تاريخ النشر2010 25 October ساعة 16:13
رقم : 29353
بقلم: فهمي هويدي

جرس إنذار من هناك

واجهت سيدة من أعضاء مجلس الشيوخ الفرنسي تهمة التحريض على العنف والحقد العرقي، لأنها دعت إلى مقاطعة البضائع الإسرائيلية بعد انكشاف فضائح العدوان الإسرائيلي على غزة.
جرس إنذار من هناك
ومثلت السيدة عليمة بومدين (من أصول جزائرية فيما يبدو) قبل عدة أيام (في ١٤/١٠) أمام المحكمة المختصة في ضاحية بوفتواز الباريسية لكي تقدم إفادتها وتدافع عن نفسها في «الجريمة» التي نسبت إليها. 

وهي ليست وحدها في ذلك؛ لأن ٧٩ شخصا آخرين يواجهون التهمة ذاتها. أغلبهم من «الخضر» أنصار البيئة. بينهم وجه بارز من وجوه مقاومة النازية خلال الحرب العالمية الثانية والسفير السابق سيفيان هيسيل (٩٢ عاما). وهو بالمناسبة أحد الناجين من معسكرات الاعتقال النازية، وأحد الذين ساهموا في صياغة وثيقة حقوق الإنسان المعتمدة من قبل الأمم المتحدة في عام ١٩٤٨، وكان الرجل قد وقع في «المحظور» عندما نشر مقالات عقب الهجوم الإسرائيلي على أسطول الحرية في الربيع الماضي، دعا فيه إلى مقاومة «الاستعمار الإسرائيلي». ولم تشفع له شيخوخته ولا تاريخه، وإنما طلب بدوره للمثول أمام المحكمة لكي يحاكم بالتهمة ذاتها، حيث اعتبرت الدعوة إلى مواجهة الاستكبار والعربدة الإسرائيلية، من قبيل التحريض على العنف والحقد العرقي. 

هذه الملاحقة يتولاها مكتب أنشئ في عام ٢٠٠٢ باسم المكتب الوطني لمكافحة العداء للسامية، واختصاصه الأصلي الواضح في اسمه هو التصدي لكل أشكال الاعتداءات أو الممارسات المناهضة لليهود والإسرائيليين في باريس وضواحيها. وسبق أن قدم شكاوى ضد ثلاثة أشخاص أحيلوا بدورهم إلى القضاء في بداية العام الحالي. وهناك ثلاثة آخرون سيقدمون إلى القضاء بنفس التهمة مطلع العام المقبل، في بلدة «بير بيتيان» جنوب فرنسا. 

حتى الآن من الواضح أن المكتب توسع كثيرا في مفهوم العداء للسامية، بحيث بات يشمل أي نقد للسياسة الإسرائيلية، وهي ذات التهمة التي تخرس بها "إسرائيل" كل الأصوات الناقدة لممارساتها في فلسطين. واضح أيضا أن المكتب المذكور يتمتع بقدر عالٍ من القوة والجرأة، بحيث لم يتورع عن محاولة قمع شخصيات مهمة ومرموقة مثل نائبة مجلس الشيوخ السيدة بومدين والسفير السابق سيفيان هيسيل. الأمر الذي بات يثير أكثر من سؤال حول حرية الرأي والتعبير، والحدود الضيقة التي تصطدم بها حين يتعلق الأمر بالسياسة الإسرائيلية. 

شاءت المقادير أن تتزامن محاكمة السيدة بومدين في فرنسا مع واقعة الازدراء بالمسلمين وإهانة الدين الإسلامي التي عبر عنها مقدم برنامج قناة «فوكس نيوز» الأمريكية براين كيلميد. ذلك أن الرجل قال صراحة وعلامات القرف بادية على وجهه إن المسلمين إرهابيون، ولعب بالكلمات قائلا إنه ليس كل المسلمين إرهابيين ولكن كل الإرهابيين مسلمون. وحين أثار ذلك غضب المسلمين في الولايات المتحدة، فإن أحد مسئولي القناة قال إن المذيع كان يقصد الذين قتلوا الأمريكيين في ١١/٩، وإنه سيعتذر عما بدر منه بعد ذلك. وهو ما حدث، إذ ظهر الرجل لاحقا وقال إنه لا يعتقد أن كل الإرهابيين مسلمون، و«أنا آسف إذا كنت قد آذيت مشاعر أي أحد». وانتهى الأمر عند هذا الحد. حيث واصل صاحبنا تقديم برامجه وكأن شيئا لم يكن.
 
لا نقارن هنا فقط بين ما حدث في فرنسا وما حدث في الولايات المتحدة. ولكن المشهد يستدعي مقارنة أخرى داخل الولايات المتحدة ذاتها. أعني بذلك مقارنة موقف "فوكس نيوز" من ازدراء وإهانة مليار مسلم، بقرار فصل هيلين توماس محررة البيت الأبيض الشهيرة، لمجرد أنها تلفظت بجملة أغضبت يهود أمريكا، وما فعلته محطة سي.إن.إن التي فصلت واحدة من نجومها البارزين «أوكتافيا نصر» لمجرد أنها كتبت في مدونتها عدة أسطر في تقدير العلامة الشيعي الراحل السيد محمد حسين فضل الله. 

حصيلة المقارنة دالة بما فيه الكفاية وكاشفة عن الأوزان الحقيقية لكل طرف، التي لا علاقة لها بالأعداد أو الأحجام. وهي حصيلة تبعث على المرارة والخزي حقا، لكنها تشكل في الواقع جرس إنذار لكل من يهمه الأمر في العالم العربي والإسلامي. لكن مشكلة الأخيرين إما أنهم غارقون في نوم عميق أو أنهم يرسلون فقط ولا يستقبلون.
https://taghribnews.com/vdcdss0x.yt0nk6242y.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز