لماذا تسعى بعض الدول العربية خاصة تلك التي دعمت الارهاب في كل من العراق وسوريا وبهذه السرعة لاستئناف علاقاتها مع البلدين ، مع ان الازمة لا زالت مستمرة في سوريا ومواقف البلدين لم تتغير تجاه اهم القضايا الاقليمية ؟
شارک :
بقلم : محمد إبراهيم رياضي
تشهد العاصمتين ، دمشق وبغداد ، في هذه الايام زيارات وفود عربية وافريقية لاستعادة العلاقات سورياً واعمار ما دمره الارهاب ، وتوثيق العلاقات عراقياً ودعمه لتقوية بنينته الاقتصادية .
والمهم في هذا الامر هو ان عودة العلاقات العربية مع دمشق تشير الى ان المراهنة على التدخل الخارجي لاسقاط النظام باءت بالفشل ، ولكن الاستمرار بقطع العلاقات يشي بازمة تعيشها الدول العربية مع نفسها .
الدول العربية التي تآمرت ضد سوريا ادركت ان مشروعها في تغيير النظام في دمشق ، وتفتيت الدولة السورية ، فی اطار مخطط امريكي قد فشل ، وان سوريا الجديدة القوية تخرج بشكل متسارع من بين انقاض المؤامرة اكثر صلابة لتستعيد دورها العربي الاقليمي .
السؤال الذي يطرح نفسه في هذه الظروف هو هل ان هذا الحراك حقيقي نابع من نوايا الوفاق وعودة البلدين الى الحضن العربي ؟ ام تكتيك في تغيير قواعد اللعبة لاستمرار زعزعة امن البلدين الى ان يواكبا القطار العربي الامريكي والتطبيعي ؟
اليوم قد علم القاصي والداني وباعتراف كثير من الشخصيات العراقية والسورية والاعلام الغربي ان الداعم الرئيسي للجماعات الارهابية ، من تمويل وتسليح ودعم اعلامي ، هم كثير من هذه الدول العربية التي ابدت استعدادها لاستئناف علاقتها مع سوريا والعراق وعلى رأسها السعودية والامارات . والهدف واضح اثارة حروب مذهبية اولاً ومن ثم تقسيم هذين البلدين ثانياً وتدمير بناهما التحتيتة ثالثاً لتحميلهما نزيف اقتصادي .
ومن ابرز الشخصيات السياسية التي كشفت تورط النظام السعودي في دعمه للارهابيين وخاصة الانتحاريين اللذين توغلوا الى العراق هو حيدر العبادي ، رئيس الوزراء العراقي السابق ، الذي كشف في اكتوبر 2016 بان السلطات السعودية وفي عام 2007 اعترفت بانه خمسة الاف مفخخ سعودي قاموا بعمليات إنتحارية في العراق ومنذ 2004 .
وفي نفس العام نشرت صحيفة التلغراف البريطانية تقريراً حول الوهابية السعودية وعلاقتها بنشر الإرهاب في مختلف دول العالم، مؤكدةً أن هذا الفكر المتشدد استطاعت أيديولوجيته أن تغزو عدداً من البلدان في العالم.
وأوضحت "الديلي تلغراف" أن الوهابية أصبحت مؤثرة على نحو متزايد في بعض البلدان، وذلك بسبب المال السعودي من ناحية، والتأثير المركزي السعودي نظرا لتواجد مكة المكرمة بها من ناحية أخرى.
التطور الذي حصل في المنطقة بعد سقوط صدام هو تقوية وتعزيز محور المقاومة والذي يحظى بدعم اساسي من الجمهورية الاسلامية الايرانية لان دعم هذا المحور يعتبر من ثوابت الثورة الاسلامية و الذي يبدء من ايران ويمر بالعراق وسوريا والى لبنان وفلسطين وخاصة قطاع غزة حيث تحول الى محور في مواجهة محور ما يسمى بالاعتدال العربي المواكب للمصالح الامريكية في المنطقة والمعادي لفصائل المقاومة اللبنانية والفلسطينية .
هذا المحور وبسبب المشتركات الدينية والثقافية وكذلك تطابق المواقف السياسية فيما بينها تجاه القضايا الاقليمية والدولية وخاصة القضية الفلسطينية ومكافحة المشروع التكفيري الارهابي والملف النووي الايراني ومخالفته لوجود قوات اجنبية في المنطقة ، تحول هذا المحور فيما بعد الى تحالف قوي يزعج القوى الكبرى الغربية والكيان المحتل وعملائهم في المنطقة .
ليس هناك ادنى شك ان ايران لها الدور الاساسي والفاعل في بناء وتعزيز هذا المحور ودورها القوي في مواجهة مخططات المثلث الامريكي – السعودي – الصهيوني في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين حيث تحولت الى قوة اقليمية يعترف بها ويحسب لها الف حساب حيث تحولت الى لاعب رئيسي في تسوية ازمات المنطقة .
ومن هنا نستطيع ان نكشف الهدف المضمور من وراء تدمير هذين البلدين الا وهو تغيير موازين القوى في هذه المنطقة لصالح المحور الامريكي العربي الصهيوني واضعاف حلفاء ايران الداعم الرئيسي لمحور المقاومة والممانعة ومن ثم تحشيد عربي واسلامي ضد طهران لارغامها للتنازل عن سياساتها الاقليمية .
الازمة السورية او بالاحرى الحرب التي فرضت على هذا البلد كشفت النوايا الحقيقية للدول الداعمة للجماعات الارهابية هناك ، فهذا الرئيس السوري بشار الاسد وخلال مقابلة له في اكتوبر عام 2016 مع صحيفة "كومسومولسكايا برافدا" الروسية قال ، إن المملكة العربية السعودية عرضت عليه المساعدة مقابل الابتعاد عن إيران مقابل المساعدة فيما تشهده سوريا، وذلك دون مبرر فقط لأنهم يكرهوا إيران.
