"ليس في جدول أعمال الولايات المتحدة وإسرائيل وأوروبا من يشير الى حرب وشيكة. لا بل إن بعض المعنيين يجزمون بأن عنوان الحرب ليس مدرجاً أبداً على جدول الأعمال الحقيقي لهذه الجهات"
شارک :
"الحملة الغربية على إيران توحي لمن هو غريب عن أحوال المنطقة بأن ثمة حرباً وشيكة تستعد لها الولايات المتحدة وإسرائيل ضد الجمهورية الإسلامية. وحملة التقارير الأمنية والدبلوماسية والمعلوماتية، وصولاً الى تقارير «غب الطلب» الصادرة عن وكالة الطاقة الدولية، توحي، أيضاً، بأن ثمة عناصر تحتاج الى مزيد من النضج على المسرح قبل إعلان بدء العمليات العسكرية. حتى إن بعض المتحمسين من أبناء جلدتنا لمثل هذه المغامرة، يتورطون سريعاً في تقدير الأهداف والتوقيت والحسابات والنتائج المتوقعة، والآثار التي ستنجم عن مثل هذه الحرب. ليخلص هؤلاء الى رسم مستقبل وردي يخص مشاريعهم، باعتبار أنهم صاروا الآن ينظرون الى إيران على أنها العدو الحقيقي، لا إسرائيل ولا أحد غيرها. في حالة هؤلاء، الله وحده الشافي من هذه العوارض المزمنة. ليس هناك من سبيل غير الدعاء، لأن معالجة العقلية المتخلفة والقائمة على عصبية يختلط فيها عنصر المصلحة المباشرة بالسلطة والمال، بعنصر التوتر الثقافي ـــــ الديني، الذي يتيح هو الآخر مزيداً من عناصر الإثارة في وجه إيران. وفي الحالتين، لا ينقص هؤلاء المجانين سوى تصريحات تصدر عن جهات رسمية غربية حتى يعلنوا أن وقت الجهاد الحقيقي قد حان. في حقيقة الأمر، قد نكون في حاجة الى وقفة تأمل في أحوال هؤلاء. لأن أصل الموضوع ليس محل بحث جدي الآن. ليس في جدول أعمال الولايات المتحدة وإسرائيل وأوروبا من يشير الى حرب وشيكة. لا بل إن بعض المعنيين يجزمون بأن عنوان الحرب ليس مدرجاً أبداً على جدول الأعمال الحقيقي لهذه الجهات. وبالتالي، فإن الوظيفة المباشرة من هذه الحملة، ربما تهدف الى تحقيق أمرين: الأول يتعلق بإرضاء إسرائيل من خلال حملة دبلوماسية وسياسية تنتهي الى عقوبات تصدر من صندوق الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية، والثاني، إشعار خصوم إيران من حكومات وجهات المنطقة العربية والإسلامية بأن الغرب لا يتجه صوب صفقة مع إيران الآن. بل على العكس، فإن مناخ التوتر هو السائد. في الحالة الأولى، نعود الى حكاية «امسكوني». تلك التي يلجأ إليها الأزعر الضعيف في الحي، عندما يهدد بمقاتلة أحد من جيرانه أو أولاد الحي الثاني. فيعلو الصراخ لينتهي الى تدخل الكبار، طالبين إليه أن يهدأ وأن يصبر، وأن الكبار هم من سيتولون مهمة تأديب الآخر، لأن ادعاء إسرائيل القدرة على توجيه ضربات قاضية وخاطفة للمشروع النووي الإيراني أو حتى لقدراتها العسكرية، فيه شيء من الخيال. لأن الكل يعرف أن إيران تجاوزت هذه المرحلة منذ سنوات. وربما هي تحتاج الى من يمسك بها كي لا تجد نفسها في لحظة معينة مضطرة الى تأديب هذا الولد الشرير، لا الأزعر فقط، علماً بأن حظ إسرائيل وحلفائها في المنطقة يكمن في العقلانية الإضافية الموجودة لدى من بيده القرار في طهران. وفي الحالة الثانية، قد يكون مفيداً التوضيح بأن عرب الولايات المتحدة يعرفون خبث واشنطن، وهم جربوا على مدى عقود، ولديهم ما يكفي من الخبرة ليقدروا أنه متى أتيح للولايات المتحدة التوصل الى تفاهم مع إيران لحصل ذلك دون إخطار هؤلاء بالأمر إلا من خلال وسائل الإعلام. لكن المهم، أيضاً، هو أن الولايات المتحدة حاولت طوال الأشهر العشرة الفائتة، وبكل السبل، الوصول الى آلية تواصل وحوار مباشر مع إيران بخصوص ملفات تمثل أولوية بالنسبة إليها، سواء في العراق أو في أفغانستان، وما يتفرع عنهما في سوريا ولبنان وفلسطين. وكانت النتيجة رفضاً إيرانياً كاملاً. حتى عندما اندلعت الاحتجاجات في سوريا، وبدا واضحاً للأميركيين أن إيران معنية بحماية النظام في سوريا، لم تنفع عمليات الابتزاز المتواصلة من خلال التشجيع على حرب أهلية في سوريا، في جر إيران الى تسوية في مكان آخر. حتى إنه يمكن الاستنتاج، بسهولة، أن إيران التي قالت علناً وسراً إن بقاء النظام في سوريا حيوية استراتيجية مركزية، لا تشعر بأن الوضع في سوريا خطير الى حدود تجبرها على تنازل أو تسوية مع الأميركيين أو مع دول الخليج العربي في العراق أو في مكان آخر. وهو أمر يعرفه الأميركيون جيداً، ويعرفه أكثر الأتراك، كما يلمسه قادة في دول مجلس التعاون الخليجي. كان لأحمدي نجاد جواب بسيط ومنطقي على الحملة على السلاح النووي. فهو قال بعبارات واضحة ليست بهدف إرضاء أحد: ماذا نفعل بقنبلة أو اثنتين مقابل عشرين ألف قنبلة نووية موجودة عند الأعداء؟ عملياً، قال نجاد، إنه لو أراد السير مع الغرب بأن لإيران هدفاً من تحقيق صناعات عسكرية نووية، فهي لا ترى موجباً لهذه الخطوة لأنها لن تحقق التوازن أو الردع. لكن إيران سبق لها أن قالت من خلال مناورات عسكرية، ومن خلال وسائل استخبارية، وحتى في محادثات خلف الأبواب المغلقة، إنها باتت تملك القدرات العسكرية غير النووية، التي تتيح لها تحقيق عامل الردع في وجه إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية. وإلى جانب كل ذلك، يواجه الأميركيون معضلة في التسويق أيضاً. لا تزال صورة كولن باول وهو يقود المسرحية الإلكترونية ضد العراق حية في أذهان الجميع، حتى الذين يسيرون الآن في الكذبة الجديدة. وهؤلاء يعرفون أنهم لا يقدرون على النظر في عيون أطفالهم آخر المساء.