العيد شعيرة من شعائر الإسلام ومظهر من أجلّ مظاهره ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب. إن يوم العيد لمن خاف يوم الوعيد واتقى ذا العرش المجيد•• وسكب الدمع تائباً رجاء يوم المزيد•• واليوم تحتفل الأمة الإسلامية بمناسبة عظيمة من مناسباتها، وهي عيد الأضحى المبارك، وقد قيل من أراد معرفة أخلاق الأمة، فليراقبها في أعيادها إذ تنطلق فيه السجايا على فطرتها، وتبرز العواطف والميول والعادات على حقيقتها فالمجتمع السعيد الصالح هو الذي تسمو أخلاقه في العيد إلى أرفع ذروة وتمتد فيه مشاعر الإخاء إلى أبعد مدى، حيث يبدو في العيد متماسكاً متعاوناً متراحماً، تخفق فيه القلوب بالحب والود والبر والصفاء•••
فماذا يقول العلماء ورجال الدين في هذه المناسبة••
مفتي بعلبك الشيخ خالد الصلح
انه عيد الأضحى، العيد الرمز للتضحية بالغالي والنفيس من أجل كسب رضى الله عز وجل، وهل أغلى من أن يرتضي نبي الله الكريم إبراهيم بإبنه والإبن هو الأغلى على قلب الأب؟
انه عيد الأضحى، ونحن نحتفل بمقدمه، ونفرح لاطلالته علينا، ونسعى من أجل ان يكون فيه بارقة الأمل للغد الأفضل والسعادة الأكمل للأجيال الجديدة التي تتطلع إلى لبنان أقوى ومجتمع أكثر تماسكاً وغد أكثر أماناً• ليتنا نعلن عن فرحتنا بالعيد، بالاهتمام بالأيتام والفقراء والمساكين وذوي النفوس الضعيفة الذين يخجلون من أن يمدوا ايديهم للسؤال وهم يعيشون اقسى ظروف الحياة الصعبة•
ليتنا نعلن عن فرحتنا بالعيد، بالخروج من أنانياتنا وصغائرنا وضعف نفوسنا وتهافتنا على المراكز والمناصب والمواقع والمطامع إلى رحاب الوطن الأغلى على قلوبنا ليكبر بنا هذا الوطن ونكبر به• ليتنا نعلن عن فرحتنا بالعيد، والقدس الشريفة محررة من رجس الصهيونية والصهاينة الذين اعدوا مشروع تدميرها لإعادة بنائها على الطريقة اليهودية لجعلها قبلة ليهود العالم وصهاينته•
ليتنا نعلن عن فرحتنا بالعيد، والأمة العربية والإسلامية تقف وقفة رجل واحد رافضة الذل والانكسار والخنوع والتخاذل مقبلة على الحياة الحرة الكريمة مهما كانت التضحيات غالية والأثمان عالية• ليتنا نعلن فرحتنا بالعيد، وايدينا متشابكة معاً للدفاع عن مقدساتنا، وعن أهلنا في فلسطين والعراق وفي كل بقعة من بقاع الأرض في وجه أعداء الإنسانية واشرار هذ العالم الذين جمعوا كل أفاق بينهم ليوجهوه ضد كل شريف في مواجهتهم لأنهم لا يرون فينا قوة المواجهة وارادة الشهادة من أجل الحق ودفاعاً عن الحق• في مطلق الأحوال، نسأل الله ان يعيد هذا العيد علينا وعليكم بالخير واليمن والبركة لعل وعسى يهتدي من لم يهتد بعد ويدرك ان قوتنا في وعينا للمخاطر التي تنتظرنا وفي توظيف ذلك الوعي لتحقيق الوحدة بيننا لنكون سداً واحداً في مواجهة شرورها•
مطران السريان الأرثوذكس في جبل لبنان وطرابلس جورج صليبا
- ما من حب أعظم من هذا، ان يبذل الإنسان حياته من أجل احبائه، هذا قول اطلقه السيد المسيح، وليس أجمل من التضحية بالحياة شيء لأن المضحي ليس محباً فحسب بل يذوب في المحبة، والمسيحية تذكر إبراهيم الخليل وكذلك الإسلام يذكر ويقدر إبراهيم الخليل أبا الأنبياء، فإبراهيم كان أميناً لله مخلصاً له يعبده بالروح والحق، والكتاب المقدس يقول فآمن إبراهيم بالله وحسب له برّاً وهذا البر لم ينحصر بإبراهيم المضحي والخاضع الأكبر لمشيئة الرحمن الرحيم، وهكذا ايضاً سائر الأنبياء والمرسلين واصفياء الله عبر التاريخ، ومعظمهم ضحوا بحياتهم واستشهدوا من أجل هذا الحب اللامتناهي•
والسيد المسيح ضحى بنفسه وقدم حياته قرباناً من أجل خلاص العالم كل العالم حسب العقيدة المسيحية• وفي هذه الأيام المباركة يحتفل العالم الإسلامي في مشارق الأرض ومغاربها بعيد الأضحى المبارك، هذا العيد الذي يكفر به المؤمنون عن ذنوبهم وخطاياهم وتقصيراتهم ملتمسين بركات السماء ويقدمون الأضاحي والأضاحي هي كفارة عن ذنوب الناس وما أجمل ان يلتزم المؤمنون كل المؤمنين بهذه المبادئ السامية والمثاليات الفائقة للعقل•
نهنئ اخوتنا المسلمين في لبنان والعالم اجمع بهذا العيد المبارك طالبين مراحم السماء لتشمل عالمنا العربي والإنسانية كافة بالرحمة والمحبة والسلام• ونرجو ان يمن الله بالسلام على أهلنا في فلسطين والعالم العربي بل في العالم اجمع•
المفتي حسن دلّي مفتي حاصبيا ومرجعيون
ونحن على أبواب عيد الأضحى المبارك اعاده الله على المسلمين في لبنان والعالم كله بالخير واليمن والبركة والسلام والطمأنينة والأمان نتطلع إلى أولى القبلتين وثالث الحرمين القدس الشريف التي كشف النقاب مؤخراً عن مخطط إسرائيلي متكامل لهدمها واعادة بنائها، وفي القلب أمل بهذه الأمة ان تنهض وتقف وقفة رجل واحد لتزيل عن أرضنا الطاهرة رجس الصهيونية، كما نتطلع إلى كل مسلم في العالم انعم الله عليه باليسر والغنى ان يجعل في كفالته ورعايته اخوة له من المسلمين انسدت في وجوههم ابواب الرزق لسبب أو لآخر ليمدوا إليهم يد العون والمساندة والمساعدة وفي الحديث الشريف ليس منا من بات شبعانا وجاره جائع وهو يعلم•
ونأمل ان يكون عيد الأضحى المبارك، مناسبة للتضحية بالأنانيات والصغائر التي تشكل مجمل اسباب الخلاف والاختلاف بين المسلمين بعضهم البعض على كافة الأصعدة، صغيرها وكبيرها، لعلهم يرتقوا إلى المستوى الذي اراده الله لهم كخير أمة اخرجت للناس وان يكفوا عن الانقسام ويحولوا دون تقسيمهم دويلات وفئات وطوائف ومذاهب تتناحر وتتقاتل كما يريد العدو الذي يرفع منذ القديم شعار فرق تسد ويعمل على أساسه من اجل تفريقهم وشق صفوفهم واثارة الصراعات بينهم• وعيد الأضحى مناسبة للتطهر من آثام الأنانية التي يعيشها البعض صغاراً أو كباراً، مسؤولين وأناساً عاديين، في تكديس الثروات وجمع الأموال وتجاهل أيتام الأمة وفقرائها ومساكينها وهم الأمانة في أعناقهم وقد قال الله عز وجل: " ألم يجدك يتيماً فآوى" وأمرنا جل وعلا بالقول: "فأما اليتيم فلا تقهر".
