنون، ثم ينصت له الإمام عليه السلام ويتم صلاته، وكأن لم يكن شيئاً مذكوراً؟!. وهذا يدل على أن الفطرة الإنسانية مجبولة على قبول فكرة التعدد والاختلاف, إذ كانت النصوص حاكية عن نفسها في أصالة التعدد والتنوع والاختلاف، فنشأة الفرق والمذاهب الإسلامية التي هي واحدة من أبرز مصاديق التعددية والاختلاف في حياة المجتمعات الإسلامية, بغض النظر عن مسبباتها واعتبار كل مذهب أنه هو صاحب الحق، إلا أن التعددية الاجتهادية مظهر من مظاهر التعدد والتنوع في حياة البشر, رغم أن مصادر التشريع واحدة, هذا التعدد في الاجتهادات بشكل عام أغنى التشريع الإسلامي وهو أحد علامات حيوية الدين الإسلامي ومواكبته لتطورات الحياة التي تحتاج معها إلى اجتهادات فقهية منتزعة من مصادر الإسلام الحنيف. ولما كان التعدد والتنوع والاختلاف كناية عن حرية الإنسان والتي تعني حق الإنسان في التصرف ضمن ضوابط شرعية وقانونية وعرفية ، وهذا الحق أمر تكويني فطري أودعه الله سبحانه وتعالى في كينونة الإنسان, إذ لم يخلق الله الناس حينما خلقهم أحراراً وعبيداً, وإنما تنافس بين قوى الخير والشر, هي التي خلقت على مرور الأزمان طبقات الأحرار والعبيد. إذن أينما دار الإنسان ببصره في هذا الكون، وجد التعدد والاختلاف والتنوع في كل شيء ما خلا خالق الكون المتوحد في وحدانيته، وابتغاء توحيده لن يكون إلا في إطار القبول بالتعدد، أما محاولة صب الناس جميعا في قالب واحد، فهذه وحدة مصطنعة تجافي فطرة الإنسان التي فطر الله عليها وهي فطرة الاختلاف والتعدد. ومن يقرر بعض العلماء أن التنوع في الإنسان على صنفين: فالصنف الأول تنوع طبيعي تكويني، وجد الناس أنفسهم ضمنه، من دون اختيار منهم، حيث لا يستشار أحد، ولا يخبّر قبل مجيئه إلى هذه الدنيا في انتمائه العرقي أو القومي، ولا في ملامح شكله ومظهره، وهذا التنوع الطبيعي تم بأمر الله ومشيئته، لذلك يُعبّر عنه تعالى بالجعل {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}[٤]، فالله تعالى هو الذي جعلنا متنوعين في أعراقنا وقومياتنا وشعوبنا. وأما الصنف الثاني تنوع اختياري كسبي، يرتبط بقناعات الإنسان وأفكاره، ونمط سلوكه واتجاهه، فكل إنسان هو الذي يقرر ما يعتنق من دين، وما يؤمن به من فكر، وما يرتضيه لنفسه من ثقافة وسلوك، وتبعا لذلك تتعدد الأديان بين الناس وتختلف المدارس الفكرية وتتنوع التوجهات السياسية وهكذا. وما من شك أن الاختلاف والتعدد والتنوع ظاهرة طبيعية، وظاهرة إنسانية وجدت منذ بداية وجود الإنسان وسوف تستمر هذه الظاهرة إلى نهاية هذا الوجود، ظاهرة إنسانية أريد منها ابتلاء هذا الإنسان واختباره في حركته التكاملية، فالله سبحانه وتعالى خلق الناس مختلفين ومتفاوتين وجعلهم شعوبا وقبائل، يتكلمون لغات مختلفة رجالاً ونساء، ولم يقصد بهذه الاختلافات التناحر والتقاتل بل التعارف والتعاون، فالتعددية في الأديان والأيديولوجيات والمذاهب أمراً يتناسب وطبيعة الخلق. إن الفرقة أمر قدري واقع لا محالة لقوله تعالى {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ}[٥]، فالإقرار بشرعية الاختلاف أمر لا بد منه، وبضم الآية من سورة يونس{وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ}[٦] وكذلك الآية {لَّوْ يَشَاء اللّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا}[٧] ، وكذا الآية {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}[٨]، لظهرت لنا الصورة جلية على حتمية التعددية، وإلا فحسب منطوق الآيات الشريفة كان بإمكان الباري تعالى وبمشيئته أن يهدي الناس جميعاً، ولكن الهداية القسرية تتعارض مع قيم الحرية والاختيار، ومبدأ الثواب والعقاب. بل أكثر من ذلك فإن سمة عالم الآخرة التعدد والتنوع، فالفائزون بالجنان هم أيضا يعيشون حياة متنوعة، وإلى هذا أشار القرآن في أكثر من موضع، فقد وضع الناس يوم القيامة في ثلاثة منازل، طبقة في النار وطبقتان في الجنة، وبين الطبقتين تفاضل،{فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ{٨}وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ{٩}وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ{١٠}أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ{١١}}[٩]. وفي خضم الحديث عن شرعية التعدد والتنوع، يتبادر للذهن إمكانية قيام التعارض بين التعددية بأشكالها المختلفة مع دعوة الإسلام إلى الأمة الواحدة، {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}[١٠]، إلا أن هذه الآية وأمثالها تعني وحدة الدين المتمثل في إخلاص العبودية لله وحده وعدم إشراك أحد معه من دونه، بدليل قوله سبحانه وتعالى {وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }[١١]، {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ }[١٢]. ويؤكد البروفيسور عبدالعزيز ساجدينا أستاذ الدراسات الدينية في جامعة فرجينيا الأميركية أن مفهوم الأمة الواحدة رغم الاختلاف في الأديان والعقائد والمذاهب لازال قائما بلحاظ استمرار إيمان جميع أصحاب العقائد السماوية بمبدأ الإنسانية، أي أن الإنسانية توحد بني البشر جميعهم في إطار الأمة الواحدة. واشتهر على ألسنة المفكرين المسلمين مقولة التعددية والتنوع في إطار الوحدة، وهي مقولة مبنية على قاعدة التوالف بين فطرية التنوع والتعدد والوجوب الشرعي للوحدة والتوحد، شريطة أن يكون مبتنى التعددية في إطار الوحدة هو التعاون على البر والتقوى في إطار مرجعية الإسلام. وبتقديري أن الإيمان بالتعددية والتنوع لا يتنافى مع طاعة الإمام أو التمحور حول المرجعية الدينية، لأن المرجعية الواحدة هي معقد كل التنوعات وينبغي أن يكون الأمر كذلك، وإلا انتفت الحاجة إلى الإمام أو المرجعية التي تقود مختلف أصناف وطبقات الناس إلى الصراط السوي، فمن أولى مهمات المرجعية الدينية هي جمع المختلف وشد المؤتلف على قاعدتي (التعارف) و(التعاون)، لاستحالة صهر كل الناس بمختلف أطيافهم في بوتقة واحدة، لذا فإن للتعدّدية في مجتمع إسلامي طابعها الذي يميزها عن التعددية في مجتمع غير إسلامي. إن حرية الفرد المسلم في عرض وجهة نظره في مسألة ما عقائدياً أو فقهياً أو اجتماعياً أو تاريخياً، وفي جو علمي هادىء، ستحول دون انزلاق أرائه إلى درجة من الشطط التي لا يمكن التحكم فيها، مما قد يؤدى إلى حالة من الفوضى والتحلل يمكن أن تنتقل من مجال الفكر إلى مجال العمل ويكون لها نتائج سلبية سيئة على أوضاع المجتمع وهو أمر غير مطلوب بالطبع. وعندما يكون التعصب وضيق الأفق مستولياً على شريحة كبيرة من المجتمع – كما هو الحال مع الأسف – فإن عملية التعددية ستكون شاقة وقد تتحول من السجال الفكري إلى العراك اليدوي أو التهديد بالقتل، وقد يكون أقرب الحلول هو إبراز توجيهات القرآن الكريم {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}[١٣]،{فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}[١٤]،كما يؤدي إلى تقبل التعددية التعريف بآداب الائتلاف والاختلاف في الإسلام. فمن غير المعقول أن يتصور أحد من عامة المسلمين أو خاصتهم أنه أكثر غيرة على الإسلام من الرسول صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام، أو أن عليه أن يفعل أكثر مما وجّه القرآن الكريم رسوله صلى الله عليه وآله {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ{٢١}لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ{٢٢}}[١٥] ، فالآيات التي تقصر صلاحيات الرسول صلى الله عليه وآله على التبليغ دون محاولة الهداية تقرر حق الآخرين في الرفض، وأرجاء حسابهم إلى الله تعالى يوم الدين. ولم يكتفي القرآن الكريم بهذه الإشارات العامة إلى التعددية، ولكنه يقرنها بعدد من القواعد التي ترسي التعددية، ومن هذه القواعد: - تقرير مبدأ التدافع: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}[١٦]. - تقرير مبدأ حرية الاعتقاد: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ}[١٧]، ولعل تقرير القرآن لهذا المبدأ أعظم دليل على تقرير. إن التعددية تتوفر على العديد من عناصر القوة في مقابل سلطة اللون الواحد، وهذه تتلخص فيما يلي: - التعددية تتيح الفرصة لإيجاد التوافق بين الرؤى المتفاوتة والاجتهادات المتباينة ضمن الدائرة الإسلامية. - التعددية تسهم في إثراء الفكر وأساليب الأداء. - التعددية تحل إشكالية الاختلاف في الرأي والاجتهاد، من خلال الممارسة الحرة لممثلي الرؤى المختلفة. - التعددية تجنب الأمة احتمالات الاستبداد، وما يمكن أن يترتب عليه من مفسدة. - التعددية تجنب الأمة الصراعات الحادة وآثارها السلبية. إن الإيمان بثقافة التعددية والتنوع، في الانتماءات والأفكار….، يساعد كثيراً على تحقيق مساحة أكبر من قبول الآخر واحترامه وتقديره، وقبول الآخر هنا لا يعنى أن تتخلى عن آرائك ومعتقداتك، وإنما هو إيمان حقيقي واعتقاد صادق بحق الآخر- المختلف عنك- في الوجود، والتعبير عن ذاته وطرح آرائه، دون اتهامه بالعمالة، أو التخوين، أو التكفير، أو حتى اتهامه بغياب المعلومات أو نقصها.
عزيزي القارىء قد يكون من الصالح لنا الإيمان بأن لا أحد منا يمتلك الحقيقة المطلقة، وأننا جميعاً نسعى ونجتهد، وأن الحقائق التي نصل إليها هي حقائق نسبية ترتبط بما يتوفر لدينا من معطيات، وأنه دائماً يبقى لكل منا إسهامه دون تهميش أو استبعاد للبعض ، فليس هناك من هو ناقص العقيدة، والآخر كامل العقيدة، وليس هناك من يحق له فهم النصوص والآخر لا يحق له ذلك مادام كلاهما يمتلك الأدوات اللازمة لذلك. السيد عبدالله السيد هاشم العلي