"حزب الله" لن يطلق صواريخه إلا رداً على الاعتداء الإسرائيلي
تنا - بيروت
سليمان : علاقتنا مع ايران تجعلنا نصدّق تصريحات آية الله الخامنئي. أخشى ما نخشاه ان يكون هناك تسرع في الحكم على الملف النووي، تماماً كما حصل مع ما أسميت أسلحة الدمار الشامل في العراق، والتي أدت الى كارثة في المنطقة.
شارک :
هي الرحلة الرئاسية الأبعد والأطول والأتعب، لكنها الأحبّ إلى الرئيس ميشال سليمان. سبعة أيام وسبع رحلات وحكايات كثيرة وانطباعات جميلة ومفارقات عديدة، في محصلة رحلة استراليا الأولى من نوعها لرئيس لبناني منذ الاستقلال حتى الآن.
ينزل رئيس الجمهورية من الطائرة ويتوجه الى موعد. ينتهي آخر موعد في هذه الولاية أو تلك، ويتوجه مباشرة الى الطائرة. يتعب كل من حوله من رسميين ومرافقين وصحافيين، ويظل قادراً كل يوم على قول كلام جديد، خاصة في حضرة لبنانيي الاغتراب المتعطشين لطرح الأسئلة وسماع الأجوبة.
يسري الأمر نفسه على الأستراليين الذين يتعاملون مع أقل من نصف مليون لبناني بوصفهم أحد مكونات هذا المجتمع المتعدد القوميات والديانات والثقافات. الطموحات لا سقف لها والبداية من الدولة. أن تزيّت عجلاتها. أن تلتفت الى مواطنيها. أن تسمح لهم بالحصول على أبسط حقوقهم، وهي هويتهم، طالما أن باقي الحقوق المعيشية والخدماتية أبعدتهم عن بلدهم من جهة وجعلتهم يندمجون حيث اغتربوا من جهة ثانية.
في اللقاءات التي جمعته بالمسؤولين الأستراليين، حرص سليمان على أن يكون خطابه شفافاً. لا يريد أن يكون انطباعاً راسخاً
في ذهن كثيرين بأن اللبناني يقول شيئاً في العلن ويقول عكسه في المجالس الضيقة أو المقفلة. وبصراحته المعهودة شرح سليمان للمسؤولين الاستراليين كما للجالية اللبنانية موقف لبنان من التطورات الداخلية والخارجية.
وكان البارز ما دار بين رئيس الجمهورية وزعيم المعارضة الاسترالية طوني ابوت من نقاش مستفيض لم يخلُ من محاولات للضيف الاسترالي لـ«حشر» سليمان او انتزاع مواقف منه خارج سياق قناعاته وثوابته. وقد حصلت «السفير» على محضر اللقاء كاملاً بين سليمان وابوت الذي استفسر بداية حول الوضع اللبناني والصيغة اللبنانية، ورد سليمان شارحاً بالتفصيل الواقع اللبناني، مركزاً في حديثه على «اننا نعيش في لبنان وفق دستور ينص على الديموقراطية التوافقية الميثاقية التي تتلاءم مع المجتمع اللبناني التعددي الذي يشبه المجتمع الاسترالي التعددي، اذ ان المكونات الطائفية لها دور فاعل في الحياة السياسية وفق «كوتا» محددة من دون ربط هذا الدور بالعدد، ونعتقد أن هذه الديموقراطية تلائم مناخ العولمة في المستقبل».
وانتقل زعيم المعارضة الأسترالية للسؤال الثاني مباشرة عن سلاح «حزب الله» ودوره وهو المشارك في الحكومة الحالية وهل هو دور بناء؟ وسارع سليمان الى التأكيد ان «حزب الله» هو مكون اساسي لا سيما على الصعيد الاجتماعي في لبنان، «ومن الطبيعي جداً ان يكون له دور داخل الحكومة، لكن الصعوبات المرتبطة بالناحية العسكرية لدى «حزب الله» تأتي من الواقع الفلسطيني – الإسرائيلي القائم في منطقة الشرق الاوسط. فهناك تهجير الفلسطينيين من أرضهم في العام ١٩٤٨ واحتلال اراضٍ عربية اخرى عقب احتلال فلسطين وعدم إعطاء الفلسطينيين حقوقهم منذ ستين عاماً واكثر، وهذا هو اساس الاضطرابات في العالم ومنها الارهاب الدولي الذي اتخذ من هذا الظلم المستمر بحق الفلسطينيين ذريعة للقيام بهذه العمليات الارهابية، وانا اقول ذلك لان اسرائيل لا تزال تحتل أجزاء من الاراضي اللبنانية، برغم صدور قرارات دولية تلزمها بالانسحاب، وهذا بحد ذاته سبب كبير للتوتر المستمر، كما ان اسرائيل هجّرت نحو نصف مليون فلسطيني باتجاه لبنان وأصبحوا لاجئين ونتيجة الظلم واستمرار الاحتلال، حمل هؤلاء السلاح وانتجوا حالات مسلحة في لبنان، وحالة «حزب الله»، نتيجة لتهجير الفلسطينيين ولسلسلة اجتياحات واعتداءات اسرائيلية متكررة ومتواصلة على الجنوب اللبناني، ولذلك نعتقد أن حلّ قضية الشرق الاوسط هو مسؤولية دولية لأنه يصبّ في مصلحة التطورات العربية الديموقراطية وما نريده وتريدونه أنتم من ديموقراطية تصب حتماً في مصلحة لبنان».
وطوّر زعيم المعارضة الأسترالية السؤال وصولاً الى الهدف الذي يقصده، واستوضح «هل حل هذه المشاكل سيؤدي الى اعتراف شامل من الدول العربية بحق إسرائيل في الوجود؟». ورد سليمان بالقول «طبعاً، لأن المبادرة العربية للسلام التي أقرت في بيروت منذ عشر سنوات نصّت على هذا الحل، ومن أعدّ هذه المبادرة اصبحوا اما خارج السلطة او طاعنين في السن، لذلك يجب اغتنام الفرصة سريعاً لتطبيق المبادرة التي سُميت في حينه مبادرة الأمير عبدالله اي خادم الحرمين الشريفين حالياً».
وسأل ابوت رئيس الجمهورية عن رأيه بالاوضاع في سوريا وهل سيحصل تغيير للنظام وما هو مصير المسيحيين السوريين إذا تغير النظام؟ وهنا، عبّر سليمان عن اعتقاده ان التحول الى الديموقراطية سيحصل حتماً في سوريا، واكاد اقول انه حصل عبر الاستفتاء الذي جرى مؤخراً، اذ ان ٨٥ في المئة ممن شاركوا في الاستفتاء أيّدوا تغيير الدستور واعتماد دستور جديد والذين لم يشاركوا يريدون أيضاً دستوراً جديداً، لذلك، على السوريين ان يباشروا حواراً فورياً للاتفاق على شكل هذه الديموقراطية التي يريدونها، لان كل فريق يريدها بطريقة مختلفة عن الآخر، فالديموقراطية هي التي تنتج الانظمة وربما تنتج مجالس نيابية جديدة، وما يعنينا هو وقف العنف وسيادة الديموقراطية ومراعاة كل أطياف الشعب السوري ومن بينهم المسيحيون الذين هم من أركان الدولة السورية ومن مطلقي الحركات والأحزاب القومية».
وجدّد ابوت السؤال بطريقة أخرى، عما اذا كانت الاقليات في سوريا عانت خلال عام من الاحداث، وهل المعاناة كانت من الثوار ام من قبل الحكم السوري؟ فأكد سليمان «انه لا يمكن الارتكاز على هذه الفترة لتحديد الجواب الصحيح، لكن المعاناة ليست طائفية بقدر ما هي سياسية، لذلك نطالب وندعو ونأمل من الدول العربية ان تشرك هذه الأقليات في ادارة النظام السياسي حتى لا تهاجر من وطنها الى اوطان اخرى، وهنا مكمن المصيبة والخسارة على الدول العربية بلا استثناء».
كما سأل ابوت عما اذا كان سليمان يرى بأن استمرار الازمة في الشرق الاوسط ستتسبب بهجرة الاقليات، خصوصاً ان السنوات العشر الاخيرة شهدت هجرة كبيرة منه، ورأى سليمان ان «هذا الامر صحيح، بدليل ان احداث العراق بصورة خاصّة ادت الى تهجير عدد كبير من المسيحيين واليوم يتمنى العراقيون عودتهم، لأن المناخ التعددي سيأتي بآخرين من غير الجذور الوطنية، وهذه حال العالم في المستقبل، وايضاً المسيحيون في فلسطين وتحديداً في القدس يهاجرون بسبب عدم الاستقرار الناجم عن الضغط الاسرائيلي على المدينة ومحيطها بهدف تهويدها».
وسأل أبوت عن رأي الحكومة اللبنانية بسعي إيران لإنتاج القنبلة النووية، فشدّد سليمان على اننا في لبنان «قطعاً ضد انتاج ايران سلاحاً نووياً، كما اننا ضد اي سلاح نووي في المنطقة، ولكن المرجعية الدينية العليا في ايران تردد دائماً بأنها دينياً واخلاقياً كما سياسياً هي ضد اقتناء او انتاج اي سلاح نووي، وأخشى ما نخشاه ان يكون هناك تسرع في الحكم على هذا الملف، تماماً كما حصل مع ما أسميت أسلحة الدمار الشامل في العراق، والتي أدت الى كارثة في المنطقة وما تحدثنا عنه من اضطرابات وهجرة المسيحيين كان السبب الأساسي له الدخول الاميركي غير المدروس الى العراق، ونخشى أن يكون هناك اعتبارات غير دقيقة تؤدي الى اضطرابات شاملة، ونأمل أن يأخذ الحوار مجراه حول الملف النووي الايراني».
واستدرك ابوت سائلاً هل انتم على قناعة من أن إيران لن تصنع سلاحاً نووياً؟ وردّ سليمان ان «علاقتنا مع ايران تجعلنا نصدّق تصريحات آية الله الخامنئي، لكن الاتهامات الغربية تضع علامات استفهام حول تطور الملف النووي الإيراني، والايرانيون يقولون لنا ذلك في الجلسات الثنائية لا سيما مع السيد خامنئي والرئيس محمود احمدي نجاد ووزير خارجيته، فهم يؤكدون لنا دائماً بان ليس لديهم ولا يريدون إنتاج سلاح نووي».
وانتقل أبوت للسؤال مجدداً عن اسرائيل قائلاً هل من خطورة تواجه إسرائيل لجهة تعرّضها لصواريخ تطلق من جنوب لبنان؟ فعبّر سليمان عن اعتقاده «بان اسرائيل لن تتعرّض للصواريخ من لبنان الا اذا هي بادرت في الاعتداء عليه».
وسأل ابوت، إذا هاجمت اسرائيل ايران فهل ستُقصف من لبنان؟ وردّ سليمان «لا لن تقصف اسرائيل من لبنان ولا يحق لأحد التصرف من دون إرادة الحكومة اللبنانية التي يعود إليها مجتمعة تحديد الموقف المناسب».
المصدر: "السفير"- داود رمال(محضر لقاء رئيس الجمهورية مع زعيم المعارضة الأسترالية)