صالح القزويني: الجميع يحبس أنفاسه.. فيينا تقرر مصير المنطقة
تنا
الموالون لايران يقولون، ان المفاوض الايراني فرض كل مطالب طهران على الجانبين الأميركي والأوروبي، ولم يكن بيدهما حيلة سوى الاستجابة للمطالب والرضوخ لها.
شارک :
صالح القزويني- باحث في الشأن الايراني
الموالون لايران يقولون، ان المفاوض الايراني فرض كل مطالب طهران على الجانبين الأميركي والأوروبي، ولم يكن بيدهما حيلة سوى الاستجابة للمطالب والرضوخ لها.
أعداء ايران يقولون، ان التهديدات والتصريحات الايرانية ليست الا هواء في شبك، وأن المفاوض الايراني استسلم منذ اليوم لكل المطالب التي قدمها الآخر، وستخرج طهران من هذه المفاوضات صاغرة بعد أن تبصم بالعشرة على كل الاملاءات التي يفرضها الآخر.
عدم وضوح الرؤية والغموض الذي يكتنف المفاوضات النووية الجارية في فيينا يعود بالدرجة الأولى الى اتفاق الجميع على عدم الادلاء بأي تصريح حول ما يجري على طاولة المفاوضات أو تحتها، لكي لا تؤثر التصريحات على سير المفاوضات، لذلك نرى أن كل طرف يتحدث بما يمليه عليه شعوره وميوله وأمنياته، وليس بما يقع في غرف الاجتماعات.
وفيما يتعلق بالمفاوضات الجارية هناك حقائق ينبغي الاشارة لها، وهي:
لا المبالغون في ولائهم لايران على حق، ولا المعادون والمبغضون، فاستمرار المفاوضات طيلة هذه الفترة، يبرهن بحد ذاته على أن كل طرف يتمتع بالصلابة الكافية التي تمنعه من التوقيع بالعشرة على كل ما يطالب به الآخر، فلربما يتحدث كل طرف بقوة عن مطالبه وشروطه خارج طاولة المفاوضات، ولكن ليس بالضرورة أن يتحدث بذات القوة عند التفاوض.
رغم حديث كل طرف عن امتلاكه لخيارات أخرى سيستخدمها حال فشل المفاوضات، الا أن استمرارها ينبئ عن أن كل طرف يعول بشكل كبير عليها وعلى مخرجاتها، بل أن التلويح بالخيارات الثانوية يرمي بالدرجة الأولى الى الضغط على الطرف الآخر للمضي قدما فيها.
اعتاد المفاوضون في فيينا على انهاء كل جولة بعد 6 ايام من خوضها، ولكن تجاوز هذه الجولة للسقف المعتاد حيث بدأت في يوم 27 كانون الأول، ثم توقفت بمناسبة رأس السنة الميلادية، ثم استؤنفت في 3 كانون الثاني الجاري؛ يشير الى أن جميع الأطراف جادة في بحث كافة الأمور المتعلقة بالاتفاق.
مع الأخذ بنظر الاعتبار التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية الأميركي مساء الخميس والتي لا تختلف عن تصريحاته الماضية بضرورة انهاء المفاوضات مع نهاية الشهر الحالي أو مطلع، وكذلك استمرار المفاوضات دون انقطاع؛ فان كل ذلك يشير الى انتهاء المفاوضات مع انتهاء الشهر الحالي.
ربما التغريدة التي نشرها الرئيس الايراني اليوم الجمعة على صفحته في موقع تويتر للتواصل الاجتماعي والتي أكد فيها انه لا يرهن تصديه للحظر المفروض على ايران بالمفاوضات النووية؛ تبعث الى التشاؤم الا انها لا توحي بأن طهران غير جادة في التوصل الى اتفاق بشأن برنامجها النووي، وانما تأكيد للسياسة التي انتهجتها حكومة رئيسي، وملخصها أن الحكومة الحالية لا تريد أن تضع كل بيضها في سلة واحدة.
وايا كانت النتيجة التي تنتهي اليها المفاوضات، فان فشلها ونجاحها ينعكس بشكل مباشر على الأوضاع في المنطقة، ولذلك لا نبالغ اذا قلنا أن مصير المنطقة تحدده مفاوضات فيينا.
وبامكاننا من الان قراءة أوضاع المنطقة على ضوء ما ستنتهي اليه المفاوضات، فاذا نجحت، فان المنطقة ستشهد نوع من الهدوء والاستقرار، الأمر الذي ينعكس بشكل مباشر على الازدهار والنمو الاقتصادي، واذا فشلت، فان على شعوب وحكومات المنطقة أن تستعد لمرحلة جديدة من الأزمات والصراعات والخلافات والتصعيد، وربما الحرب، خاصة اذا كانت الولايات المتحدة جادة في التهديدات التي أطلقتها من أنها ستلجأ الى الخيارات الأخرى اذا فشلت المفاوضات.
ولسنا بحاجة لنكون عباقرة لنكتشف ما ستؤول اليه أوضاع المنطقة حال فشل المفاوضات أو نجاحها، فهذه تجربة السنوات الماضية برهنت على ذلك، فعندما أبرمت مجموعة 5+1 الاتفاق النووي عام 2015 شهدت المنطقة نوع من الاستقرار والهدوء حتى انسحب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب منه وفرض العقوبات على ايران، ومنذ ذلك الوقت وحتى اليوم والمنطقة لم تذق الهدوء والاستقرار، وما أن تنطفئ أزمة حتى تشتعل أخرى.
لاشك أن بعض الدول تبدي معارضتها للاتفاق النووي، ليس لأنه لا يحقق مصلحتها الأمنية ويمنع ايران من صناعة القنبلة النووية، وانما لأنها تعلم ان الاتفاق سينهي الضغوط التي فرضتها الولايات على ايران، بينما مصالحها الاقتصادية والسياسية، تقتضي ابقاء الحظر على ايران.
اسرائيل تتصور أن بقاء الحظر على ايران سيحقق لها المضي قدما في التطبيع مع بعض الدول، ولكن لا تدرك انه لا جدوى من التطبيع والعلاقات مع الدول العربية والاسلامية في الوقت الذي لا تتوصل فيه الى اتفاق مع الشعب الفلسطيني، فربما التطبيع والعلاقات يمنح اسرائيل المزيد من المكاسب الاقتصادية، ولكنه لا يمنحها الأمن والاستقرار بتاتا، بل على العكس فقد اثبتت التجربة أن تكثيف الضغوط على ايران يدفعها الى تقديم المزيد من الدعم الى اصدقائها في المنطقة وخاصة للمقاومة الفلسطينية، كما أن المقاومة الفلسطينية مقتنعة بضرورة استمرار صراعها مع اسرائيل سواء واصلت ايران الدعم أو أوقفته.