عمدت السياسة الأمريكية إلى إشعال التوترات المذهبية في دول كانت تتآخى مذهبيا لدرجة لا يشعر معها الجار بمذهب جاره أو دينه أو عرقه أو طائفته.
شارک :
أخطر ما حملته الحروب الأمريكية إلى العالم بشكل عام وإلى الدول العربية والإسلامية بشكل خاص سواء في أفغانستان أو باكستان أو العراق هو إشعال نار الفتنة وإيقاظ النعرات الطائفية والمذهبية والعرقية بين أبناء الشعب الواحد وهو نفس الوباء الذي أتقنت زرعه قبلها وفي حينه الدولة البريطانية العظمى في حقبتها الاستعمارية التي اعتمدت على مبدأ "فرق تسد" واليوم تعتمد أمريكا على مبدأ إشعال وإيقاظ النعرات الطائفية والمذهبية وتعميق الاختلافات الدينية وحتى العرقية بين الشعب الواحد فقط من أجل أن يصبح العراق عراقين أو ثلاثة وربما أربعة والسودان اثنين أو ثلاثة وربما أربعة وكذلك بالنسبة لدول عربية وإسلامية أخرى لا مجال لذكر أسماء لها، وخلاف ذلك عمدت السياسة الأمريكية إلى إشعال التوترات المذهبية في دول كانت تتآخى مذهبيا لدرجة لا يشعر معها الجار بمذهب جاره أو دينه أو عرقه أو طائفته ويتعايشان بكل محبة وإخاء ومودة وتآلف وانسجام وهو ما تؤكده الشعوب التي وجدت نفسها اليوم شبه عارية أمام الفتيل المشتعل بيد أمريكية تعد لدى أساطين المكر والمكائد وتنفذ بالآلة الإعلامية الأمريكية والصهيونية.
إن فتيل التفرقة وتقسيم الدولة الواحدة إلى كيانات لإضعافها وإحكام السيطرة عليها الذي أشعلته الولايات المتحدة الأمريكية في البلاد التي احتلتها وما جاورها أصبح اليوم الهاجس الأكبر للدول العربية والإسلامية بما يبدو أنه انتصار كبير للسياسة الأمريكية ولأهداف الحروب التي شنتها ولابد معه أن يتجمع قادة الدول العربية والإسلامية لإعادة النظر في ما ينتظر بلدانهم من تقطيع وتشطير وتجزئة قبل فوات الأوان وما السودان إلا الشاهد الأكبر على هذه النوايا التي كشفت خلالها واشنطن عن أنيابها الجشعة المتعطشة لنهب والسيطرة بالمطالبة بإجراء استفتاء على التقسيم وراحت تغذيه بكل ما لديها من قوة حتى يتحقق الانفصال ويبوء السودان مكانة أضعف وأقل شأنا مما كان، ليستذكر كل سوداني ويترحم على دولة السودان الموحدة رغم كل الصغائر التي أصبحت في العصر الأمريكي مشاكل كبيرة لا يمكن السكوت عنها أو التعايش معها.
كذلك في العراق الذي بارك الغزو الأمريكي منذ بدايته انفصالا لما سمي بإقليم كردستان العراق والعين ترصد انفصالا آخر في الجنوب أضعف ويضعف العراق والدول المجاورة له. كذلك في أفغانستان وباكستان التي بدأت تلوح فيها ملامح الفرز الطائفي والمذهبي والعرقي بانتظار إشعال الفتيل بمكيدة من واشنطن.. وهو الهدف غير المعلن والحقيقي لكل الحروب الأمريكية على المنطقة التي كانت قبل الحرب من أمن الدول وأكثرها هدوءا وتوافقا وسلاما بين الجميع.
هذا الفتيل الخطير الذي أشعلته ولا تزال واشنطن وشركاؤها في المنطقة العربية والإسلامية لن يقتصر على حرق نفسه والدول التي أشعل فيها بل لابد له أن يصل إلى الولايات المتحدة نفسها لتجد نفسها تحترق تماما كما أشعلت الحرائق الطائفية أو المذهبية هنا وهناك ستجد نفسها تحترق لأنها ليست في منأى عن مثل هذه الدعوات وأن عدوى هذه النار تنتشر كالنار في الهشيم ولا تعرف حدودا ولا يوقفها فـ "الفتنة النائمة لعن الله من أيقظها"..