هاجس المسيّرات الايرانية.. كيف يعيشه الإسرائيليون والأميركيون؟
تنا
من الواضح أن "اسرائيل" اقتنعت بعودة الأميركيين الى الاتفاق النووي. والمحاولات الأخيرة لفريقها العسكري والسياسي لثني ادارة بايدن عن الأمر، ما هي إلا لرفع العتب وكي يقال إن "تل ابيب" لم تستسلم وما زالت تعطي هذه العودة الأميركية للاتفاق أهمية حساسة، تستوجب المتابعة والعمل المشترك لاحقًا لتفادي تداعيات هذه العودة، بما تحمله لناحية إلغاء العقوبات عن ايران، من فرص جديدة لاعادة انعاش الاقتصاد ولتطوير القدرات التقنية والعسكرية والعلمية الايرانية.
شارک :
شارل أبي نادر
من الواضح أن "اسرائيل" اقتنعت بعودة الأميركيين الى الاتفاق النووي. والمحاولات الأخيرة لفريقها العسكري والسياسي لثني ادارة بايدن عن الأمر، ما هي إلا لرفع العتب وكي يقال إن "تل ابيب" لم تستسلم وما زالت تعطي هذه العودة الأميركية للاتفاق أهمية حساسة، تستوجب المتابعة والعمل المشترك لاحقًا لتفادي تداعيات هذه العودة، بما تحمله لناحية إلغاء العقوبات عن ايران، من فرص جديدة لاعادة انعاش الاقتصاد ولتطوير القدرات التقنية والعسكرية والعلمية الايرانية.
يبدو أن هناك هاجسًا آخر، قد لا يكون أقل أهمية وخطورة عن النووي الايراني، أو عن الصواريخ الباليستية الإيرانية، وهو الطائرات المسيرة الايرانية، والتي تقلق ليس فقط "اسرائيل"، بل الأميركيين أيضًا. وما نشرته مؤخرًا صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية "بأن العمل بين الولايات المتحدة و"إسرائيل" مهم لأن تصاعد تهديدات الطائرات المسيّرة الإيرانية يربك شركاء الولايات المتحدة في المنطقة بشكل متزايد"، يؤكد وبتفصيل غير بسيط، أسباب هذا القلق المشترك، لقوتين من الأكثر امتلاكًا للقدرات العسكرية المتطورة في العالم: الولايات المتحدة الأميركية والكيان الإسرائيلي.
فما هي دوافع هذا القلق من المسيرات الايرانية؟ لماذا يستدعي الأمر عملًا مشتركًا ومتواصلًا من الحليفين المذكورين؟ وأين يكمن سر هذه القدرات اللافتة للمسيرات الإيرانية؟
يعتبر خبراء الأسلحة بشكل عام، وخاصة الإسرائيليين والأميركيين، أن التعامل مع طائرة مسيرة من دون طيار كبيرة الجانحين وسريعة الحركة، قد يكون أسهل من التعامل مع أخرى صغيرة الحجم وبطيئة الحركة ومجهزة بقنبلة عادية أو بعبوة ناسفة بدائية، فتقنيات الدفاع الجوي أو مواجهة الطائرات والأجسام الطائرة بشكل عام، قامت بأساسها على القدرات العدوة الأخطر والأكثر تطورًا وسرعة، لما للأخيرة من تأثيرات حساسة ومؤذية في المعركة.
يقول الجنرال ماكنزي قائد القوات المركزية الأميركية، وفي معرض ندوة مخصصة لدراسة خطر المسيرات الايرانية إن "ذراع الطائرات المسيرة الإيرانية كبيرة ومتوسعة وماهرة، فالأخيرة تتمتع بقدرات بعيدة المدى، وقد نجحت في التملص من الرادار السعودي لتضرب "بقيق" في سنة 2019"، على حد زعمه، ويتابع ماكينزي أن أكثر ما يقلق في هذا الإطار، أن المسيرات الصغيرة يمكن شراؤها من متجر عادي، ويتم إلصاق قنبلة يدوية أو قذيفة هاون عليها ثم توجيهها نحو الهدف، بينما المسيرات الأكبر منها، لدينا طرق للتعامل معها لأنها تشبه الطائرات التقليدية، رغم أنها لا تزال مقلقة للغاية".
