غطيتُ بضع قمم عربية واسلامية ، كصحفي ، والقمة العربية الاخيرة في سرت ، كانت مختلفة :لأنها كانت اول مرة ازور فيها ليبيا ، ولأنها ايضا اماطت اللثام عن جانب من اسرار شخصية القذافي.
بين طرابلس وسرت ، امضينا اسبوعاً شاقاً وصعباً ، والقصص والحكايات التي لم ترو كثيرة. من حكايات قمة سرت ماهو مهم ، وماهوعادي ، حتى يعرف العرب ماذا يفعل الزعماء في قممهم ، وفي قيام ليلهم ، وساعات نهارهم؟،.
في سرت غضب رئيس سلطة اوسلو محمود عباس وغادر الى المطار ، والقذافي الذي ذهل من الشجاعة المفاجئة، ارسل رجاله الاشاوس ، وانزل عباس من الطائرة تحت وطأة التهديد والقوة الجبرية، فنزل الرئيس منصاعاً للعقيد وعاد الى القمة العربية، بسطوة رجال الأمن الليبي.
القذافي اهان رئيس دولة عربية آخر، علناً ، لان القذافي أراد إكرام رئيس دولة عربية، بعشاء منفرد، وحين سأله عما يريد على العشاء قال له مادمنا في منطقة بحرية فالسمك هو المفضل، فجن جنون القذافي، واعتبر ان هذه اهانة.
اهانة. لأن الإكرام عند الليبيين يكون باللحم، أما السمك فهو اهانة للضيف، وحين اصر رئيس الدولة العربية على السمك، تراشق الزعيمان بكلام حاد، واجبر القذافي رئيس الدولة الآخر على الانتظار حتى يتم نحر جمل وسلقه لساعات طويلة، آكلا اللحم باليد.
تمضي اعمال القمم العربية، في صراع حول الفروقات بين اللحم والسمك، وفي حالات اخرى الفروقات بين بيض السمك وبيض الدجاج، فيما الشعوب جالسة بانتظار فرج الله. في القمة ذاتها توسط زعيم خليجي عند القذافي للافراج عن اكاديمي لبناني معروف يحمل الجنسية الكندية، تم سجنه اربعين يوماً، لمجرد انه قال للقذافي في لقاء مغلق ان هناك اخطاءً لغوية ونحوية في نصوص الكتاب الأخضر ، والأكاديمي يحمل دكتوراه في اللغة العربية.
القذافي حين سمع الكلام ارسل الأكاديمي الى السجن، وكل يوم يطلب منه تصحيح الكتاب الاخضر، فينهي الاكاديمي مهمته في ذات اليوم، فيطلب منه القذافي اعادة التصحيح، تحت وطأة الركلات، وكان ان خرج الاكاديمي ، لاعناً سيبويه واليوم الذي اكتشف فيه الاخطاء، وغادر ليبيا، مستغفراً لذنبه، برفقة الزعيم الخليجي.
من حكايات القذافي في القمة "المشادة" التي بقيت سراً بينه وبين رئيس دولة عربية، لسبب شخصي، اذ مازح القذافي رئيس الدولة بأنه سمين وبحاجة الى (ريجيم) وان وزنه دليل على انه يسرق شعبه، فرد عليه الاخر، بأنه يسرق لكنه يطعم غيره، وان القذافي يبلع ولايطعم غيره.
القذافي خلال المشادة قال انظر الى الرئيس الفلاني، بات نحيفاً، وعلى مايبدو انه يأكل على حسابه، وليس على حساب غيره. حين تحركت الطائرة من سرت الى طرابلس، دبت الفوضى في المطار، فالاعلاميون العرب عددهم اكثر من عدد مقاعد الطائرة، ما اضطر المخابرات الليبية ان تصعد الى الطائرة بطريقة هستيرية، وتطرد بعنف وبقسوة كل ليبي في الطائرة، من اجل جلوس العرب، والليبي لايجرؤ ان يفتح فمه، برغم انه اشترى تذكرة من سرت الى طرابلس.
قصة القذافي ليست قصة اليوم، ومن خطايا الإعلام العربي، الجرأة المتأخرة، حين لا نفتح الملفات المحرمة الا في التوقيت الآمن، وقد كان الاولى ان نقف مطولا عند ذعر الشعب الليبي وشكواه ونجواه وأنينه طوال سنوات مضت. ثم يخرج ليقول لنا غاضباً..زنقة زنقة.