وفي حوار اخر مع صحيفة "الوطن" السورية ديسمبر 2016 قال الاسد أنه كانت هناك "وساطة روسية مع السعودية منذ نحو عام ونصف،" لكنها فشلت لأن "السعودية لديها هدف واحد أن تقوم سوريا بالوقوف ضد إيران ولا نعرف لماذا يجب علينا أن نقف ضد إيران لكي ترضى السعودية" .
وفي نفس السياق هو ما كشفه القائد في الحرس الثوري اللواء قاسم سليماني قائد فيلق القدس خلال كلمة له في طهران اكتوبر 2016 حول الوساطة الروسية بين الرياض ودمشق بعد اربعة اعوام من اندلاع الحرب الكونية على سوريا ، حضره كل من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وشخصية سورية الذي طلب من بن سلمان التعاون مع سوريا للقضاء على الجماعات الارهابية في بلده امثال النصرة وداعش فكان رد بن سلمان ان هذه المشكلة يمكن حلها وان داعش سينتهي يوما وانما مشكلتنا مع سوريا هو علاقتها مع الجمهورية الاسلامية واذا ابتعدت عن ايران فان الازمة السورية ستنتهي .
وفي حديث للنائب اللبناني مع قناة "الميادين"، قال الموسوي: "حمل مندوب سعودي من ولي العهد محمد بن سلمان إلى الرئيس الأسد عرضا واضحا، ينص على أن يبقى الأسد رئيسا مدى الحياة ولا نريد إصلاحات سياسية ودستورية في سوريا". وتابع: "كما تتعهد السعودية بإعادة إعمار سوريا كلها، لكن مقابل ذلك يتوجب على الأسد قطع العلاقات نهائيا مع كل من حزب الله اللبناني وإيران".
ونفس هذا الموقف العدائي السعودي من ايران تكرر مع العراق حين قررت الحكومة العراقية في عهد الملك عبد الله استئناف العلاقات بين البلدين حينها طلبت السعودية من الكتل السياسية الموالية لها انها الحكم الشيعي هناك وقطع العلاقات مع ايران . وهذا ما كشفه فيما بعد احد مرافقي طارق الهاشمي المطلوب قضائيا والذي كان يتولى منصب نائب الرئيس العراقي انذاك .
واخيرا ما نقلته صحيفة الديار اللبنانية في الايام الماضية ، بانة هناك وساطة مصرية اماراتية لاعادة العلاقة بين السعودية وسوريا والسعودية تشترط انسحاب الايرانيـين وحزب الله من سوريا .
صحيفة "نيويورك تايمز" بدورها قالت إنه مع انتهاء جولة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في الشرق الأوسط تحت ادعاء مواجهة "النفوذ الإيراني" في المنطقة، لا يبدو أنه حقق أي تقدم ملحوظ، فالعقبات التي برزت أمامه تعيق عملية بناء تحالف ضد إيران.
وتضيف الصحيفة الأمريكية، أنه "من الناحية العملية، سيكون من الصعب على الدول العربية العمل بشكل وثيق معاً ضد ايران بسبب تعقد العلاقات في المنطقة، كما يرى العديد من المحللين والمسؤولين".
جولة بومبيو طمأنة حلفاء امريكا بانها ماضية في عدوانها ولم تغير تحالفاتها ولكن هناك سياسات اخرى، وعلى الجميع اتباعها، وكانت عناوين السياسات هي، باختصار، العداء لايران والمقاومة، وتشجيع التحالف والتطبيع مع العدو الصهيوني.
اذن هل غيّرت كل من العراق وسوريا شيئ من توجهاتها السياسية تجاه ايران ؟ هل قرر هذان البلدان تقليص علاقتهما او قطعه مع الجمهورية الاسلامية وفصائل المقاومة وعلى رأسها حزب الله لكي تقرر الدول العربية وفي مقدمتهم السعودي على استئناف العلاقات مع سوريا والعراق ؟
هل قرر كل من العراق وسوريا التحرك وفقا للسياسة الامريكية السعودية في المنطقة والتخلي عن التعاون مع ايران ؟
الواقع وبعد القضاء على المشروع التكفيري بزعامة داعش في كل من العراق وسوريا يكشف عكس ذلك فالعلاقات الايرانية العراقية السورية لم يطرئ عليها اي تغيير بل تعززت اكثر من ذي قبل وهذا الرئيس السوري اعلنها اكثر من مرة بان سوريا لن تتخلى عن ايران لانها الدولة الوحيدة في المنطقة وظفت كل امكانتها للدفاع عن سوريا في حربها ضد الارهاب .
العراق كذلك في طريقه لتعزيز وتوثيق علاقاته الاقتصادية والتجارية مع الجمهورية الاسلامية وزيارة وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف التي تعد اطول زيارة لبلد خارجي حسب تصريحه تكشف هذا الواقع .
اذن نستطيع ان نستنتج من كل ما ذكرناه ان الهدف الواقعي والنوايا المضمورة وراء رغبة الدول العربية خاصة تلك التي دعمت الارهاب في كل من العراق وسوريا ولا زالت تتخذ مواقف عدائية تجاه ايران ، لاستئناف علاقاتها مع العراق وسوريا هو تحجيم الدور الايراني في هذين البلدين من خلال مشاركتهم في اعادة الاعمار والاستثمار في المجالات الصناعية والخدمية لتحسين الوضع المعيشي للمواطن هناك وتلميع صورتهم المشوهة وتشويه صورة ايران اعلامية عن طريق اثارة النعرات الطائفية والعنصرية العربية مرة اخرى ولكن دون جدوى .