تدرك صنعاء الحاجة الأميركية الغربية إلى النفط السعودي والإماراتي، وكل هذه الأطراف الدولية والإقليمية شريكة بشكل مباشر أو غير مباشر في العدوان على اليمن.
شارک :
يتّجه الرئيس الأميركي إلى المنطقة لإقناع السعودية وبعض أعضاء منظمة "أوبك +" بضخّ المزيد من النفط لتأمين الحاجة الغربية إلى الطاقة في ظل استمرار الأزمة في أوكرانيا.
الموضوع لا يحتاج إلى تأويل واستنتاجات، إذ أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن ذلك صراحة في مقاله الأخير الذي كتبه لصحيفة "واشنطن بوست" تحت عنوان "لماذا أزور السعودية؟". وفي المقال، يضع بايدن هدفين أساسيين للزيارة، هما:
- أمن "إسرائيل". وفي هذا الأمر، يفاخر بايدن بأنه أول رئيس أميركي يطير مباشرة من "تل أبيب" إلى جدة، وأن الخط الجوي الذي يربط "إسرائيل" بالسعودية هو أول خط يمر به رئيس أميركي.
- "تأمين موارد الطاقة والممرات المائية"، وهذا ما يؤكّد الحاجة الأميركية الغربية الماسّة إلى الموارد الحيوية للطاقة في منطقة الشرق الأوسط، وتحديداً السعودية والإمارات. ويرفع بايدن شعاراً بأنه يريد "شرق أوسط أكثر أمناً واستقراراً"، وهذا ما يفسّر أن الحرص الأميركي على استمرار الهدنة في اليمن ليس لسواد عيون اليمنيين، إنما لتحقيق هذا الهدف.
صنعاء: إما سلام للجميع وإما لا سلام!
تدرك صنعاء الحاجة الأميركية الغربية إلى النفط السعودي والإماراتي، وكل هذه الأطراف الدولية والإقليمية شريكة بشكل مباشر أو غير مباشر في العدوان على اليمن وحصاره منذ قرابة 8 سنوات، وهي في الحقيقة فرصة ذهبية لصنعاء لتفرض شروطها، ليس بثبيت الهدنة أو استمرارها أو توسيعها، بل برفع الحصار كلياً عن اليمن، ووقف العدوان كذلك، ومعالجة كلّ ملفات الحرب.
وعلى صنعاء، في ظلّ هذا التوقيت الدولي الحساس، أن تفرض معادلة: "إما أمن للجميع وإما لا أمن"، وهو حقها الطبيعي، إذ إنَّ من غير المنطقي والمعقول أن يُهدئ الأميركي متى شاء، ويصعد متى شاء.
أما البقية فهم مجرد أتباع. وإذا كانت أميركا حريصة، كما تدّعي، على "شرق أوسط آمن"، كما جاء على لسان بايدن، فعليها أن تثبت ذلك بسحب يدها من كل الملفات في المنطقة، وفي مقدمها اليمن، لا أن تنقلب على الشعارات الزائفة التي رفعها بايدن بداية عهده بوقف صفقات السلاح الهجومي للإمارات والسعودي واعتبار الأخيرة "منبوذة"، ثم تأتي زيارة بايدن المرتقبة إلى السعودية لإخراج محمد بن سلمان من عزلته، وإعادة الحديث عن تزويدها بأسلحة هجومية
تدرك صنعاء طبيعة الظروف الدولية، وتقرأها بعناية، وتعرف ماذا تريد. وقد استفادت فعلياً من الهدنة نسبياً، وإن كان الطرف الآخر لم يلتزم بها، وذلك في ناحيتين:
- تخفيف حدة الأزمة الإنسانية بدخول كميات لا بأس بها من النفط والغاز والديزل إلى السوق اليمنية، مع أن بحرية التحالف لم تتوقف عن احتجاز السفن وقرصنتها.
- إعادة البناء العسكري على مستوى العديد والعتاد، مع رفع الجاهزية القصوى، بما يؤهلها أكثر لخوض جولة حاسمة في حال انهارت الهدنة.
في النقطة الثانية، لا نكشف سراً، فكل التصريحات الصادرة من صنعاء توحي بذلك، من حديث السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، إلى أبناء محافظة حجة نهاية حزيران/يونيو الماضي، إلى تصريحات وزير الدفاع اللواء الركن محمد ناصر العاطفي، وصولاً إلى حفلات تخرج الدفعات العسكرية في مختلف المناطق العسكرية، والكليات الحربية والبحرية والجوية وغيرها.
وهنا، من المفيد التذكير ببعض ما جاء على لسان أصحاب القرار في صنعاء، إذ أكّد الحوثي في كلمة له أمام أبناء محافظة حجة نهاية حزيران/يونيو المنصرم أنّ "إنتاج الصواريخ المتنوعة مستمر ومتحسن ومتطور. ويوماً بعد يوم، يكون أكثر دقة وأقوى تدميراً وفتكاً"، وأضاف أنّ "الصواريخ البالستية البعيدة المدى تصل إلى أي نقطة في بلدان تحالف العدوان على مستوى الدول المجاورة".
وقبل ذلك بأربعة أيام، أكد وزير الدفاع - خلال لقائه باللجنة العسكرية الوطنية قبيل الجولة الثالثة في عمان - أنَّ القوات المسلّحة اليمنية عملت خلال الفترة الماضية على "تحديد وتجديد بنك الأهداف في عمق دول العدوان"، وأن "المخزون الاستراتيجي من الصواريخ الاستراتيجية كبير جداً، والمرحلة المقبلة ستذهل الأعداء إن تمادوا في العدوان والحصار".
هذه التصريحات واضحة لا تحتاج إلى تأويل. وما ينبغي لنا التفكير فيه هو طبيعة الأهداف التي تحدّث عنها وزير الدفاع، وشكل المرحلة المقبلة في حال استمر العدوان والحصار، وما إذا كانت مصادر الطاقة ومنابعها وممراتها في سلم قائمة الاستهداف. من يدري؟
يمكن القول إنه إذا استأنفت صنعاء عملياتها الاستراتيجية، فلن تكون كسابقاتها خلال الأعوام الماضية، بل ستكون أكثر إيلاماً وضرراً وأشدّ تأثيراً، واليمن ليس بحاجة إلى 8 سنوات إضافية لفرض معادلاته وخياراته والحصول على حقة الطبيعي في الأمن والحرية من دون قيود وحصار ووصاية، ولن يتحقق ذلك، كما نعتقد، إلا بالاستفادة من الظروف الدولية الحالية، وفرض المعادلة الذهبية: لا نفط مع استمرار العدوان والحصار.