تاريخ النشر2010 27 October ساعة 14:42
رقم : 29595

في ذكرى فتحي الشقاقي.. الدم الذي هزم السيف

اليوم تمر الذكرى الخامسة عشرة لاستشهاد مؤسس الجهاد الفلسطيني المعاصر بلا منازع، الشهيد القائد فتحي الشقاقي (أبو إبراهيم) الذي استشهد في جزيرة مالطا عندما قصدها مسافراً من طرابلس بليبيا .
فتحي الشقاقي
فتحي الشقاقي
وكالة انباء التقريب (تنا) : 

يصر عرب الاعتدال على أنه لا خيار أمامهم في فلسطين، سوى خيار الانحناء المستمر أمام الغطرسة الاسرائيلية، تارة يسمونه بخيار «التهدئة»، ومرة خيار التسوية، ومرة خيار مبادرة السلام، على النسق السعودي/ المصري، ذلك النسق الذي لا يكف عن التمسك بأهداف تسوية لا تأتي، وسراب مفاوضات لا يليق، بدول كبيرة (هكذا تقول الجغرافيا)، أو كانت صاحبة دور (هكذا يتحدث التاريخ). 

وسط هذا البؤس الرسمي العربي، تضيع فلسطين تدريجياً من بين أيدي العرب والفلسطينيين الذين لم تعد انقساماتهم المتتالية وصراعاتهم الصغيرة، تثير اهتمام أحد، فتضيع فلسطين، وتتسرب (مركزيتها) من ذاكرة الأمة، وحاضرها. وسط هذا جميعه، نحتاج إلى تذكر الثوابت والأبجديات، في قصة الصراع العربي الصهيوني، ذلك الصراع الذي فُرض علينا ولم نسع إليه، ونحسب أنها ثوابت وأبجديات، يضيئها أكثر ويجليها الحديث الموصول عن (دماء الشهداء) الذين قضوا، وهم يثبتونها. تحل ذكرى القائد فتحي الشقاقي، أحد أبرز هؤلاء القادة الشهداء، الذين سطروا بجهادهم ودمائهم قصة فلسطين الحقيقية، فلسطين غير اليهودية، تلك التي نجزم بأن غالبية الرؤساء والملوك العرب لا يعرفونها، لأنهم إن عرفوها، وعلموا كم الدماء الزكية الطاهرة التي أريقت من أجلها، ما فرطوا فيها هذا
التفريط المذل. 

اليوم تمر الذكرى الخامسة عشرة لاستشهاد مؤسس الجهاد الفلسطيني المعاصر بلا منازع، الشهيد القائد فتحي الشقاقي (أبو إبراهيم) الذي استشهد في جزيرة مالطا عندما قصدها مسافراً من طرابلس بليبيا، التي كان قد ذهب إليها ليحل مشكلة الفلسطينيين المبعدين على الحدود، وفي طريقه من مالطا إلى مقره المؤقت في دمشق، تم اغتياله من فريق مكون من (٤٠ عنصرا) من الموساد الاسرائيلي بقيادة المجرم المقتول لاحقا اسحق رابين. 

الذكرى تأتي وفلسطين تعيش أجواء انتفاضة فلسطينية ثالثة، بسبب الانقسام الوطني، مع انهيار خيارات التسوية البائسة، تأتي الذكرى وحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، التي أسسها الشقاقي، وهي تحتل (الرقم الأصعب)، والأكثر طهراً ونبلاً في معادلة الصراع في المنطقة، وعلى الرغم من أن الهدف كان تصفية هذه الحركة المجاهدة من خلال اغتيال مؤسسها وأمينها العام، إلا أنها في الـ١٥ عاما الماضية قامت من كبوتها، وواصلت الانطلاق، بقيادة رفيق جهاد الشقاقي، المجاهد الدكتور رمضان شلح في طهارة ثورية نادرة، لم تلوثها ألاعيب السلطة ودهاليز الحكم التي وقعت فيها غيرها من القوى والتيارات الفلسطينية. 

ولد فتحي الشقاقي عام ١٩٥١ في قرية زرنقة القريبة من يافا، وكانت حياته كلها، على قصرها (٤٤ عاماً) ملحمة من الجهاد والصدق والثبات، وجهت أغلب مراحلها ناحية فلسطين، وترابطت أبرز حلقاتها مع الاسلام مشكّلة بناء متكاملا يقترب من النظرية السياسية المنسوجة ليس بالفكر والفقه الذي تميز به الشهيد منذ سنيه الأولى فحسب، بل بالدم الذي أضفى على كلماته وأفعاله وتاريخه أنبل المعاني، مما يعجز المطبعون الجدد، المتباكون على (شهداء!!) اليهود. كان الشقاقي شديد التواضع، رغم سعة اطلاعه، وعمقه
وبعد نظره، وكان شديد الصلابة في ما يتصل بفلسطين، لا يتنازل ولا يداهن، ولا يمتلك ترف إمساك العصا من المنتصف كعادة بعض الحركات الإسلامية اليوم. 