لقد كثرت في هذه الآونة أوضاع المسلمين صعوبة، وكأني بهم والعدو من أمامهم والبحر من ورائهم وليس لهم إلا ان يكونوا كالجسد الواحد إذا اصيب عضو منه بأذى تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى فأين نحن اليوم مما دعانا إليه رسول الله (ص) بل أين نحن مما أمرنا الله به؟
ان عيد الأضحى مناسبة مباركة تتجدد كل عام لتجدد فينا الأمل بأن يكون الخير في نفوس قادة هذه الأيام ليعملوا معاً من أجل ما فيه خير هذه الأمة وسعادتها وبرّها وتقواها• فتحية إلى اهلنا في مشارق الأرض ومغاربها بهذه المناسبة المباركة وكل عام وشعبنا اللبناني عامة والمسلمون فيه بخاصة بألف خير، وكل عام وأنتم بخير•
الأباتي سعد نمر الرئيس السابق للرهبانية المريمية
يأتي العيد هذه السنة لا كسائر السنوات التي كان لها نوعاً من الفرح والبهجة يضفيه العيد على قلوب اللبنانيين جميعاً والمسلمين بنوع خاص ليعطيهم زخماً جديداً من التجدد وعدم الانطواء على الذات والانغلاق على الآخرين لأن الله يجمع ولا يفرق، وكيف ندعي اننا نحن ننتمي إلى أديان سماوية، والسماء عيد دائم وفرح بلا نهاية•
كيف ننتمي إلى هذه السماوات ونحن نعيش تفرقة ما بعدها تفرقة وانقساماً ما بعده انقسام وشرذمة حتى العمق وبكراهية وحقد لم يشهدها اللبنانيون منذ قبل حتى في سنين الأيام الصعبة والعجاف التي مرت على لبنان!!
نحن اليوم في هذا العيد المجيد بحاجة أكثر من الأيام التي مرت علينا إلى المحبة وإلى زرع بذور الفرح والبهجة في قلوب الكثير من اللبنانيين الذين يعيشون معاناة ما بعدها معاناة على كافة الأصعدة .
في عيد الأضحى لنا امثولة في لبنان يجب أن نأخذها عبرة لنا مما يحدث في بلدنا الشقيق العراق حيث الكراهية والبغض تفجر حتى في دور العبادة مسيحية كانت أو إسلامية اجساد المؤمنين، ونحن نخاف اليوم في لبنان ان تصل النار إلى هذا البلد الحبيب فتحرق الأخضر واليابس•
وبهذه المناسبة المباركة نتوجه بأحر التمنيات والتهاني في عيد الأضحى المبارك إلى جميع المسلمين في جميع اقطار العالم وبصورة خاصة إلى مسلمي لبنان وإلى أهلنا في القدس الشريف ليظلوا في أرض فلسطين الجريحة ليظلوا قدوة لجميع الناس في التضحية من أجل بناء الأوطان وليس من أجل هدفها•
الأستاذ بجامعة الأزهر الدكتور عبد الله النجار
في يوم العيد يفرح الناس. ويحق لهم أن يفرحوا بما أصابهم وأصاب أمتهم من فضل الله ورحمته ورضوانه. إن منظر الحجيج وهم على صعيد واحد في عرفات.
ثم وهم ينتقلون كتلة بشرية واحدة إلى مزدلفة ومنى ملبين لله رب العالمين. ثم مكبرين بعد أن ينحروا ويحلقوا عقب الانتهاء من رمي جمرة العقبة الكبرى.
ويضيف "هذا التحرك الإسلامي الحاشد الذي يتدافع المسلمون فيه كسيل عرمرم مجردا من كل مظاهر الدنيا ومسلحا بكل ما يقربه من ربه سبحانه. يزعج أعداء الإسلام ويزيد من حنقهم عليه مع انه يجب ان يكون مسببا لإعجابهم ومدخلا يقربهم من الإسلام والمسلمين إن لم يكن على سبيل الحب والمودة. فعلى سبيل التقدير والإعجاب. ذلك إن المسلمين وإن كانوا قد فرطوا في كثير من مظاهر الدنيا والأخذ بأسباب العلم والقوة فيها، إلا أنهم أبداً لم يفرطوا في ذرة التمسك بأهداب دينهم والاعتصام بحبل الله المتين.
