بغض النظر عن أولئك الذين يذبحون العراقيين بدم بارد ويتلذذون بقطع الرؤوس وتطاير الأشلاء فان وضع السياسيين العراقيين لا يحسد عليه
شارک :
خاص بوكالة انباء التقريب (تنا) ما كادت تنتهي الانتخابات النيابية العراقية التي جرت في آذار/ مارس الماضي حتى بدأت سلسلة الانفجارات الدامية بحصد رؤوس العراقيين وتدمر ممتلكاتهم العامة والخاصة حتى يومنا هذا، وما عدا اقليم كردستان العراق لم تنج أية منطقة من العبوات الناسفة أو السيارات المفخخة أو أحزمة الانتحاريين او الاشتباكات المسلحة أو الاقتحامات المنظمة. ومع غياب الانجاز الاقتصادي والعمراني والتنموي نتيجة تضافر أسباب عديدة أبرزها الفساد الاداري؛ يبدو أن البعض عزم على سلب العراقيين حتى الفرح بالانجاز السياسي والمضي قدما في العملية السياسية، بل عزم هؤلاء على أن لا يشعر أي عراقي بأن هناك انجاز سياسي تحقق على الأرض فضلا عن الانجاز الاقتصادي والتنموي، من أجل أن يصل العراقيون الى قناعة أن سنوات الظلام التي عاشوها كانت الأزهى والأكثر ازدهارا في تاريخ العراق الحديث، ودفع هؤلاء أذنابهم الى الشارع ليترحموا على عقود الظلام التي مرت بالعراق. بغض النظر عن أولئك الذين يذبحون العراقيين بدم بارد ويتلذذون بقطع الرؤوس وتطاير الأشلاء فان وضع السياسيين العراقيين لا يحسد عليه واذا لم نقل أن من بين هؤلاء من يجد مصلحته في استمرار تدفق دم الأبرياء فان ممارساتهم ومواقفهم تهيء الأرضية الخصبة لمزيد من الجرائم والعمليات الارهابية وسفك الدماء، اذ ان التأخر في تشكيل الحكومة العراقية على الرغم من مضي ٦ أشهر على الانتخابات النيابية بحد ذاته ساهم في تفجر الأوضاع الأمنية في هذا البلد بعد مضي فترة من الهدوء والاستقرار الأمني النسبي. من الواضح أن التدهور الأمني الذي يشهده العراق في الوقت الراهن والتصعيد في العمليات الارهابية له علاقة مباشرة بالانتخابات النيابية وتشكيل الحكومة وبالتحديد من أجل التأثير على تقسيم المناصب، وبعبارة أوضح أنه نتيجة استمرار الخلافات بين السياسيين العراقيين حول تقاسم السلطة وربما لا تقصد القوى السياسية العراقية تأزم الوضع الأمني في بلادهم الا أن استمرار خلافاتهم وعدم اتفاقهم على تشكيل الحكومة أدى الى الوضع الحالي، مما يؤكد أن الخلافات الحاضنة المناسبة لولادة الارهاب ونموه واشتداد عوده، ولعل وجود الاختلاف في وجهات النظر والتوجهات السياسية في بلد مثل العراق أمر طبيعي ولا يمكن تجنبه كما أنه من الطبيعي أن تنفجر الخلافات فيه ولكن تفاقم هذه الخلافات وعدم محاصرتها باسرع وقت ينعكس بشكل مباشر على سائر مفاصل الحياة في هذا البلد، وذلك لأن الخلافات كلما استمرت فان الذين يريدون الشر للبلد سيتكاثرون ويطورون امكانياتهم وأساليبهم ويتحولون الى ورقة رابحة بيد سائر البلدان التي لا تريد الخير للعراق، بينما لو حوصرت الخلافات منذ البداية لما استطاع الأرهابيون استغلال الفراغ السياسي لتعزيز قواهم. وتجدر الاشارة هنا الى ملاحظتين هامتين.. ١/ بما أنه لا يمكن تجنب الخلافات لذا ينبغي وضع اطار يلتزم به الجميع لحلها ولا يوجد اطار أفضل من الدستور فاذا كان الدستور العراقي تضمن فقرات ومواد لحل مثل هذه الأزمات فينبغي على الجميع الالتزام به ولا مجال للتنصل من المواد الدستورية، واذا لم يحتو الدستور على مواد لحل مثل الأزمات فينبغي ادخالها الى الدستور، ومن الطبيعي أن يحتوي كل بلد على مؤسسة تضمن تنفيذ الدستور بل ينبغي أن يحتوي الدستور على ضمانات تنفيذه والا فستعم الفوضى في البلد. ٢/ ما يجري في العراق ينبغي أن يكون عبرة لكل الدول وخاصة الدول الاسلامية، فالخلافات باستطاعتها تحويل أي بلد الى فوضى عارمة، ولكن لا ينبغي استغلال الخشية من وقوع الخلافات في رفض الانتقادات البناءة التي تخدم البلد، فمما يؤسف له أن بعض الدول الاسلامية تفرض أحكاما عرفية وحالات الطوارئ وتكمم الأفواه ولا تسمح لأي شخص بالاعتراض بذريعة أن البلد يمر بظروف استثنائية وأن تفاقم الاعتراض والانتقادات يؤدي الى الخلافات والخلافات وتشتت جهود الحكومة في التصدي للمشاكل الداخلية والخارجية، الا أن الشعوب قادرة على التمييز بين الظروف الحساسة التي تمر بها بلادهم وبين استغلال الحكومات هذه الظروف من أجل التنصل عن حل المشاكل التي تعاني منها البلاد. صالح القزويني