طحنتها الجرافات الإسرائيلية، حين حاولت أن تجعل نفسها درعاً بشرية في وجه هدم بيوت فلسطينية
شارک :
في منتصف الشهر المقبل، تمر ٩ سنوات على مقتل ناشطة السلام الأميركية، راشيل كوري، التي طحنتها الجرافات الإسرائيلية، حين حاولت أن تجعل نفسها درعاً بشرية في وجه هدم بيوت فلسطينية في غزة. كان عمر راشيل ٢٣ سنة، وتحوّل اسمها إلى رمز للحراك العالمي المناهض للظلم والاحتلال. وقد خصتها المخرجة التقدمية الإسرائيلية الفرنسيّة سيمون بيتون بشريط وثائقي بعنوان «راشيل» (٢٠٠٨)، يعاد بثُّه الليلة على قناة «آرتي» الألمانية الفرنسيّة (٠٠:١٠).
جعل الشريط من راشيل كوري أيقونة للحراك الشبابي العالمي المنادي بالعدالة والسلام. من خلال استعادة مسار راشيل وأفكارها ونضالاتها، حاولت صاحبة «جدار» (٢٠٠٤) استشراف الثورة الشبابية العالمية المقبلة، مبشِّرة بأنّ الحراك الشبابي العالمي قادرٌ على تجديد أدوات المقاومة والثورة ضدَّ مختلف أشكال الهيمنة والظلم. إعادة مشاهدة الشريط اليوم بعد أربع سنوات على إنجازه، ستكون له نكهة خاصة، لأنّ مضمونه بات أكثر راهنيّة، بعد الربيع العربي، وحركات الشباب «الغاضبين» في الغرب. الثورة المتجددّة التي بشّر بها الوثائقي، لم تعد مجرّد رؤى طوباوية لـ«مناضلة يسارية عجوز ترفض الاستسلام لليأس أو التسليم بالأمر الواقع»، كما تقول بيتون متحدّثة عن نفسها وعن جيلها من مناضلي «اليسار القديم».
ميزة هذا الشريط أنّ بيتون قرّرت إنجازه برؤيا مغايرة تماماً لما اعتادته في أعمالها السابقة. طرحت جانباً النبرة النضالية التي طبعت أعمالها من «فلسطين، قصة أرض» (١٩٩٧) إلى «المواطن بشارة» (٢٠٠١)، واختارت اختزال التعليق إلى أقصى حدود المينمالية، مفسحةً المجال لنشيد بوليفوني تتداخل وتتناغم فيه أصوات جميع من عرفوا راشيل. أصدقاؤها وأفراد عائلتها ورفاقها، يسردون يومياتها من خلال رسائل البريد الإلكتروني التي كانوا يتبادلونها معها يوميّاً.
تتحول هذه اليوميات الافتراضية، إلى بورتريه لا يعكس أفكارها فحسب، بل يسلط الضوء على جيل كامل من المناضلين الشباب القادمين من مختلف أصقاع العالم للدفاع عن فلسطين بوصفها «تورية عن كل الظلم الذي يحدث عبر العالم» كما تقول بيتون. وتضيف: «اكتشفت وأنا أنجز هذا الشريط أن غزة ليست قبراً لراشيل كوري ومئات الأبرياء الذين يُقتلون كل يوم فقط، بل قبر عالمي مفتوح يريد بعضهم أن يردموا فيه كلّ القيم الإنسانية».
أمّا عن الجيل الجديد من المناضلين الأمميّين، فتقول سيمون بيتون: «إنّه جيل أكثر شجاعة من جيلنا. بالنسبة إلينا كان الأفق مفتوحاً والأمل كبيراً. أما الجيل الحالي فيواجه أوضاعاً أكثر صعوبة وسوداوية».