وجود القوات الأميركية في أي بلد من البلدان الاسلامية أمر مرفوض إلا أن الضغوط التي تمارسها واشنطن على القيادة السياسية في بلداننا والسعي الى سلب ارادتها لا يقل خطرا عن وجود القوات الأميركية في هذه البلدان
شارک :
خاص بوكالة أنباء التقریب (تنا) مع بداية الشهر الجاري انسحبت آخر كتيبة قتالية أميركية من العراق وغادرت الأراضي العراقية باتجاه الكويت وبذلك فان العراق طوى صفحة مهمة من تاريخه المعاصر فمع أن القوات الأميركية لم تنه وجودها بشكل كامل من العراق ولا يزال هناك ٥٠ ألف جندي أميركي ألا أن مهمة هؤلاء وحسب الاتفاقية الأمنية بين العراق وأميركا ستبقى في حدود الدفاع عن "الديمقراطية" ولا يحق لهم التدخل في كل شاردة وواردة، وبقدر ما تحمل كلمة الديمقراطية معنى جذاب وتضم بين دفتيها الكثير من الحقوق الانسانية الا أنها تخيف كل الحريصين على مستقبل العراق واستقلال قراره السياسي، فلربما تتدخل الادارة الأميركية في أكبر أو أصغر قضية عراقية بذريعة أنها تهدد الديمقراطية وهذه هي بالتحديد مشكلتنا مع أميركا.
فمع أن وجود القوات الأميركية في أي بلد من البلدان الاسلامية أمر مرفوض إلا أن الضغوط التي تمارسها واشنطن على القيادة السياسية في بلداننا والسعي الى سلب ارادتها لا يقل خطرا عن وجود القوات الأميركية في هذه البلدان، ولعل هذا هو السبب الذي دعا الشعوب الاسلامية الى بغض أميركا بل دعا أحيانا حتى الدول الحليفة لأميركا الى الانتقاد العلني للسياسة الأميركية، فمنذ انتهاء الحرب الباردة والحكومات الأميركية المتعاقبة تسعى الى فرض سياستها المتفردة على كافة دول العالم غير عابئة بتوجهات وأولويات هذه الدول ومن بين هذه السياسات وقوفها بكل ثقلها الى جانب الكيان الصهيوني على الرغم من المجازر التي يرتكبها هذا الكيان ضد الفلسطينيين والتهديدات التي يطلقها ضد هذه الدولة أو تلك وبالتالي تهديد أمن واستقرار المنطقة الا أن أميركا واصلت دعمها ومساندتها لأميركا.
لو فتحنا أبرز الملفات الاستراتيجية في المنطقة لرأينا أن الملف النووي الايراني يتصدرها وعلى رغم الضجة الكبيرة التي تفتعلها أميركا ضد هذا الملف بذريعة أن البرنامج النووي الايراني يهدد المنطقة والأمن العالمي و"أن ايران دولة ارهابية وتدعم الارهابيين" الا أن جذور المشكلة ليست الملف النووي فكما نعلم أن العلاقات الايرانية-الأميركية متوترة منذ انتصار الثورة الاسلامية والى يومنا هذا، وقبل ٣٠ عاما لم يكن هناك برنامجا نوويا الا أن واشنطن كانت توجه لطهران شتى الاتهامات ومنذ ذلك الوقت كانت تعتبرها دولة ارهابية وتهدد أمن واستقرار المنطقة مما يشير الى أن البرنامج النووي الايراني مجرد ذريعة والمشكلة أكبر من ذلك وقد حدد المسؤولون في الجمهورية الاسلامية طبيعة مشكلة بلادهم مع اميركا فيؤكدون أن المشكلة هي أن الحكومات الأميركية تسعى الى سلب ارادة واستقلال البلاد.
وكما قلنا فان وقف العمليات القتالية في العراق أمر مهم للغاية الا أنه ليس المشكلة الرئيسية في العراق وانما المشكلة الرئيسية هي تدخل واشنطن في شؤون ليس العراق وحسب وانما كل دول العالم، والملفت في هذا الصدد هو تزامن وقف العمليات القتالية مع تشكيل الحكومة العراقية اذ تؤكد المعلومات الواردة من العراق أن واشنطن لعبت دورا رئيسيا في تأخير تشكيل الحكومة العراقية، فمنذ فرز نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة وحتى قبل اسبوعين كانت تصر الادارة الأميركية على أن تقوم القائمتان العراقية ودولة القانون بتشكيل الحكومة واستبعاد القائمة الوطنية التي تعد احد اللاعبين الرئيسيين في العملية السياسية من أن يكون لها أي دور أساسي في الحكومة العراقية، الا أن المعلومات تؤكد أن الادارة الأميركية غيرت في الآونة الأخيرة موقفها مما ضاعف الأمل في تشكيل الحكومة قريبا.
مثل هذه التدخلات لا يعاني منها العراق وايران وحسب بل أغلب دول العالم فدول العالم ومن بينها ايران لا تريد أن تكون علاقاتها متوترة مع اميركا لأنها تدرك مدى نفوذ أميركا في العالم وما العراقيل التي تضعها أمام مصالحها كما أن اللغة المستخدمة في العلاقات الدولية في الوقت الراهن هي لغة المصالح المشتركة وبالتالي فانها تدعو الى علاقة الند للند، ولكن بما أن الأنفة الأميركية ترفض تعامل الند للند مع دولنا فتبقى العلاقة متوترة، ولا شك أن جانبا من المسؤولية يقع على عاتق دولنا فلو لم يجد الأميركيين أناس منبطحون أمامهم لما داسوا على اجسادهم وللاسف الشديد فلدى واشنطن أوراق تضغط بها على حكوماتنا من بين هذه الأوراق هي العلاقة القائمة بين هذه الحكومات وشعوبها فلو وطدت حكوماتنا علاقاتها مع شعوبها من خلال تنفيذ كافة المطالب الشعبية وارساء أسس العدالة والقضاء على كافة أنواع الفساد لما استطاعت أية قوة استخدام هذه الورقة ضدها ولدافعت الشعوب بكل قوة عن حكوماتها، ولهذا اننا نرى أن أميركا لا تستخدم مثل هذه الورقة مع الدول التي تتمتع بشعبية عندما تريد الضغط عليها وسلب ارادتها واستقلالها.