هل تنهار الدول العربية كديكتاتوريات شرق أوروبا عام 1989؟
بقلم: د.علي الحمادي*
بعد ثلاثين سنة عجافًا يوشك نظام مبارك القمعي والمفلس على النهاية، كي يلحق بأخيه الأصغر "بن علي"، ويترك رسائل لمن بعده: لا طاقة لنا اليوم بالشعب ويقظته!
شارک :
وكالة أنباء التقریب (تنا) هذا السؤال طرحته كثير من الصحف الغربية، ومنها الصحيفة الأمريكية "ذا غلوب أند ميل"، وقالت إن الحشود الكثيرة التي تتضاعف من عدة مئات إلى الآلاف متحدية الحظر؛ انتابها إحساس مفاجئ بأن النظام الحديدي هش كورقة المحارم، والجنود على متن الدبابات ممزقون بين دعم الحكومة والمتظاهرين، وهذه هي ذات المشاعر التي سادت عام ۱۹۸۹.
فالدول العربية في الشرق الأوسط وشمال إفريقية على وشك خوض ذات التجربة التي خبرتها دول وسط وشرقي أوروبا في ۱۹۸۹، بمظاهرات تصاعدت سريعاً أدت لسقوط أنظمة وقادة وجدوا أنفسهم قد جُرِّدوا من كل شرعية في مواجهة حشود مواطنيهم الساخطة.
فبعد ثلاثين سنة عجافًا يوشك نظام مبارك القمعي والمفلس على النهاية، كي يلحق بأخيه الأصغر "بن علي"، ويترك رسائل لمن بعده: لا طاقة لنا اليوم بالشعب ويقظته!
مطلب مصر كلها اليوم أن يرحل هذا النظام عنها، بعد أن أذاق مصر ما أذاقها من الجوع والبطالة والخزي والعار، وبعد أن تراجع بها من مقدمة الأمة العربية إلى ذيلها، وبعد أن باع ثرواتها وخيراتها إلى أعدائها من الصهاينة اليهود والأمريكان، وبعد أن طغى هذا النظام وتجبر وخنق حرية شعبه، وامتهن كرامته، وابتز أمواله وسخرها لمصالحه الخاصة ومصالح من حوله، وظلم القاصي والداني من أبناء شعب مصر المغلوب على أمره، ومن المعروف أن ظلم الحكام أسوأ أنواع الظلم وأشدّها نُكرًا، وأبلغها ضررًا في كيان الأمة ومقدراتها.
لقد غيرت أيام الغضب السابقة –بداية من يوم ۲5 يناير وحتى اليوم- في شوارع القاهرة والإسكندرية والسويس وفي كل محافظات مصر، نظرة مصر إلى نفسها، فبعد أن كان المصريون يرددون على مدى سنوات طويلة أن هذا مستحيل، وأن النظام قوي جدًا، وأن الناس خائفون، وأن أجهزة الأمن قاسية وقمعية، وأن وظيفتها حماية الفرعون وإرهاب الشعب، إذا بهم اليوم يخرجون أفرادًا وجماعات، وأحزابًا ومؤسسات بعد أن رأوا بعيني رأسهم أنه لا يوجد مستحيل أمام الشعوب الثائرة.
نعم؛ تغير الشعب المصري تغيرًا كبيرًا، فاستبدل الشجاعة بالخوف، والكرامة بالذل، والإيجابية بالسلبية، والنظام بالفوضى، والإقدام بالإحجام، والتضحية بالبخل، وهو ما رأيته بعيني رأسي على شاشة الجزيرة، عندما تحدث أحد المواطنين -وكان قد فقد ابنًا له خلال الأيام الماضية- قائلاً: إن لي ثلاثة أبناء ذهب أحدهم شهيدًا، وسأقدم الاثنين الآخرين ليستشهدوا كي يرحل عنا هذا النظام!
المطلوب من الشعب المصري اليوم أن يواصل مسيرته، وأن يصبر على ما يصيبه من لأواء، فالنصر صبر ساعة، وعليه أن يتكاتف ويتعاضد ويتعاون فيما بين طوائفه كلها، وكذلك على الأحزاب أن تنسى خلافاتها الفرعية، وتظل مستمسكة بمبدأ المقاومة (مقاومة هذا الطغيان) حتى يزول عنها، وقبل هذا كله على هذا الشعب العظيم أن يحسن صلته بالله تعالى، وأن يكثر من الدعاء على الظالمين والجبارين، وأن يصبروا ويصابروا ويرابطوا وليترقبوا بعد ذلك ساعة النصر وما هي منهم ببعيد.
أخي أنت حر وراء السدود أخي أنت حـر بتلك القيـود إذا كنت بالله مسـتعصــمًا فماذا يضـيرك كيـد العبيـد؟ أخي ستبيد جيوش الظلام ويشرق في الكون فجر جديد فأطلق لروحك إشـراقـــــها ترى الفجر يرمقنا من بعيـد
* رئيس قناة حياتنا الفضائية ورئيس مركز التفكير الإبداعي