تاريخ النشر2011 2 May ساعة 19:59
رقم : 48109

سورية الجديدة وآفاق الحرية، قراءة من الأفق الإسلامي

وکالة انباء التقریب (تنا) – دمشق 1/5/2011
کتب عالم الدین السوری "محمد الحبش" مقال تحت عنوان "سورية الجديدة وآفاق الحرية، قراءة من الأفق الإسلامي".
سورية الجديدة وآفاق الحرية، قراءة من الأفق الإسلامي
واضاف، أعلنت سورية رسمياً فتح باب الحريات في العمل السياسي والاجتماعي، وصدرت المراسيم الجديدة حول رفع حالة الطوارئ وإلغاء المحاكم الاستثنائية وتعزيز سلطة القضاء، وإنهاء التوقيف العرفي، والشروع في قانون الأحزاب، وهي إجراءات كبيرة كافية لتمنحنا القناعة بأننا على وشك الدخول بالفعل في عالم سورية الجديدة.‏
والسؤال الآن إلى أي مدى يقر الإسلام مطالب الناس في الحرية؟‏
يتناول كثير من الكتاب والباحثين المقارنة بين الفلسفة الإسلامية والفلسفة الليبرالية في مسألة الحرية على سبيل من التناقض، على أساس أن الإسلام لا يقر بمرجعية أخرى غير النص، وأنه ماض في سياق رسالته على هدي ما أنزل الله وليس على أساس رغائب الناس وحرياتهم: وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، وأن الدين اتباع لا ابتداع، وأن كل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف وأن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.‏
وهكذا فقد انتبذ تاريخياً كل من دعاة الحرية ودعاة الدين على شقاق، وقال الأول للآخر أنتم تكرسون سلطة الكهنوت على رقاب الناس، وقال الآخر للأول أنتم تشرعون للإباحية والانفلات والفوضى.‏
وكان من أعجب ما قرأت في هذا السبيل كتاباً للكاتب السوري الشيخ الجليل عبد الرحمن حبنكة في كتابه كواشف زيوف في المذاهب الفكرية المعاصرة يتحدث فيه بصراحة عن التناقض التام بين قيم الحرية وقيم الإسلام، على أساس أن الاعتراف بالحرية يتناقض جوهرياً مع قيم الإسلام الذي هو التزام تام بما أنزل الله تعالى لا دور فيه للإنسان إلا الاتباع والطاعة.‏
والحقيقة أنني لم أجد مبرراً لهذه الحساسية المفترضة بين الموقف الديني في الالتزام وبين آمال الناس في الحرية والكرامة، فقد بدأ الإسلام إطلاق صيحة الحرية من خلال المواجهة المباشرة التي خاضها ضد الأصنام، ولم تكن مواجهته ضد الأصنام إلا نضالاً عظيماً من أجل الحرية، فالاستعباد الذي فرض نفسه على حياة العرب القديم، أدى إلى تعطيل طاقاته وقدراته بالكامل، وتوالى إلى جانب الاستبداد السياسي استبداد فكري ومعرفي، وتم فرض قيود من الوثنية على خيارات الإنسان وتحركاته وآماله.‏
مع أن الحديث عن محاربة الوثنية وتحريم عبادة الأصنام هو في الغالب شأن ديني، ولكنني لا أستطيع فصله عن سياقه النضالي كفاحاً في سبيل الحرية، حيث لم تكن تلك الأصنام إلا أدوات يستعملها المستبد في استرقاق العقل الإنساني، وراء كل صنم كان هناك سادن خاوي الروح مفتوح الجيب، يقوم بالتحدث نيابة عن الرب، ويصف للبائسين الحالمين بالغيب ما يتيسر من عقاقير الوهم، وما يكفي لفتح جيوبهم على مصارعها، واستباحة ما تبقى فيها من مال وأحياناً من عرض ونخوة، بل إن هذا السادن كان يمتلك إلى جانب مفاتيح الكعبة قرار الحرب والسلم، يشنه على المخالفين باسم الآلهة، ويستنفر أحابيش الناس ودهماءهم إلى الحروب باسم الآلهة وهي كليلة بكماء صماء، لا تملك لنفسها ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً.‏
كان العربي إذا هم بأمر يتوجه إلى الأزلام المائتة، فيستقسم بها، أو إلى طائر أبله فيرشقه بحجر، فإن طار صوب اليمن تيامن وإن طار صوب الشام تشاءم، ولا شك أنه لا يوجد انحطاط في رسالة العقل وحرية الإنسان وكرامته أسوأ من هذا.‏
لذلك كانت رسالة الشريعة واضحة في هذا السياق، فلا بد من الحرب على الوثنية الجاهلية إن أردنا إعادة الاعتبار للعقل والحرية، وبالفعل فقد أعلن النبي الكريم ثورته ضد الوثنية بدون هوادة، وفي هذا الجانب لم يقم أي شكل من التصالح مع الأصنام، وهو ما قصده إقبال بقوله:‏
