تاريخ النشر2010 3 November ساعة 14:05
رقم : 29912
وحدة المشروع العربي و الإسلامي في مواجهة المشروع الأميركي الصهيوني(۲)

المشــروع العـربـــي الإسـلامــي مبادئ وغايـات

فايز عز الدين مستشار مركز الدراسات الأسترتيجية للشباب،عضو اتحاد الكتاب العرب
المشــروع العـربـــي الإسـلامــي مبادئ وغايـات
منذ أربعة عشر قرنا ونيف بدأت إرهاصات هذا المشروع تعلن عن موجتها الخضراء في شرق الكرة وغربها، كما في شمالها وجنوبها ومعروف في التاريخ الذي حددناه كيف تبادلت العروبة، والإسلام الأدوار والمكونات حتى تم خلق وجدان مشترك بين من وحًدتهم العقيدة السماوية، وجعلتهم يتشاركون في صناعة النظام الاجتماعي، والثقافي، والاقتصادي والسياسي بما يؤكد على مقولة التفارق، والتمايز بالتقوى وحسب، وما يلتحق في إطار هذه المسألة من عدل ومساواة، وإخاء، وحرية، ومقولة الخليفة الراشدي العادل : (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم احرارآ) لاتزال تمثل دستور الدولة حتى يوم الناس هذا. 

وحين نعود الى ميزات الدولة العربية الإسلامية، نتوقف عند الكثير من السمات الحضارية، والثقافية، والأنسانية التي صنعتها تلك الدولة، وجعلتها برنامجآ لها وهي تسوس الناس، وتضع نفسها دومآ بخدمة فقرائهم والسواد الأعظم من الذين يحتاجون دومآ لرعايتها. ولقد مر تاريخ الدولة العربية الإسلامية بالحقب المتعددة التي مثلت فيها الخصائص الجاذبة: إيجابآ، وسلبآ لكافة القوى العالمية التي كانت تتماهى بالأطر القانونية والتشريعية لدولة الإسلام، أو القوى التي كانت تتربص بها الدوائر حتى تنقض عليها في الأزمنة المناسبة. وذلك لكون المنظومة الحضارية، والثقافية الإسلامية قد شكلت ايديولوجيا المستضعفين في العالم، وهذه الإيديولوجيا ستقطع الطريق على التحول التاريخي للرأسمالية العالمية في عصر محدد. 

هذا ما كان قد حصل للدولة العربية الإسلامية في التاريخ الماضي، اما ما يحصل اليوم للعرب، والدول الإسلامية يعيد ما كان قد حصل مع فارق الأمر بان الدولة قديمآ كانت واحدة لهما، أما العصر الذي نحن فيه فهم دول، وسيادات وتجارب متعددة، ولم يعد بينهم ذلك الرابط الكبير بعد ان طغت المباديء، والمعايير السياسية على المباديء والمعايير الروحية والعقيدية. ويضاف الى ذلك اليوم ايضآ ان طبيعة النظام الدولي الذي آل إلى وحيد القطبية بعد نتائج المتغيرات الدولية منذ العام ۱۹۹۱ في القرن الماضي إستهدفت الإسلام كي تصمم منه صورة عدو دولي بديل عن صورة العدو الدولي الشيوعي طالما ان الشيوعية قد خرجت من ارض اوروبا، وبعض آسيا بحزبها، ودولتها، ونظريتها ولم تعد صالحة لأن تبقى تمثل صورة العدو الدولي الراهن، والمستقبلي. 

ولما كانت الدولة التي تريد ان تهيمن على العالم بإستخدامها لخطاب القوة كبديل غير عادل عن خطاب الحوار والتفاعل وإحترام الآخر(اي اميركا) تجعل كامل غاياتها منصبة على خلق العدو الدولي من الأصولية، والأصولية الإسلامية تحديدآ وكأن الأصولية المسيحية، أو اليهودية، أو البوذية، والكونفوسوسية ليست أصولية بحساب الأصوليات عندها كما هو الحال عليه في الأصولية الإسلامية، نجدها قد غيرت منطق العلاقات الدولية، ومنطقيتها، وأدخلت العالم في ملامح مرفوضة لصليبية عبر عنها الرئيس دبليو بوش بوجه لا يمثل أي بعد أخلاقي، عادل في القيم الدولية والحضارية التي تدعي اميركا انها تمارسها أولآ. 