في الحقيقة، لا يقتصر التهديد الإيراني بالمسيرات على الصغيرة الحجم والبطيئة، والتي أشار اليها ماكينزي، فإيران أزاحت الستار في مناورات أو في بعض العمليات الخاصة الفعلية، عن مسيرات كبيرة الحجم والإمكانيات، وسلاح الجو لديها يعمل منذ عشرات السنوات على تطوير برامج متقدمة لطائرات أو لنماذج متعددة أو متفرعة من "أبابيل" ومن "مهاجر"، كما وقد توصلت ايران الى تطوير نموذج شبيه بالمسيرة الأميركية ار كيو 170، والتي تم الإيقاع بأكثر من واحدة منها فوق مضيق هرمز والمياه الاقليمية الإيرانية.
الأخطر في موضوع المسيّرات الإيرانية، وأكثر ما يستدعي حيطة وحذرًا من الأميركيين وحلفائهم، الغموض الذي يعتري حزمة كبيرة من نماذج هذه المسيرات التي لم يتم الإفصاح عن قدراتها، أو لم تتم المناورة العلنية بها، وهذا الغموض يشكل عنصرًا رئيسًا من عناصر المناورة التي تعتمدها ايران، وباقي أطراف محور المقاومة بطبيعة الحال، وفي مقدمهم حزب الله، حيث تؤكد تجارب المواجهات المتعددة له مع "اسرائيل" وجود هذا العنصر الحساس في المناورة دومًا، من خلال قدرات جديدة كان يظهرها فجأة في بعض المواجهات، أو في تكتيك قتالي غريب وغير مالوف، كان يعتمده في بعضها الآخر، وعالم المسيّرات هو الأوسع من بين هذه القدرات الغامضة التي تقلق العدو.
أمام هذه القدرات الحساسة للمسيرات الايرانية، يعمل الأميركيون وبمشاركة اسرائيلية لمواجهة الموضوع وعلى كافة الصعد، على صعيد لجان متخصصة في الكونغرس الأميركي أو في الكنيست الإسرائيلي، وفي وزارتي الحرب الأميركية والإسرائيلية، إضافة لشركات الأسلحة المتخصصة بمجالات الدفاع الجوي والقبة الحديدية.
في ما يرتبط بالاسرائيليين، طبعًا هذا الخوف والخشية من المسيرات الإيرانية هو بمحله، فالكيان محاصر تقريبًا من أكثر الاتجاهات من قبل أطراف محور المقاومة، وعمقه صغير لدرجة أن أي مسيرة تجاوزت الحدود نحو الداخل الفلسطيني المحتل، تصبح قادرة على التأثير على مجموعة واسعة من الأهداف الحيوية والحساسة، ومع ما هو متعارف عليه في عالم المسيرات وفي عالم الدفاع الجوي، تبقى النسبة الصغيرة من المسيرات التي ستنجح حتمًا في تجاوز منظومات القبة الحديدية أو غيرها، قادرة على تحقيق نتائج أشبه بالكارثية على الأهداف العدوة.
أما في ما يرتبط بالأميركيين، فيبقى هناك خوف مزدوج من خطر المسيرات الايرانية، أولًا الخوف على "اسرائيل" التي تعتبرها مهددة، وقد التزمت واشنطن بحمايتها وتحقيق أمنها، والخوف الثاني والأكثر حساسية، هو خوف الولايات المتحدة الأميركية على وحداتها المتواجدة في عشرات القواعد العسكرية، البحرية والبرية والجوية في المنطقة، والتي تنتشر على مسافات بسيطة بمواجهة الساحل والبر الايراني وفي متناول الطائرات الايرانية المسيرة، القاصفة أو القناصة أو الخاصة بالتصوير والرصد، وتصوير البوارج الأميركية في الخليج الفارسي صورًا مهنية وحساسة ونشرها مؤخرًا، خير دليل على تلك الخشية الأميركية.