يذكر أن مشكلة الحجاب في تركيا قد بدأت سنة ١٩٨٩م عندما ألحق الحزب الحاكم في تلك الفترة المادة رقم ٢٥٤٧ إلى قانون التعليم العالي على حين لم يصدر أي قانون أو قرار من المحكمة الدستورية يقضي بحظر ارتداء الحجاب.
شارک :
وكالة انباء التقريب (تنا) : مشكلة الحجاب في تركيا تستعصي على الحل منذ سنوات، والحق أن حزب العدالة والتنمية قد تشبث بمحاولات كبيرة لحل هذه المشكلة، بيد أنه لم يستطع الوصول إلى ما يصبو إليه بسبب المعارضة الشرسة من قبل حزب الشعب الجمهوري، وقرار محكمة حقوق الإنسان الأوربية. ففضّل حزب العدالة والتنمية تجميد المشكلة على حالها مدة معينة.
لقد طفت مسألة الحجاب على السطح مرة أخرى بعدما ذكر رئيس حزب الشعب الجمهوري قليتش دار أوغلو أنهم سيشرعون في حل مشكلة الحجاب عندما يتولون مقاليد السلطة. وقبل عدة أيام ناشد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان حزب الشعب الجمهوري قائلا: "إن كنتم مخلصين فيما تقولون، فتعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم لنحل هذه المشكلة".
المؤيدون لحظر الحجاب في تركيا لهم موقف عجيب؛ عندما نعاتبهم يدافعون عن أنفسهم قائلين: "لسنا من وضع الحظر على الحجاب، بل جاء الحظر من المحكمة الدستورية ومحكمة حقوق الإنسان الأوربية"
حيث صدر قراران من المحكمة الدستورية التركية بخصوص حظر الحجاب في عامي ١٩٨٩، و١٩٩١م، فعقّّّد هذان القراران الموضوع أكثر مما كان عليه. لكن لو كان حزب العدالة والتنمية حكم تركيا قبل عام ١٩٦٠م ، تلك الفترة التي شهدت سيطرة الحزب الواحد علي الحكم او ما يسمي بالعهد الديكاتوري، فانه كان من اليسير حل هذه المشكلة بقرار من مجلس الوزراء.
يذكر أن مشكلة الحجاب في تركيا قد بدأت سنة ١٩٨٩م عندما ألحق الحزب الحاكم في تلك الفترة المادة رقم ٢٥٤٧ إلى قانون التعليم العالي على حين لم يصدر أي قانون أو قرار من المحكمة الدستورية يقضي بحظر ارتداء الحجاب.
لم يكن هذا العمل متوقعا مطلقا من الحزب الحاكم، فقد أصدر قانونا يسمح بارتداء الحجاب، وجاء في القانون" أن كل فرد حر في تغطية رأسه أو رقبته بغطاء الرأس أو خمار من منطلق عقيدته الدينية".
ولم تتوقع السلطة آنذاك أنه من المتعذر عمل أي تعديل قانوني في تركيا العلمانية وفقا لمبادئ ومتطلبات الدين، ولو جرى هذا التعديل فلابد أن يعقبه رد فعل عنيف.
وفضلا عن هذه المادة التي يبدو بوضوح أنها لم تصدر عن المحكمة الدستورية فسنلحظ أن الحزب الحاكم في تلك الفترة هو من قد هيأ بيديه المسوغ القانوني لحظر الحجاب دون إرادة منه بالطبع.
ثم كانت هناك محاولة أخرى سنة ١٩٩١م، وطلبت السلطة هذه المرة رفع هذا الحظر عن الحجاب، وذلك بإلحاق المادة الإضافية رقم ١٧ إلى القانون ٢٥٤٧. وتقضي هذه المادة بحرية ارتداء جميع أنواع الزي في مؤسسات التعليم العالي بشرط عدم معارضتها للقوانين سارية المفعول.
غير أن هناك عبارة قد وردت في هذه المادة الإضافية واكتنفها خطأ في الأسلوب، وهي" حرية ارتداء جميع أنواع الزى غير المحظور"، فما دام الشئ غير محظور فهو إذن مباح، فلم تكن هناك حاجة إذن إلى إصدار قانون يقضي بعدم حظره.
ومن ثم أصدرت المحكمة الدستورية قانونا بحظر ارتداء الحجاب على موظفي الدولة وطالبات الجامعة. وبعد انقلاب ٢٨ فبراير(شباط) تم حظر الحجاب في مدارس الأئمة والخطباء الثانوية أيضا.
وأخيرا نقول: إن التصريحات التي أدلى بها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان فيما يتعلق بمسألة الحجاب تحمل الكثير من العقلانية والواقعية .
ففي حديث أردوغان عن التقارب والتناغم بين جميع المؤسسات لحل مشكلة الحجاب ذكر أن هذه المشكلة التي تحيط بها هالة من التعقيد منذ سنة ١٩٩١م لا يمكن حلها من خلال البرلمان فقط.
وأمس الموافق ٢٠ أكتوبر ٢٠١٠ اجتمع وفد من حزب العدالة والتنمية مع وفد من حزب الشعب الجمهوري، و وعقب ذلك التقي وفد الحزب الحاكم بأعضاء من حزب الحركة القومية لمناقشة الموضوع ذاته.
وقد أعلن أعضاء حزب الشعب الجمهوري الذين كانوا منقسمين فيما بينهم حول قضية الحجاب عن رفضهم التعاون مع حزب العدالة والتنمية، بينما رحب حزب الحركة القومية بمقترح الحزب الحاكم.
ومؤخرا ظهرت خير النساء جول قرينة الرئيس التركي عبد الله جول، بالحجاب خلال مراسم الاستقبال الرسمي للرئيس الألماني كريستيان فولف لأول مرة في تاريخ الجمهورية التركية الحديثة.
ربما ان الاستفتاء التركي الذي اجري مؤخرا هيأ الأوضاع التركية الداخلية لحل مشكلة الحجاب. ومن وجهة نظري المتواضعة فانه يجب علي الحزب الحاكم إنقاذ ما يمكن إنقاذه بالاتفاق مع حزب الحركة القومية. وكما يقول العرب: ما لا يُدْرَك كله لا يُتْرَك كله.