ليس السجود تهدل الكتفين من طول القعود‏
ما كان أغنى عن سجود آخر فهو السجود‏
وحين أعلن رسالته في هدم الأوثان الزائفة أقبل عليه العبيد، بعد أن تسامعوا برحيق الحرية الذي يتنسم من معطفيه، وحين كانوا يأنسون لرسالته في دار الأرقم بن أبي الأرقم كان دهاقنة مكة يغلون بالغيظ، فالرجل رسول حرية، واللحظة لحظة الكفاح الإنساني للوصول إلى شاطئ الحرية الكبير، من خلال الحرية الموعودة والآمال الكبار التي تعلق بها الفقراء والعبيد، وهو كفاح لخصته آية قرآنية كريمة تحت عنوان: في سبيل الله والمستضعفين في الأرض.‏
وخلال أعوام قليلة من الكفاح تبدل شكل جزيرة العرب، وبدلاً من السيد المخزومي والشريف القرشي وسراة بني عبد مناف ووجوه معد يكرب ظهرت أسماء جديدة في سماء الكرامة العربية ليس لها أنساب عريضة ولا ماض مجيد ولا ثروات طائلة ولا دم أزرق، وصعد على سطح الكعبة بلال العبد اللاجئ من الحبشة، وسلمان الفارسي وصهيب الرومي، ونال الناس الحرية، وصادر العبد القن شريكاً في صناعة بلده وبناء المستقبل.‏
وأسس النبي الكريم رسالته في الخلاص من الرق على أساس من الحكمة والبصيرة، فهو أمام خزان تاريخي من الرق، مستمر منذ عشرات القرون، وكانت حربه على العبودية تتلخص في قاعدة واضحة: وهي تضييق المدخل وتوسيع المخرج، فضيق مدخل الاسترقاق حين منع النخاسة وبيع الحر واسترقاق المدين وبيع الولد واعتبر كل لون من سلب الإنسان حريته حراماً وإثماً وفجوراً.‏
وقناعتي أنه أغلق بإحكام كل منافذ الاسترقاق ونزلت في هذا المعنى آية قرآنية كريمة تحد من صلاحيات الحاكم في التعاطي مع الأسرى بين واحد من خيارين لا ثاني لهما: (فإما مناً بعهد وإما فداء) وهذا من وجهة نظري نص في تحريم استرقاق الأسرى وفي تحريم قتل الأسير، وهو للأسف ما مارسه قادة الحروب قروناً مريرة حتى أنجزت الأمم المتحضرة خلال القرن الماضي معاهدة جنيف لحماية أسرى الحروب.‏
وقبل إغلاق باب الاسترقاق كان قد أمر أولاً بالإحسان إلى العبيد، ثم دعا إلى الإعتاق الطوعي واعتبره من أعظم القربات إلى الله.‏
ثم شرع الإعتاق عند كل مخالفة شرعية فالإعتاق كفارة اليمين حين يحنث بها الحانث، والإعتاق كفارة الظهار وكفارة الإفطار في رمضان وكفارة التورط في قتل خطأ وعشرات المخالفات الشرعية يتم جبرها بالإعتاق، وهكذا فقد وجد الرقيق سبيلاً للخلاص كل يوم، ثم وضع أنظمة دقيقة للإعتاق فألزم السيد بمكاتبة العبد المحترف للخلاص من الرق، فشرع نظام المكاتبة ونظام التدبير ونظام أم الولد، وهذه الإصلاحات أدت في النهاية إلى تفريغ خزان الرق الذي كان قبل الإسلام حاشداً مكتظاً.‏
ومن لطائف سعي الإسلام إلى الحرية أنك لا تجد في أي من كتب الفقه الإسلامي باباً للاسترقاق، أبداً، بل تجد دوماً باباً للعتق، وهو مظهر تشوف الإسلام للحرية والكرامة.‏
إنها إذن رسالة الحرية التي نادى بها الأنبياء، ومنحت الناس تلك الإطلالة العظيمة على أفق الحرية والكرامة، وهي الكلمة التي قالها عمر بن الخطاب: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً.‏
الآن يتسلم الشعب في سورية حقوقه السياسية، وهو كريم النفس، مدرك أن القدر القاسي من المواجهة مع العدو الصهيوني والمشروع الأمريكي، فرض تأخير هذه الإصلاحات، ولا يمكن أن ننكر أيضاً جانباً من التقصير والروتين والبيروقراطية، ولكن لحظة العطاء قد جاءت، وقالت القيادة كلمتها في هذا السبيل وقيل للناس هذه لحظة الحقيقة وساعة الحرية.‏
إنها محض آمال نقدمها من أفق الرسالة الخاتمة لنطل من خلالها على سورية الجديدة سورية العطاء والحرية والكرامة.‏

تنا – مکتب سوریا

https://taghribnews.com/vdcdnf0o.yt0jz6242y.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز