تاريخ النشر2012 19 March ساعة 19:54
رقم : 87724
نصوص من الصحافة الإسرائيلية

مصلحة "إسرائيل" في الربط بين التصعيد العسكري مع قطاع غزة والمجابهة الدولية مع إيران

تنا ـ بيروت
مصلحة "إسرائيل" في الربط بين التصعيد العسكري مع قطاع غزة والمجابهة الدولية مع إيران
كثيرة هي المرات التي تم الربط بها بين إيران وما يجري في قطاع غزة أو بالأحرى المواجهة الفلسطينية الإسرائيلية، بوصفها جزءاً مركزياً من الصراع العربي الإسرائيلي. وثمة من يحاول، وبعضهم عرب ولكن في الأساس إسرائيليون، الإيحاء بأن الجولة الأخيرة من الصراع العنيف في قطاع غزة هي في الأساس لأسباب إيرانية أو حتى سورية. وبديهي أن هؤلاء، ولأغراضهم الخاصة يتناسون أن الصراع كان قائماً، قبل الربيع العربي، بل وحتى قبل الثورة الإيرانية حينما كان شاه إيران لا يزال أبرز حليف لإسرائيل في العالم الإسلامي. 

ولكن المصالح تقتضي من أصحابها تحوير المعطيات وتكييفها لتتناسب مع رغباتهم اللحظية حتى وإن كانت تبريراتهم لها مناقضة ليس فقط للتاريخ وإنما أيضاً لما يمكن للعقل أن يتبينه. والواقع أن الجولة الأخيرة من الصدام العسكري بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة بدأت بمبادرة إسرائيل في إطار ما تسميه إسرائيل بـ«التصفية المركزة» لأمين عام لجان المقاومة الشعبية في القطاع. وكان التبرير الواضح والمعلن هو أن إسرائيل تبادر لهذا العمل للقضاء في المهد على عمل كبير يجري التخطيط له في النقب عبر سيناء. ومن المؤكد أن أحداً لا يطالب إسرائيل بإثبات على إدعاءاتها لأنه لا جدوى من مطالبة كهذه خصوصاً بعد أن يكون فعلها قد قاد إلى قتل وإلى تصعيد يؤدي إلى استشهاد أبرياء وتدمير منشآت. 

ولا تخفي القيادة الإسرائيلية أنها في انطلاق جيشها لتنفيذ «عمليات وقائية» في القطاع إنما تنفذ سياسة مدروسة أساسها استباق أي عمل في سيناء بضرب المخططين له والمنفذين المحتملين في القطاع وعدم انتظار ضرباتهم في النقب عبر سيناء. ويكشف بن كسبيت في «معاريف» النقاب عن أن هذه السياسة هي محصلة عمل أركاني تبعته قرارات «استراتيجية» و«شجاعة» اتخذها رئيس الأركان الحالي بني غانتس وتقضي باللجوء إلى الضربات الوقائية في القطاع نفسه. وسبق لمعلقين إسرائيليين أن برروا هذه الخطوات بأنها فعل احترازي لمنع إسرائيل من ضرب هؤلاء في سيناء وبالتالي التورط مع الحكومة المصرية باختراق سيادة أراضيها. 

ومن المؤكد أن سياسة إسرائيل هذه استندت أساساً إلى إيمان بأن العالم، خصوصاً العربي، منشغل هذه الأيام بثوراته الداخلية فيما الغرب عموماً منشغل بأزمته الاقتصادية. بل أنه وفي حمى رغبة الغرب في استرضاء إسرائيل في الشأن الإيراني ليس فقط أزاح القضية الفلسطينية عن جدول الأعمال السياسية الدولية بل ويمكنه أن يغض النظر عن عدوانات متكررة في قطاع غزة وحتى في الضفة الغربية. 