وإذا كان خصومهم في الغرب قد ملكوا زمام القوة وتفوقوا عليهم في امتلاك الحضارة المعاصرة. إلا إن ما تمسكوا به وتفوقوا فيه على المسلمين لا يكاد يبلغ مقام ذلك المظهر الإسلامي الحاشد الذي يجتمع فيه المسلمون على قلب رجل واحد والذي يمكن أن يوجههم يوما ما إلى تلك المقومات المادية. والتفوق العلمي فيأخذوه من أيدي خصومهم، ويجمعوا بذلك التفوق العلمي عليهم بين خيري الدنيا والدين وفقا لما يأمرهم به دينهم الحنيف حين قال حكاية عن حال من ينشدون تلك الغاية الجليلة نصحا لمن تناسوها "وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك. ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين" ولا يعني ذلك أن المسلمين يتعين عليهم أن يقفوا في التمسك بأمور دينهم عند حدود ذلك التجمع الديني الحاشد مع إهمال أمور الدنيا وهجر أسباب العلم بل عليهم أن يحرصوا على الأمرين.
إن فرحة المسلمين بعيد الأضحى تمثل فرحا بفضل الله الذي يشمل الأمة كلها. فلا تقتصر على طائفة منها أو فرد من أفرادها ولكنه يشمل الفرد والمجتمع الإسلامي بأسره، الذين ذهبوا إلى الديار المقدسة والذين لم يذهبوا إلى تلك الديار ولهذا كان ذلك الفرح تطبيقا أمينا لقول الله تعالى: "قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون" إن الأفراد يفرحون مع أنفسهم ومع أهليهم في بيوتهم وشوارعهم ومدنهم ويعبرون عن ذلك الفرح بمظاهره التي شرعها الله لهم كذبح الأضحية من أهل الأسرة وخروج أهل الشوارع والأحياء إلى المساجد أو مصلى العيد مهللين مكبرين حامدين شاكرين لله رب العالمين فإذا ما فرغوا من صلاتهم نحروا أضحيتهم واخذوا في توزيعها أثلاثا احدهم للفقراء والثاني للمعارف والأصدقاء والثالث للأهل والأقرباء ويستمر التكبير عقب كل صلاة حتى عصر آخر أيام التشريق وهو ثالث أيام العيد أو رابعه علي الأرجح. وفي يوم العيد يتبادلون التهاني وينتظرون أولئك الذين سيفدون عليهم من ديار الحج انقيا مغفورا لهم حتى غدت صفحتهم بيضاء كيوم ولدتهم أمهاتهم. اما الحجاج أنفسهم فهم في مصنع الفرح لأنهم ينتقلون من منسك إلى منسك في هذا اليوم وليس لهم من شاغل سوي طاعة الله سبحانه ان يوم العيد هو يوم الفرح للجميع.
المفكر الإسلامي الدكتور محمد سليم العوا
أن عيد الأضحى فرصة مواتية لتأكيد وحدة المسلمين والتخلص من الطائفية الممقوتة فكلنا نحتفل بالعيد في يوم واحد وكلنا يؤدي نفس الشعائر من صلاة وهدي ومن هنا تأتي أهمية تعميق الشعور بأننا أمة واحدة وجسد واحد فهذا من أهم الدروس العظيمة من وراء الحج وعيد الأضحى، فربنا واحد، ورسولنا صلى الله عليه وأله وسلم واحد وكتابنا واحد وقبلتنا واحدة، وهدفنا واحد ألا وهو رضا الله عز وجل ودخول جنته، هذه المعاني يعرفها الجميع من الناحية النظرية، لكن يأتي الحج كل عام ليؤكدها ويرسخها من الناحية العملية. فتزداد تبعًا لذلك الشعور بالمسؤولية تجاه الأمة، وتجاه أبنائها ومقدساتها فالحج يفرض التعارف الذي ينبغي أن يتم بين المسلمين، ويعمق معنى الإخوة الإسلامية وترابط الأمة، كما أن عيد الأضحى فرصة عظيمة للدعوة وتصحيح المفاهيم الخاطئة عند المسلمين"..