وتأسيسآ عليه فقد انتقل- بآن معآ- التاريخان: العربي والإسلامي الى دائرة جديدة من الحدث الدولي المواجه حيث لم تبق الأصولية محددة بالإسلام وحسب- بنظر اميركا ومن يحالفها- بل بالإسلام العربي، والإفغاني، والإيراني.
وتقاربت الوان التحدي الأميركي الصهيوني للعرب، وللمسلمين في معظم دولهم الوطنية ليتغيًر عنوان الصراع الدولي من تقدم وتخلف، الى غرب امبريالي صهيوني طامع، وإسلام يحاول أن يدفع عن نفسه خطر المشاريع الطامعة بأرضه وخيراته وموقعه. أو إلى غرب عولمي ليبرالي متوحش، وإسلام يمكن أن يلعب دور إيديولوجيا المستضعفين في الأرض.

من الواضح في المشروع الدولي الراهن أن اميركا لم تترك القوى الكبرى تتوافق على نظام دولي عادل يأخذ بالأحترام المطلوب خصوصيات الأمم ودولها، ويقدر هويتها الوطنية، وجغرافيتها السيادية، بل تريد ان تفرض على أمم الأرض نظام دولة تسميه النظام الدولي الجديد، وقد إتضحت هذه القضية لأصدقاء أميركا، وحلفائها الأوروبيين فرأيناهم كيف سارعو الخطی نحو الوحدة الأوروبية حتى تضمنهم وتضمن لهم النمو الإقتصادي، والسياسي، والإجتماعي، والثقافي المتناسق مع طموحاتهم، وطموحات شعوبهم. 

فإذا كان هذا هو حال أصدقاء أميركا حيث خافوا على مستقبلهم من طبيعة التحول الدولي العولمي على الطريقة الأميريكية فرسموا لأنفسهم خط تطور وتنمية مستدامة يتقون فيه خطورات ما يتوجسون ريبة منه في السياسة الإمبراطورية التي انتهجتها أميركا اليمين الجديد المحافظ المتصهين، فكيف لا يكون لنا – نحن العرب والمسلمين- حال مماثل؟ وأي طالما أن أميركا تعلن إستهدافها للإسلام- تحت ذريعة الأصولية، والتطرف، والإرهاب، وعدم التسامح - فأين هو الموقف المشترك المستوجب من العرب والمسلمين إزاء هذا التحدي المشترك؟! 

ومن ثم ما نجده- في الجيواستراتيجيا العالمية لأميركا وحلفائها- ينصَب على خلق وعي دولي مزيًف يجعل المجتمع الدولي مضللآ حول حقيقة القيم العادلة التي يتمسك بها العرب والمسلمون، أو مكونات المشاريع الوطنية، والسيادية التي يرسمها هؤلاء، ومتعلقاتها المستجيبة لأماني تعيين المستقبل، وفتح طرق الوصول اليه، فإذا كان ذلك كذلك الآ يبنى على الشيء مقتضاه بالتفاهم على مشروع عربي إسلامي يحصن الثوابت القومية والتحررية والديموقراطية في السياسة، والإقتصاد، والإجتماع، والثقافة، والحقوق، والأخلاق؟

أن المشروع الأميركي الصهيوني في المنطقة أو المناطق العربية، والإسلامية لا يتوقف عند تأمين البترول، والثروات الباطنية بل تعدى ذلك الى الإمساك بمنطق التحول التاريخي برمته للعرب والمسلمين حتى تكون مؤشرات التطور بمجملها تحت السيطرة، والذين يقيسون الأشواط الحضارية يعرفون أن ما لدى العرب، والمسلمين من العراقة الحضارية، والثقافية تجعلهما يجسٍران الهوة التكنولوجية بالزمن القليل، ويلتحقان بموكب الأمم التكنولوجية، والحكومة الاليكترونية، وكافة مظاهر الدولة والأقتصاد الرقمي الحديث. 

