"هي بيروت التي مكنت رفيق الحريري من نفسها، وهي بيروت التي زُجّت في النزاعات والمشاكل، وهي بيروت التي استُغلّت طيبة أبنائها وعاطفتهم ومصالحهم لتصوير الآخر بأنه عدو، أين منه الأميركي والإسرائيلي، وهي بيروت التي تستنفر كل لحظة وحين لحصد أصوات أبنائها من أجل كرامة الطائفة، ومن أجل دم الشهيد، ومن أجل الوفاء لمن عمّر وعلّم وحرّر."
شارک :
يتيمة هي بيروت، وتجلس إلى مائدة لئام. تذكّرتها أمس النائبة بهية الحريري، فخاطبت رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بما كانت تستحقه بيروت منه، أربعة وزراء مساواةً مع طرابلس التي حصلت على أربعة مقاعد وزارية. لكن بيروت التي تتحدث عنها الحريري هي غير ما نعرف ونعيش، وحتى غير ما نتمنى ونشتهي. هي بيروت التي مكنت رفيق الحريري من نفسها، وهي بيروت التي زُجّت في النزاعات والمشاكل، وهي بيروت التي استُغلّت طيبة أبنائها وعاطفتهم ومصالحهم لتصوير الآخر بأنه عدو، أين منه الأميركي والإسرائيلي، وهي بيروت التي تستنفر كل لحظة وحين لحصد أصوات أبنائها من أجل كرامة الطائفة، ومن أجل دم الشهيد، ومن أجل الوفاء لمن عمّر وعلّم وحرّر. والحريري تتحدث، كما فؤاد السنيورة عن بيروت التي يتخذونها مركزاً لإدارة المواجهة مع حزب الله، والتي اتخذوها قبلاً مركزاً لإدارة الدولة بأكثر الأساليب فساداً، والتي سرق وسطها التجاري لمصلحة ومنافع العائلة وبعض السياسيين اللبنانيين والضباط السوريين. هي بيروت التي امتلأت مباني فاخرة وطردت الفقراء من قلبها ومن أطرافها وزرعتهم في الجبال وعلى طول الخط الساحلي. تتحدث عن بيروت التي أصبح فيها خطوط تماس ممنوعة على الشيعة، والتي أصبح، بفضل سياسة فؤاد السنيورة وسعد الحريري، أبناء الطريق الجديدة يمتنعون عن عبور شارع لدخول الضاحية الجنوبية. برأيها أن بيروت كانت تستحق المزيد من ربطات العنق لتمثلها في الوزارة، وكأن ما ينقص بيروت هو أن يتصدر بعض الشخصيات صدارة الحكومة لتلتقط لهم الصور التذكارية، وليمعنوا في نهب البلاد وظلم العباد، مثلهم كمثل كل من مرّ على السلطات اللبنانية. وبرأيها أن بيروت يجب أن تكون دائماً منتدى للنزاع الداخلي، وأرضاً خصبة لأحلامها، وأحلام أبنائها اليوم وغداً. أما أحلام أبناء بيروت والقاطنين والعاملين فيها، فهي شأن آخر، لا تراه إلا من خلف زجاج سيارتها الأسود. إلا أن لبيروت تاريخاً طويلاً، قبل أن تتحول الى أرض للنزاعات المذهبية التي تصرف فقط في مصارف البحر الأبيض المتوسط وبعض شركاه. لبيروت زمن طويل كانت تعيش فيه بسلام مع محيطها، ولها مستقبل يمكن الجزم بأنه يشبه ماضيها، رغم ما مرّ وما سيمرّ عليها من حروب واعتداءات تأتي من غرب ومن إسرائيل، ومن أعداء حقيقيين لا ممن قرّر البعض استعداءهم لأسباب وأسباب. بيروت تستحق أولاً أن ترتاح، وأن تعيش حالة من الطمأنينة، وأن يترك عنها هم تأييد آل الحريري وزيادة ثرواتهم وتكديس الأصوات الانتخابية لمصلحتهم، كما أن يترك عنها هم تشكيل معارضة سنية، أو لوائح مقابلة للوائح آل الحريري. تستحق بيروت أن تكون عاصمة، مثل أي عاصمة على سطح هذا الكوكب، مفتوحة للجميع، ولأبنائها طبعاً، وعلى حد سواء، وأن تهتم فيها بلديتها، وأن تقدم كما كل القرى والبلدات والمدن اللبنانية خدمات للسكان، وهو ما لا يحصل في أي مكان في هذه البلاد. تستحق بيروت أن تكون أقل كثافة سكانية، وخاصة من الأثرياء، وأن تحصل على مجمعات سكنية شعبية، وأن تنتشر فيها الحدائق العامة، ومواقع الراحة الطبيعية للمسنّين، وأن يتمكن قاطنوها من ارتياد أماكن الترفيه، لا أن تحصر أماكن الترفيه بالعلب الليلية في الوسط التجاري وبعض الشوارع، ولا أن تكون المقاهي حكراً على من أصاب من الثروات السريعة نصيباً. تستحق بيروت التوسع كعاصمة، وأن لا تجد من كل جهة حدوداً، هي إما الفقر، أو العداء المذهبي، أو غيتوات مسيحية، أو منافي لاجئين فلسطينيين، تستحق أن تتوسع العاصمة بما هي عاصمة من دون حروب أهلية، ومن دون بناء عشوائي. تستحق بيروت، كما كل لبنان، الحفاظ على ذاكرتها، وعلى مناطق مصنفة تراثية فيها، وعلى سوقها التجاري التاريخي، وعلى الاحتفاظ بآثارها بدل نهبها ووضعها في قصور العائلات الحاكمة أو بيعها في السوق السوداء. تستحق بيروت أن يبقى المدى مفتوحاً أمام بحرها، وأن يترك متنفساً لكل المواطنين، سباحة ومشاهدة ومتعة سير العشاق، لا أن يغلق الشاطئ ويباع بصفقات سرية وغامضة. تستحق بيروت الكثير، وتستحق نواباً كنجاح واكيم، وما لا تستحقه هو استثارة عاطفة السنّة فيها، واعتبارهم، جهلاً أو غرضاً، الجمهور المستهدف في كل كلمة تقال عن بيروت. كما أنها لا تستحق أن يعامل أفضل من أنجبت، كالرئيس سليم الحص كما عومل في الأعوام الأخيرة. تستحق بيروت أن تكون فيها مدافن لائقة، حتى إذا ما قرّر أحدنا التخلي عن سماع آراء سياسيّينا أن يجد مكاناً يؤويه.