السهم الروسي المضاد إنطلق .. فما الذي سيليه حتماً ؟
تنا
الأكيد بأن روسيا ، ومعها إيران وسوريا والمقاومة ، لن يرتكبوا خطايا واشنطن في حربها المزعومة على الإرهاب ، والتي جعلت من هذا الأخير أوسع انتشاراً ، بدلاً من تحجيمه كمقدمة للقضاء عليه..
شارک :
بقلم حسن شقير
لم يكن الرابع عشر من يوليو الماضي موعداً فقط لإعلان التفاهم النووي الإيراني مع دول الخمسة زائد واحد في فيينا ، إنما كان أيضاً – وذلك بحسب ما كتبنا في حينه – تاريخاً ، أرّخ لبدء الساعة الفعلية لمحور الممانعة ، والدول الداعمة له في العالم ، لمحاسبة الإرهاب الضارب في المنطقة ، وفي سوريا على وجه التحديد ..
لم تكد تمضي فترةٌ وجيزة من الزمن حتى بدأ هذا المحور ، بنصب سلالم النجاة لمن يرغب في تحالف أمريكا الزاعم محاربة الإرهاب أيضاً ، من أجل نزولهم عن شجرة أحلامهم الضاربة في السماء ، وذلك في استثمارهم المكشوف في استخدام الإرهاب والحرب عليه ، كرافعة لمشاريعهم المتقاطعة في سوريا والمنطقة بشكل عام …
لم يكن لدى أولئك قرار بالنزول على تلك السلالم ، ولكل أسبابه ومبرراته ومصالحه ، والتي لا مجال للتفصيل فيها ، فما لبثت روسيا أن دقت جرس الإنذار لهم ، والذي ترافق مع رسائل عسكرية روسية منظورة لأولئك بالقرار الروسي – الإيراني المبرم بضرورة الخلاص من الإرهاب ومن أثاره وتداعياته عليهما بالتحديد ، والتي – أي هذه الرسائل – صاحبها مبادرات سياسية شتى ، لم تلقى أيضاً أية أصداء لدى أمريكا ودول التحالف معها … الأمر الذي حتّم على روسيا – وحفاظاً على مصداقيتها وهيبتها الصاعدة في العالم – بأن تطلق ، على أعقاب عدم الإنصات لذاك الجرس ، ما أسميته سابقاً ، بالسهم الذهبي المضاد في سوريا ، وذلك ضمن ما أسماه بوتين بالأمس ” بالحرب الإستباقية على الإرهاب ” والتي أرّخ لها يوم الثلاثين من سبتمبر للعام ٢٠١٥.
لم يكن إختيار الطائرات الروسية لأهدافها في محافظة حمص السورية ، أمراً عبثياً منقطعاً عن الدلالات والموجبات الإستراتيجية … فهذه المحافظة هي أكبر المحافظات السورية مساحة ، والتي تتحادد مع ثلاث دول ، لها تأثيرها المباشر في الحرب على سوريا ( لبنان ، العراق والأردن ) ، بحيث أنها تقع في وسط سوريا ، والتي تُشكل المدى الحيوي لكل من القلب السوري ( دمشق ) ، وللشريان المركزي للدولة السورية ( الساحل ) ، وبالتالي فإن الموقع الجغرافي لتلك المحافظة ، واختيارها المحطة الأولى للسهم الروسي ، يقطع الشك باليقين حول الأهداف الروسية في سوريا ، ويدحض كلام البعض حول تأمين الجغرافيا السورية في الساحل فقط ، إنما الهدف يتخطاه ذلك إلى ما دأبت روسيا بترداده ، في ضرورة الحفاظ على وحدة الدولة السورية … وقطع الطريق على مشاريع مستثمري الإرهاب في تفتيت الدولة السورية إلى دويلات متعددة …
لا تقل أهمية اختيار حمص كمقدمة لإنطلاق السهم الروسي ، عن أولئك المشمولين بالقصف من المحسوبين على ” المعتدلين ” ، بحيث أن روسيا بدأت بترجمة ما قاله بوتين قبل أيام ، بأن ” .. روسيا لا تعترف إلا بجيش وحيد في سوريا ، ألا وهو. الذي يخضع للدولة السورية ، ولإمرة الرئيس الأسد .. ” الأمر الذي يعني بأن روسيا قررت قطع الطريق على الإستثمار بهؤلاء ، عسكرياً وسياسياً على حد سواء .. وخصوصاً أن ذلك تزامن مع الإعتراف الأمريكي المتأخر بفشل برنامج التدريب العسكري لمن يُطلق عليهم بأبناء سوريا الجديدة ، والذي أعلن البنتاغون بالأمس عن تعليقه ..والذي كانت تآمل أمريكا من خلاله بأن يكون أولئك ” المعتدلين ” نواةً لجيش سوريا الجديدة ، وبوصلة جاذبة ، لمن يرغب من ” معتدلي ” الإرهابيين باللحاق بهم ، وذلك لمسك الجغرافيا التي تنزاح عنها الدواعش ، رغبة ً أو حتى رهبة ً ..
تدرك روسيا تمام الإدراك ، بأن الضربات الجوية – ومهما كانت دقيقة – لن تحقق لوحدها نصراً على الأرض ، وذلك مهما كانت طبيعة الأهداف المستهدفة بالقصف ، لأجل ذلك فإن القادم من الأيام ستترتب عليها ، مجموعة من الأنساق الميدانية المتتالية أو حتى المتكاملة ، والتي سيكون للشركاء الأخرين على الأرض السورية الدور المكمل للسهم الروسي من الجو ، والذي قد يتمثل بنموذج الزبداني وكفريا والفوعا ، أو بنموذج حمص – بابا عمرو ، أو نموذج حمص الشهيرة في خروج المسلحين منها ، أو حمص – حي الوعر .. أو حتى تعميم مصالحات بعض بلدات ريف دمشق على مختلف مناطق وبلدات المحافظة الإستراتيجية …
الأكيد بأن روسيا ، ومعها إيران وسوريا والمقاومة ، لن يرتكبوا خطايا واشنطن في حربها المزعومة على الإرهاب ، والتي جعلت من هذا الأخير أوسع انتشاراً ، بدلاً من تحجيمه كمقدمة للقضاء عليه..
مؤشرات ميدانية أخرى مهمة يجب رصدها في الميدان السوري ، فشلٌ في الجبهة الجنوبية ، إفراغ الخزان المددي في الزبداني وتحييده …قطع الطريق على سلخ المكون الدرزي عن الدولة السورية ، ومنع إيجاد بدائل جغرافية للمسلحين في القوس الممتد من الحدود الأردنية فالفلسطينية المحتلة ، وصولاً إلى اللبنانية …
ربما تشير دلالات استهداف مسلحي ريف حمص عبر السهم الروسي ، إلى إنطلاق مرحلة عسكرية جديدة ، عنوانها تنظيف القلب ( دمشق وريفها ) ، وتأمين الوسط الحيوي ( حمص ) ، والتي تهدف ضمناً إلى الفرض على مسلحي القلب والوسط للدخول في المصالحات ، والتي ربما تجعلها التطورات العسكرية الأخيرة منها ، أكثر تسارعاً …
لا نعني بما ذكرناه سابقاً بأن الروس ومعهم الإيرانيين ومحور الممانعة برمته ، بأنهم قد أوصدوا الأبواب أمام أمريكا وتحالفها لتبريد رؤوسهم الحامية في سوريا ، والتخلي عن المكابرة في التكامل الفعلي لمحاربة الإرهابيين فيها ، والتي يمكن أن يصاحبها عملية سياسية جريئةٌ في أهدافها ونتائجها في المشهد السياسي السوري … وعليه فإن باب المبادرات السياسية الهجومية من قبل روسيا وأطراف الممانعة ، لم ولن تتوقف ، ولكن ذلك سيبقى ضمن حدي ، سقف الثوابت الروسية في سوريا من جهة ، وحد الفشل الممنوع للسهم الذهبي المضاد ، وما سيليه أيضاً … وخصوصا ً بأن إيران ، شأنها شأن روسيا ، ستنتقل من سياسة الإنغماس المدروس ، إلى مرحلة جني الثمرات ، والتي قد تتطلب – إذا لزم الأمر – سهم ذهبي ٌ تكميلي ، لذاك الذي افتتحه الروسي بالآمس على وجه التحديد .
خلاصة القول ، اذا ما استجابت أمريكا للدعوات الروسية بضرورة الحفاظ على سيادة الدولة السورية في ضرورة التنسيق مع الحكومة السورية في محاربة الإرهاب ، إن بشكل مباشر أو غير مباشر ، أو حتى ربما عبر حشر أوباما في زاوية مطالبته في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ، بضرورة إعادة الإعتبار لدور هذه الأخيرة في حل النزاعات الدولية ، ومنها الأزمة السورية .. فإنه – إذا ما تم ذلك – وعبر تفعيل سياسة تضييق الخيارات أمام واشنطن ، تماماً كما فعلت الإستراتيجية الإيرانية في تضييق الخيارات أمام هذه الأمبراطورية في الوصول إلى ما وصلت إليه الجمهورية عبر الإتفاق النووي … فإن ذلك سيؤدي حتماً إلى عملية تكاملية في سوريا للوصول إلى صيغة رابح – رابح ..أما في حال راهنت أمريكا وتحالفها على فشل استراتيجية روسيا العسكرية في سوريا ، وذلك كتنفيذ لما يكرره أوباما هذه الآيام من لازمة ” القضاء على داعش ، مقرونٌ برحيل الأسد ” ، والذي ربما تترجمه أمريكا إلى إجراءات إعاقية للعملية العسكرية الروسية ، وذلك في استغلال لعدم استعداد روسيا في النزول بالسهم المضاد من الجو إلى الأرض … وهذه المسألة لا بد بأن تكون قد تم التباحث بها في اللقاءات السرية الجنرال سليماني في موسكو … ولأن الفشل ممنوع روسياً وإيرانياً ، وذلك لأسباب استراتيجية تتخطى سوريا ، إلى مشروع النهوض بنظام عالمي جديد ، تجهد هاتان الدولتان لجعل سوريا الباب الرئيس للولوج فيه ..
إذا ما سارت أمريكا بالأمور – لا سمح الله – وفقاً للمشهدية أعلاه ، فإن مرحلة ما بعد السهم الذهبي الروسي المضاد ، لهي مقيّدة لا محالة ، بسهم إيراني أرضي ، يكون أكثر جلاءً ووضوحاً ، متمماً ومكملا ً لذاك الذي سبقه ..