وعليه فسوف يكسران القاعدة العولمية المتوحشة أميركيآ المستهدفة نسف القدرة التطويرية، عند الأمم التي لديها أستعدادات اللحاق التقني، والمعرفي، والمعلوماتي حتى تجبر هذه الأمم والدول على البقاء قي مربع الاستهلاك وعدم التقدم والانتقال الى مربع الإنتاج حتى يتواصل العالم كما رسمته سياسات الأمركة عالمين: عالم العولمة المتطور المنتج لأدق اختصاصات العالم، أي منتج الحياة العالمية على وجه العموم، وعالم الإستهلاك والمستهلكين الذي عليه أن يقبل- مرغما- إنتاج العالم، وقيادته من قبل منتجيه، ولا يجوز أن يبدي أية إرادة مقاومة لهذا المبدأ. 

وحتى تستطيع اميركا، ومن يحالفها فرض هذه السياسة نراهم يرفضون ان يكون لأية دولة مشروع امل لها بمستقبل اقتصادي، انتاجي، يحررها من قيود الليبرالية العولمية المتوحشة، وقيادتها الامبراطورية الغاشمة، ومن هنا نتفهم الضغوطات، والتهديدات التي تمارس على الجمهورية الايرانية الاسلامية، في امتلاكها للقدرة النووية المخصصة للاغراض السلمية. 

والمشروع العربي- الاسلامي، ازاء التحدي الدولي المشخص بالحالة التي ذكرناها سيصبح بالضرورة متناولا الجوانب الحضارية، والثقافية الكاملة، وما تشتمل عليه في التربية، والسياسة، والثقافة، والاقتصاد ذلكم لكون المشروع الامرو صهيوني المقابل يستهدف التربية حتى تحدد الشخصية الفردية، والاجتماعية كما يرغبون. والسياسة حتى تترسخ قيم الاستتباع، والإلحاق كما يرغبون. والثقافة حتى يفرضوا نمط الهوية ونموذجها كما يرغبون. والاقتصاد حتى يقيموا الاقتصاد التابع للاقتصاد الكولونيالي العولمي الليبرالي، وعقيدة السوق الحرة كما يرغبون.
 
وستبقى في رأس مهام المشروع العربي- الإسلامي مسالة الوعي الضروري بالأهداف والمشاريع الامروصهيونية وبغير هذا الوعي قد لا تنتقل إرادة العرب والمسلمين إلى إرادة تحد، ومقاومة، ومواجهة، وصمود. طالما ان التجارب التاريخية لهما اثبتت -غير مرة- بأن الوعي بالتحدي هو السبيل الأهم لخلق مقومات مقاومته، واطر مواجهته وهنا من الواجب ان يستدعي هذا الوعي اقنية الحوار العربي الإسلامي حتى يتواصل الطرفان، ومن ثم يتوصلا الى الوحدة الممكنة في الرؤية، وتحديد الأهداف المشتركة، ومن ثم العمل والجهد الواحد. 

وحين تصبح الملامح المشتركة للمشروع العربي الإسلامي حقيقة سياسية، حقوقية، برنامجية إذ ذاك تتأتى الرسالة الروحية للإسلام بإيمانيتها المتنزلة لها، والرسالة الحضارية للعرب بمعقوليتها ومنطقيتها وعدالتها المعروفة في التاريخ. وهذا الرسالة المشتركة لا بد ان تتحول الى ثقافة عالمية تعكس أبعاد العمق الحضاري التاريخي لكليهما، اي للعرب والمسلمين على حد سواء، اي تعيد للطرفين ذلك الوهج التاريخي الذي كان لهما معا يوم كانا دولة مركزية واحدة، وبقيادة واحدة. 

اما في العصر الراهن حين يتوافق الطرفان على المشروع الحضاري، الثقافي،المقاوم لابد فيه من ان تتفجر لديهما الكثير من كوامن الإبداع باعتبار ان الجهود التضامنية لهما ستوفر الإمكانات التي يملكانها ويصبانها في إتجاه واحد ويستثمرانها - بشكل منتج وقوي - في السياسة العالمية ليأخذا فيها الموقع العالمي المعتبر و يفرضا بها المصالح الوطنية لكل طرف منهما، ويدخلا فيها خارطة القوى العالمية التي تتحقق مصالحها دون منازع، اومنافس او أي مظهر من مظاهر الاستلاب العالمي، او الحصار.


https://taghribnews.com/vdcewo8w.jh8ozibdbj.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز