الحوار مراحله نتائجه ومن المستفيد منه؟ ما النقاط التي يجتمع عليها الاقطاب.
شارک :
تكمن أهمية الجولة الجديدة من الحوار، في كونها تشكل حاجة للداعي إليها الرئيس ميشال سليمان، وذلك لإعادة تزخيم موقع الرئاسة الأولى وتفعيل حضورها المعنوي ودورها السياسي الذي يكاد يتآكل في ظل احتدام الموقف بين الأطراف الداخلية ربطا بالأزمة السورية المفتوحة على مصراعيها.
وتكمن أهميته أيضا في أنه يشكل حاجة للبلد، من أجل محاولة كسر حدة الانقسام السياسي والمذهبي وترسيخ الحد الأدنى من الاستقرار الداخلي وتبريد كل الوقائع الداخلية للحؤول دون انفجارها الذي سيؤدي حتما الى سقوط الهيكل على رؤوس الجميع.
تلك هي النتيجة الموضوعية التي يستخلصها قطب سياسي بارز، وفي اعتقاده، ان الذهاب أبعد من ذلك، «فيه الكثير من المبالغة، خاصة ان تلك النتيجة تشكل حدود الممكن الذي يمكن أن تبلغه الجولة الحوارية الجديدة». أما حدود المستحيل، فهي ان أي عاقل يدرك ان الرهان على طرح سلاح المقاومة على الطاولة من أجل بلوغ نتيجة ما، أيا كانت طبيعتها ومضمونها، «فيه الكثير من الخفة السياسية، خاصة ان العامل الاسرائيلي يلقي بظله على المشهد الداخلي انتهاكات يومية وتهديدات وصولا الى المناورات الاخيرة، وكل ذلك، فضلا عن الوقائع البحرية والثروة الغازية والنفطية الموعودة، يجعل المقاومة أحد أبرز العناصر الضامنة لحدود لبنان وأرضه وسمائه وبحره».
«في حدود المستحيل ايضا ـ والكلام للقطب السياسي ـ استحالة التقاء أطراف الحوار ليس على سلاح المقاومة فقط، بل على المقررات الاجماعية التي انتهى اليها حوار العام ٢٠٠٦ في مجلس النواب، خاصة ان الظرف الموضوعي الذي تم التوافق فيه يومها على العناوين التي حازت الإجماع سرعان ما تراجع بفعل أسباب موضوعية بينت أن المقررات الإجماعية لم تعد محل إجماع».
فالمحكمة الدولية التي حظيت بالإجماع، كانت لاحقا سببا في إحداث شرخ عميق بعدما تحولت الى أداة مكشوفة غب الطلب للانتقام والاستثمار السياسي بدءًا باتهام سوريا باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والضباط الأربعة، ثم تجيير الاتهام الى «حزب الله» ثم العودة الى اتهام الطرفين معا، ومعهما ايران.
واذا كان ترسيم الحدود اللبنانية السورية معطلا في مزارع شبعا بفعل استمرار الاحتلال الاسرائيلي، فإن الذاكرة اللبنانية لا تزال تسجل كيف تقاطر أحزاب وشخصيات «١٤ آذار» الى «البيال» ترحيبا بالسفير السوري الأول في لبنان علي عبد الكريم لتهنئته بعيد الجلاء الرابع والستين. يومها كانت علاقة سعد الحريري بسوريا تدخل في شهر عسل، دام سنة ونيفاً، وفي المحصلة، وبدل أن يسعى هذا الفريق الذي لطالما نادى بالعلاقات الديبلوماسية، الى تكريسها وتثبيتها ترجمة لمضمون خطابه وبيانات حكوماته، بنسج أفضل علاقة ندية مع سوريا، ها هو ينضم الى جبهة الهجوم عليها ويطلق شتى النعوت على سفيرها في بيروت ويدعو الى طرده!
والامر نفسه ينطبق على معالجة قضية السلاح الفلسطيني خارج المخيمات وضبطه داخلها، ذلك أن الجميع يدرك ان قرارا من هذا النوع له حيثياته الاقليمية والدولية، بما يتجاوز المخيمات نفسها وهيئة الحوار اللبناني، وللذاكرة اللبنانية أن تستعيد لقاء سعد الحريري بالامين العام لـ«الجبهة الشعبية القيادة العامة» احمد جبريل، وكيف أقنع الثاني الحريري بالظروف والاعتبارات التي تملي بقاء السلاح (طبعا بعد أن سخر جبريل من تقرير ديتليف ميليس الذي اتهم فيه «القيادة العامة» بالمشاركة في جريمة قتل الحريري)، لكن سرعان ما زال مفعول هذا اللقاء بعد الخروج الحريري من السلطة، ليرفع هو ومعه فريقه ملف السلاح الفلسطيني.
قد يؤخذ على حكومة نجيب ميقاتي عدم مقاربتها ملف السلاح الفلسطيني، خاصة انها التزمت في بيانها الوزاري بإنهاء وجود السلاح الفلسطيني خارج المخيمات ومعالجة الامن والسلاح داخلها على قاعدة ان حماية المخيمات وأمن الفلسطينيين فيها مسؤولية الدولة وحدها، ولكن هذا لا يعفي الحريري وفريقه من المسؤولية، خاصة ان هذا الفريق أمسك بالسلطة أثناء الحوار الأول وبعده بأربع سنوات متتالية، ومن يستعيد العبارة التي أدرجت في البيان الوزاري لحكومة نجيب ميقاتي، يجدها نفسها حرفيا مدرجة في البيان الوزاري لحكومة فؤاد السنيورة بعد اتفاق الدوحة، وهي نفسها أدرجت حرفيا في البيان الوزاري لحكومة سعد الحريري بعد انتخابات ٢٠٠٩، ومع ذلك لم تبادر حكومتا الحريري والسنيورة الى مقاربة الملف الفلسطيني، فماذا يعني ذلك، ألا يعني انه اذا كان تقصير حكومة ميقاتي مصيبة، فإنه مع تقصير حكومتي الحريري والسنيورة تصبح المصيبة أكبر؟
ما هو المنتظر من الحوار؟
كان هدف الجولة الحوارية الأولى في آذار ٢٠٠٦ بدعوة من الرئيس نبيه بري إعادة التقاط أنفاس البلد بعد الجو الانقسامي الحاد الذي نشأ اثر اغتيال رفيق الحريري، وهدفت الجولة الثانية اثر حرب تموز ٢٠٠٦، لإيجاد مظلة أمان مشتركة، وسبقها الاعتصام النيابي المفتوح الذي دعا اليه بري في آب ٢٠٠٦ لتوفير صوت لبناني موحد لفك الحصار الجوي والبحري الاسرائيلي. أما الجولة الثالثة من الحوار الذي أطلقه رئيس الجمهورية بعد انتخابه، فقد كانت محطة باتجاه احتواء الانقسام الذي أفرزته أحداث ٧ ايار، وأما الرابعة فتتجلى في الدعوة الحالية، التي تنعقد في أكثر اللحظات اللبنانية خطورة في ظل وضع محلي واقليمي ودولي شديد التأزم.
يقول القطب السياسي ان الحدث السوري وآثاره اللبنانية «هو النقطة الاساس التي تحكم مسار الحوار الجديد، والبحث في كيفية الحؤول دون انخراط لبنان في الازمة السورية، أما العناوين الاخرى، فتبقى هامشية أمام ما قد يتهدد لبنان في ما لو تسربت الازمة السورية اليه وهددت سلمه الأهلي وهذا هو خوفنا الكبير».