مع الإعلان عن ظهور هلال شهر رمضان في مصر.. تزدان الشوارع والمآذن بالأضواء وتعلو الابتهالات ويلهو الأطفال بالفوانيس. مفردات وطقوس تميز شوارع المدن المصرية إيذانا بحلول الشهر الكريم ومن أهمها انتشار صانعي الكنافة والقطايف في كل الشوارع تقريباً، ملايين الفوانيس التي تزدان بها الشرفات ومداخل البيوت وواجهات المحلات..ابتهاجات وأغان تردد(رمضان جانا) (وحوى يا وحوى). وموائد الرحمن العامرة بالخيرات ونعم الله الكثيرة التي تخص هذا الشهر الكريم.. وبعد التراويح تزدحم المقاهي برواد المشروبات الساخنة والابتهالات، إنها الأفراح والليالي الملاح احتفالاً بالعطايا والهبات التي تمتلئ بها جعبة رمضان. ولهذه الليالي طابع فريد ينعكس على المساجد المصرية والمآذن.. فالقاهرة مدينة (الألف مئذنة) كما هو معروف. وتبدأ الاحتفالات عادة قبل بداية الشهر بأيام، فيقوم الأطفال بشراء الفوانيس الملونة وإشعالها بالشمع في عز النهار، استعجالاً بحلول الظلام لكي يطوفوا في الشوارع مرددين أغانيهم الشهيرة (وحوى يا وحوى) ويقوم الكبار بدورهم بتنظيف الشوارع، ورش المياه وتعليق الإعلام والرسومات المبهجة على واجهات المنازل والمساجد، وعندما يسمع صوت المدفع إيذاناً بالإفطار يتناول الصائمون طعامهم المطبوخ بعناية خاصة وتكون المائدة عامرة بكميات هائلة، ثم يخرج الجميع إلى الساحات والميادين، حيث فرق الفنون الشعبية في الخيام الرمضانية، ولكن أفراح المساجد الرمضانية لها أصولها وطقوسها التي يحفظها المصريون عن ظهر قلب. فلهذه الأفراح جذور تاريخية تعرفها مآذن المساجد وتطرب لها، وأول مئذنة تبتهج بقدوم رمضان هي مئذنة الجامع الحسيني، وتقام في ساحته الخارجية مظاهر لا نظير لها منذ أن أنشأه الخليفة الظاهر بأمر الله الفاطمي عام (١١٥٤م - ٥٤٩هـ), إذ يقيم المصلون بعد صلاة المغرب حلقات للاحتفاء بالمناسبة، بعدها يخرج بعضهم من(الباب الأخضر) إلى السهر والجلسات العامرة بالمتسامرين. وفي مسجد عمرو بن العاص, وهو أول المساجد التي تم بناؤها بالقاهرة عام (٢١هـ -٦٤٢م) هناك حيث الأروقة الفسيحة، يكون موعد آخر مع البهجة، إذ يتجمع الأطفال والشيوخ معاً, حاملين كل ما جاد به رمضان من وسائل الفرح والسعادة، حيث أغطية الرأس الورقية اللامعة والهدايا على شكل أكياس من (حب العزيز) والفول السوداني التي تباع خارج المسجد بأسعار زهيدة وأحياناً مجاناً، ويستمعون للإنشاد الديني والغناء الشعبي. ومن المشاهد الرمضانية المحببة هي انتشار محلات الكنافة والقطايف في كل شوارع وحارات مصر تقريباً، فلا يكاد يخلو شارع أو حتى زقاق ضيق من صانعي الكنافة والقطايف الذين يصنعون الأفران الخاصة بهما في الشوارع في مشهد محبب لكل مصري مسلم. وللكنافة والقطايف في مصر حكاية ترجع إلى عصر المماليك، فهم أول من أدخلوا صناعتها للترفيه عن الصائمين والمحرومين لدرجة أنها أصبحت موضع مساجلة بين الشعراء . تاريخ الموائد الرمضانية في مصر يقال إن الأمير احمد بن طولون مؤسس الدولة الطولونية في مصر هو أول من أقام مائدة الرحمن في مصر في السنة الرابعة لولايته، وهناك من يشير إلى أن المعز لدين الله الفاطمي كان أول من وضع تقليدا للمآدب الخيرية في عهد الدولة الفاطمية, وهو أول من أقام مائدة في شهر رمضان يفطر عليها أهل جامع عمرو بن العاص، وكان يخرج من قصره ١١٠٠ قدر من جميع ألوان الطعام لتوزع على الفقراء. وكان الفاطميون يعدون الموائد تحت اسم دار الفطرة، وكانت تقام بطول ١٧٥ مترا أربعة أمتار، ومن أشهر أصحاب الموائد في تلك الفترة كان الأمير ابن الضرات المولود بحي شبرا بالقاهرة، حيث كانت له أراض واسعة تدر عليه مليوني دينار سنويا, وكان ينفقها في رمضان، حيث يعد موائد بطول ٥٠٠ متر، ويجلس على رأسها وأمامه ٣٠ ملعقة من البلور يأكل بكل ملعقة مرة واحدة ثم يلقى بها ويستخدم غيرها. ورغم ظهور الفضائيات بسحرها، فما زالت المقاهي تعج بروادها طوال شهر رمضان، ومن يشاهد ازدحام هذه المقاهي في ليالي رمضان يظن ألا يوجد أحد في مسكنه، ولكن الحقيقة أن البيوت عامرة، والمقاهي تعج والخيام الرمضانية مزدحمة، والشوارع تموج بالبشر، في حركة دائبة وغير عادية احتفالاً وبهجة بالشهر الفضيل. صحيفة السبيل