انتعشت دعوات القوميين العرب في الخمسينيات من القرن الماضي، بفضل تمكن حركة التحرر العربية من تحقيق الاستقلال عن الاستعمار في بعض البلدان العربية، واستمرار كفاحها في بقية البلدان
شارک :
وكان من أهم دعوات القومية العربية، الدعوة إلى مواجهة الخطر الإسرائيلي، والمشاريع الأميركية والأجنبية في المنطقة، بالإضافة إلى مساندة الحركات المناهضة للاستعمار ومحاولة بناء دولة عربية قوية مستقلة ليس عسكرياً فقط، بل سياسياً واقتصادياً... ولقد واجهت هذه الدعوات عراقيل وصعوبات وممانعات كثيرة لأسباب موضوعية وذاتية.. وربما كانت من أهم المصاعب الذاتية التي واجهتها، تتمثل بأسلوب الخطاب وسطحية المعالجة، التي أصبحت جملاً محفوظة تردد، ومجموعة من الشتائم والتهم تقذف بها كل من الدول أو الأفراد الذين لا ينتظمون في صف القومية العربية التي احتكرت الحقيقة لوحدها دون أن تسمح لأحد بانتقادها بذريعة سمو مبادئها ورفعة أهدافها... فعمدت عبر خطابها إلى تقزيم وتسفيه المواقف الأخرى وتخوينها ـ شراء الضمائر ـ علماً أن الأميركان كانوا وما زالوا يقبضون من العرب أكثر بكثير مما يدفعوه لهم... وكمثال على رؤية القوميين لأنفسهم وللأخر، نقدم اليوم مقالاً من مجلة الجمهور العربي للمحامي ـ عدنان الوفائي ـ الذي يوضح فكرة جوهرية وهي المصالح الأميركية في المنطقة، وكيف أن الشعوب العربية تقف ضد هذه المصالح ـ الأطماع ـ الأميركية، وستواجهها عاجلاً أم آجلاً... لكنه لا يخدم فكرته عبر الأدلة والبيانات والتحليل، وإنما يسعى لتسويق الفكرة عبر التبسيط واللعب على المشاعر والوعظ الأخلاقي... هذه الأساليب التي ربما ساهمت بالإساءة إلى الأفكار القومية أكثر مما ساعدتها على الانتشار والقبول.. *الجمهور العربي حزيران ۱۹۵۷ " غريب أمر هذا البلد الذي لا يريد أن يتركنا وشأننا ويأبى إلا أن يكون الولي والوصي علينا باعتبارنا في نظره من الدول القاصرة التي تحتاج إلى ولاية ووصاية؟ وأغرب من ذلك أن حكامه أطفال في السياسة ساذجون في معرفة أخلاق الشعوب وأمانيها وجل ما يعرفونه أن المال وحده كاف لشراء الضمائر ... وفاتهم أن الشعوب لا يمكن أن تشرى مهما بلغت ثروة الدول المشترية والمثل لا يمكن لها أن تباع مهما غلا الثمن وبهظ المال.. فالدولار قد تشتري به أميركا بعضاً من المأجورين ذوي النفوس المريضة والقوة قد تخيف بها الجبناء الرعاديد الذين يخافون لأنهم فطروا على الفرار والهزيمة ولم يتعودوا مقارعة الاستعمار ومصارعة الطواغيت.. وأميركا بالرغم من أنها استطاعت شراء عدد كبير من حكام البلاد العربية إلا أنها لم تستطع شراء جماهير الشعب العربي وما زالت تقوم بكل ما من شأنه أن يبعد الثقة بينها وبين الشعوب ويزيد كراهية هذه الشعوب لحكامها المارقين الذين ارتضوا بيع أنفسهم بثمن بخس لدولة استعمارية ناشئة ظناً منهم أن هذه القيود الاستعمارية التي يسمونها بالمعاهدات والأحلاف والمبادئ ملزمة لشعوبهم باعتبارهم وقعوا عليها بصفتهم ممثلين لهذه الشعوب. وقد تجاهل هؤلاء الحكام أن من أبسط المبادئ التي يدين بها الشعب في كافة أقطاره المبدأ القائل بعدم الاعتراف بجميع الوثائق والمعاهدات التي أبرمت أو سوف تبرم باسم الشعب العربي ما لم تكن منبثقة عنه وصادرة من إرادته. وهذه الحفنة من الحكام الذين ساروا في ركاب الأميركان ازدادت وجوههم سواداً يوم أعلنت أميركا أن خليج العقبة ممر دولي وأنه يجب على الدول العربية المحيطة بهذا الممر المائي السماح لكافة السفن المرور الهادئ فيه وأنها أي أميركا سوف تحمي هذه الحرية لسفن كافة الدول بما فيها اسرائيل طبعاً وبذلك تصفع أميركا العابثة حلفاءها وتلطم أنصارها الذين مدوا أيديهم للتعاون معها وتقلل من قيمتهم أمام شعوبهم فتفهم هذه الشعوب أن هؤلاء الحكام الذين يسمون بالملوك والرؤساء ما هم إلا دمى تتلاعب بهم أميركا كما يتلاعب الطفل الغرير بألعابه ولا يتورع عن تحطيم بعضها أو كسرها لا لسبب إلا لأنه طفل ساذج بعد وأميركا قصتها مع لعبها من حكام العرب قصة الطفل مع لعبه فهي بالرغم من حرصها على زيادتهم وتزيينهم ودعمهم بالمال والدولار ما تلبث أن تحطمهم أمام شعوبهم عندما تعلن أنها سوف تحمي حرية ملاحة السفن الإسرائيلية في خليج العقبة وأن اسرائيل وجدت لتبقى وأنها واقع لا يمكن نكرانه وأن أميركا تأخذ على نفسها حق حمايتها والمحافظة عليها. فيسقط في أيدي الداعين لها والمسبحين بحمدها ويذوبون أمام سخط الجماهير وسخريتهم كما يذوب الجليد أمام الشمس المشرقة وما مرد ذلك إلا استهواناً بشأن هؤلاء الحكام الذين باعوا أنفسهم للأميركان واستصغاراً لعروشهم ورئاساتهم وإظهاراً لعدم أهميتهم عندنا وحقارتهم.. وأعتقد أن فيما أقدمت عليه أميركا كاف لأن يزيد الشقة ابتعاداً بيننا وبينها ويقربنا أكثر فأكثر من خصومها الذين يمدونا بالسلاح ولا يبخلون علينا بالدعم والتأييد ويقفون إلى جانبنا ضد أعدائنا. وقد قيل عدو عاقل خير من صديق جاهل وصديق الملوك والرؤساء العرب الذين باعوا أنفسهم للأميركان صديق جاهل وكفى..." *الجمهور العربي جريدة عربية قومية سياسية، صدرت في حلب عام ، ۱۹۵۴ صاحبها : محمد طاهر سماقية مديرها المسؤول : أسعد الرفاعي أمين السر : حسين حديفي