أسس مع رفاق له ـ ٦٠ مجاهدا ـ النواة الأولى لحركة الجهاد الاسلامي في فلسطين داخل جامعة الزقازيق في مصر بين عامي ١٩٧٩ ـ ١٩٨١، عندما كان يدرس الطب في جامعتها، وكان من أبرز رفاقه آنئذ الأمين العام الحالي لحركة الجهاد الاسلامي د. رمضان عبد الله شلح والشيخ عبد الله الشامي ود. محمد الهندي والشيخ نافذ عزام من قيادات الجهاد في الداخل الفلسطيني وغيرهم. 

وبعد مطاردات واعتقالات عدة للشقاقي، قصد فلسطين يوم ١/١١/١٩٨١ ومن هناك بدأ في زرع نواة الجهاد الاسلامي في التربة الفلسطينية مجددا، التي كانت قد جفت وترهلت بفعل مناضلي منظمة التحرير ومناهجهم التائهة، وبقايا الحركة الاسلامية المشتتة وقتها والتي كانت تركز على الجوانب الاجتماعية دون قضايا المواجهة للعدو. 

وكانت الفترة من ١٩٨١ حتى ١/٨/١٩٨٨ يوم ترحيل الشقاقي خارج فلسطين هي أخصب الفترات في مجال العمليات الاستشهادية التي قادتها بلا منازع حركة الجهاد الاسلامي وفقا لأغلب الروايات التاريخية التي أرّخت لتلك الفترة، بما فيها الروايات الاسرائيلية، وروايات أصحاب الاتجاهات اليسارية والقومية العربية (أنظر د. زياد أبو عمرو ـ الحركة الاسلامية في الضفة وغزة ـ ١٩٨٩) ويجمع المتابعون على ان هذه العمليات وغيرها من الأحداث كانت السبب الرئيسي في اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الاولى الباسلة ١٩٨٧ التي أجهضتها السلطة الفلسطينية في ما بعد بتنسيق وترتيب مع النظام الرسمي العربي ومع اسرائيل وتحت المظلة الأميركية. 

تؤكد مجمل أبحاث ودراسات الشهيد التي كان لي شرف إصدارها في موسوعة (من مجلدين ١٦٢٠ صفحة ـ تحمل عنوان
رحلة الدم الذي هزم السيف: الأعمال الكاملة للشهيد الدكتور فتحي الشقاقي ـ عن مركز يافا للدراسات بالقاهرة عام ١٩٩٧) وأصدرتها بناء على توجيه منه عندما كنت معه ـ كصديق ورفيق جهاد ـ في ليبيا قبل استشهاده بأسبوع، أجمعت هذه الأبحاث على ان قضية فلسطين كانت فكرياً وسياسياً هي الاسهام الرئيسي للشهيد الشقاقي، وهي جوهر مشروعه التجديدي الذي قدمه للأمة، حيث يقول: ان استقلال القرار السياسي العربي الاسلامي مرتبط شرطيا بسيرورة تحرير فلسطين، اذ لم تكن مصادفة ان يقدم الغرب وعد بلفور في الوقت الذي كان يدمر بنيان الدولة العثمانية، ويجتاح المنطقة عسكريا ويخضعها إلى شبكة علاقات قائمة على التبعية والارتهان السياسي، لقد عمد الآخر إلى شن حربه الشاملة ضد الوطن العربي ـ الاسلامي وتكريس القابلية للاستعمار في نفوسنا وتدمير منابع القدرة الداخلية، وذلك بتحطيم المكونات العقدية الفكرية والحضارية للمجتمع الاسلامي، وتغيير أنماط المعيشة والانتاج فيه بما يخدم مصالحه ويحقق التبعية له.

 ثم يقول الشقاقي: «لقد عمد الآخر إلى خلق مؤسسات موازية ومعادية لنا يديرها تلامذة له، مأخوذون بثقافته، ولم تكن سوى محاكاة مشوهة وناقصة لمؤسسات الغرب، في سعي منه لتدمير العقل المسلم وحشوه بمفاهيم الغرب، ليقطع كل طريق على عملية التفكير في إعادة بناء المجتمع الاسلامي المقاوم، فمجرد تدمير المؤسسات الاسلامية مع بقاء العقل الاسلامي في يقظة كفيل بمحاولة البدء من جديد وكفيل بنجاح المؤسسات الاسلامية وإعادة بنائها من جديد.
لكن اسرائيل ـ وفقا للشقاقي ـ وجدت لتمارس وظيفة مستمرة دائبة هي ضرب النفسية العربية المسلمة وتحويل ميدان المعركة الحقيقية إلى ميادين وهمية تستنفد الجهد والطاقة، وقيام دولة اسرائيل أهم وأخطر وأعنف أشكال الحرب الشاملة.
رفعت سيد احمد

https://taghribnews.com/vdcbssb5.rhb99pukur.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز