اختزن الهواء صدى الزغاريد والصيحات في ذلك اليوم كما يختزن التراب عطر خطوات المقاومين.. بحّة الفرح الممتزج بالدّمع ما زالت تتردّد في نسمات الجنوب، ولا سيّما في ذكرى أيام التحرير. للخامس والعشرين من أيار في صدرِ كلّ ذاكرة حكاية، وفي ضوء كلّ عين رأته مشهد يجمع أصفى الدمع وأنقى الحمد وأجمل أجمل الإنفعالات.
شارک :
عيد المقاومة والتحرير
ادخلوها بسلامٍ آمنين
ليلى عماشا
اختزن الهواء صدى الزغاريد والصيحات في ذلك اليوم كما يختزن التراب عطر خطوات المقاومين.. بحّة الفرح الممتزج بالدّمع ما زالت تتردّد في نسمات الجنوب، ولا سيّما في ذكرى أيام التحرير. للخامس والعشرين من أيار في صدرِ كلّ ذاكرة حكاية، وفي ضوء كلّ عين رأته مشهد يجمع أصفى الدمع وأنقى الحمد وأجمل أجمل الإنفعالات.
في ذلك اليوم كانت بيوت "الشريط المحرّر" تحتفي بالعائدين إليها بعد غياب سنين. وكانت الشوارع تضجّ بصخب الإستقبالات المتواصلة، واليافطات المعبّرة تتلوّن بكلمات الحدث العظيم.. وحيث كان معبر "بيت ياحون"، كما على مداخل الكثير من القرى خطّت يدٌ طمأنينة من كلام الله {ادخلوها بسلام آمنين}.. دخل الوافدون هذه الطمأنينة حفاة وسيارات وقوافل، وطبعوا على وجه التراب المحرّر قبلاتهم ودموعهم، كما الطفل العائد إلى طمأنينته في ذراعي أمّه بعد غياب.
كلّ الأعوام التي مرّت، وكلّ الأحداث الكبيرة التي تلت التحرير لم تستطع أن تخفّف قطرة من توهّج ٢٥ أيار في العقول الصادقة والقلوب الحرّة، ولا استطاعت أن تخفّف قطرة من خيبة الحاقدين الذين هالهم أن يشهدوا هزيمة الجيش الذي قالوا فيه "لا يُقهر". ٢٢ عامًا وهؤلاء ما زالوا يجتهدون في محاولة توهين نصر ٢٠٠٠.
بعضهم حاول تصويره وكأنّه استجابة صهيونية للقرارات الدولية، وبذلك أراد ليس فقط كسر هالة الإنتصار بل أيضًا وضع "الإسرائيلي" في خانة المستجيب للقرارات الدولية. علمًا أنّ الصهيونيّ أقرّ في أكثر من تقرير وتصريح بأن انسحابه نتج عن عجزه عن تحمّل المزيد من ضربات المقاومة في جنوب لبنان. والبعض الآخر عبّر عن أقصى ما فيه من دونيّة وانهزامية، وروّج لاحتمال ورد في سياق شعوره بالنقص وبعجزه عن تقبّل حقيقة أنّ المقاومة الإسلامية حقّقت الإنجاز العظيم، فسقط في بؤس أوهامه ولم يزل ساقطًا منذ قال أنّ التحرير "مسرحية" متفّق عليها بين حزب الله والصهاينة، حاشا الله وحزبه! المفارقة أنّ هؤلاء أنفسهم ما زالوا اليوم أسرى عقدتهم هذه، بل توسّعت لتشمل "الإيراني متفق مع الإسرائيلي"!
٢٢ عامًا وما زال من صفعتهم هزيمة مشغّليهم على قيد الأمل بأن يستعيد هذا الأخير شيئًا من قوّته، لا كي يعتاشوا منها وحسب، بل كي يُشفى غليل حقدهم على "فتية آمنوا بربّهم" فكانوا الرّوح التي مدّت يد الله إليها السّلاح، وآمنوا بقدرة روحهم هذه على كسر المخرز أولًا، ثم تفتيته حتى إزالته من الوجود. و٢٢ عامًا، ولم تزل مداخل القرى المحرّرة تحتفي بزوّارها وتستقبلهم تحت قوس الطمأنينة المنقوش فيه أن "ادخلوها بسلام آمنين"، غير آبهة بثرثرات المتصهينين وخيباتهم المترجمة إلى تحليلات وشعارات ركيكة وواهية. ولا سيّما تلك الداعية إلى إهداء الصهيوني المهزوم ما عجز عن تحقيقه وهو في أوج شراسته، والمطالبة بانتزاع سلاح المقاومة في سبيل تحرير الصهيوني الواقف على "اجر ونص" من رعبه..
في ٢٥ أيار ٢٠٢٢، أصوات النشاز الأخلاقي والوطني والسياسي ما زالت تصرّ على أداء مقطوعاتها المفكّكة، فيما يصغي جميع من حفظوا التحرير بأجفان السلاح وبحصون القلوب المطمئنّة، الذين اسمهم في شرع الإنتصارات أهل الشّرف، إلى سيمفونية عزّ متكاملة: "اسرائيل هذه أوهن من بيت العنكبوت!"