وعندما لم تصب الحسابات الإسرائيلية هذه المرة وجاء الرد الفلسطيني متشدداً خلافاً للمتوقع سارعت إسرائيل إلى إعادة النظر في الحسابات. وقبلت ضمنياً باشتراطات فلسطينية لم تكن تقبل بها في السابق وأبرزها منع الاغتيالات واعتبار ذلك جزءاً من التهدئة. بل إن مواصلة عدد من الفصائل الفلسطينية إطلاق الصواريخ حتى بعد التوصل إلى تفاهمات عبر المخابرات المصرية، لم تذهب إسرائيل بعيداً في الرد آملة أن ينجح وقف إطلاق النار. ومع ذلك ألحقت إسرائيل هذا الاتفاق بسلسلة تصريحات تحاول إظهار أن شيئاً لم يتغير وأن القاعدة المتبعة لا تزال سارية وأن إسرائيل تمتلك حرية العمل ضد الفلسطينيين في القطاع. بل وشددت أوساطها القيادية، خصوصا رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، من الربط بين ما يجري في القطاع وبين الصراع الدولي مع إيران بشأن المشروع النووي. وأعلن نتنياهو ببساطة أن «إيران باتت في قطاع غزة» وكأن كل الجهد الدولي يجب أن ينصب في مكافحة إيران في إيران وإيران في قطاع غزة وأيضاً في لبنان. 

ولكن من الواضح أن محاولة نتنياهو هذه ليست أكثر من بعد خطابي يقود إلى إنجاز إعلامي موقت لا أكثر. ففي نظر الكثير من الإسرائيليين لا يزيد تشديد الخطاب الإسرائيلي ضد إيران وضد المقاومة الفلسطينية من إحساس الإسرائيليين بالأمن بل يزيد من توتيرهم. ولاحظ معلقون أنه في الوقت الذي يحاول فيه نتنياهو ووزير دفاعه، إيهود باراك، الإيحاء للغرب بأن إسرائيل مجنونة ويجب إرضاؤها لمنعها من مهاجمة إيران يحاولون الإيحاء أيضاً أن «القبة الحديدية» باتت توفر لإسرائيل، أو تكاد، هامش حرية الفعل المطلوب. 

فكثير من العسكريون ينتقدون الركون إلى القبة الحديدية لأنها ليست حلاً للمشاكل. فهي ليست حلاً عملياتياً دائماً ويكفي خلل واحد حتى تقع مصيبة تجبر إسرائيل على العودة لأساليب العمل القديمة. كما أن الاعتماد على منظومات الحماية من الصواريخ يعني اللجوء إلى انتهاج خط دفاعي يضر بصورة إسرائيل الردعية كقوة اعتمدت دائماً وأبداً على الهجوم خير وسيلة للدفاع. 

وفي الوقت الذي يحظى فيه نتنياهو تقريباً بتأييد شعبي واسع يؤهله الفوز في الانتخابات المقبلة فإن كل العاقلين في إسرائيل يلحظون أن نتنياهو وباراك يقودان إسرائيل نحو حرب جديدة، سواء مع إيران أو مع الفلسطينيين. ولا يقل أهمية عن ذلك أن سعي نتنياهو للحرب، حتى لو لم تقع، ينطلق جوهرياً من شعوره بأنه لا يمكنه أن يحقق سلاماً لا مع الفلسطينيين ولا مع العرب. 

وتقريباً مع انتهاء سياسة محور الاعتدال بانهيار عدد من مراكزه الرئيسية يصعب القول إن مخططات إسرائيل للتعمية وإظهار أن الصراع العربي الإسرائيلي، وضمنه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، يمكن أن يكون فرعاً من الصراع مع إيران. 

وحتى ظهور هذه الحقائق للجمهور الإسرائيلي النائم في عسل كلام نتنياهو عن القدرات الخارقة والقادرة على مجابهة العالم بأسره يمكن أن يعود القتال إلى الجبهة الفلسطينية ويمكن أن تنجح إسرائيل في جر أميركا للحرب مع إيران. وربما لهذا السبب هناك في إسرائيل من بات يطالب نتنياهو بإرسال زوجته وأطفاله للعيش في تل أبيب حتى يشعر باحتمال تعرّضهم للصواريخ من غزة أو من سواها إذا ظل يدعو للحرب. 

المصدر : صحيفة "السفير"- حلمي موسى
https://taghribnews.com/vdcjxaeo.uqea8zf3fu.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز