لماذا تبنت بعض الدول الغربية حظر الحجاب , وما هي جذور هذا التصرف , هل قرار سياسي ام ديني , وهل التوجه نحو الحجاب في ازدياد ام انخفاض ؟ هذه المواضيع تطرقنا اليها في حوارنا مع استاذ جامعة سوربون صالح عطية .
لقد بدأ الجدل الفرنسي، ومن ثم الأوروبي، حول الحجاب في عام ١٩٨٩ عندما صدر قرار بمنع ثلاث فتيات بإحدى المدارس الثانوية بمدينة كريل الفرنسية من ارتداء الحجاب. وقد تزامن ذلك مع الاحتفال بالمئوية الثانية للثورة الفرنسية ومبادئها. وهذا التاريخ له مغزى، إذ أن من مباديء الحركة التنويرية الأوروبية التي صعدت على أكتافها الثورة الفرنسية الشفافية المطلقة ومن ثم فإن حجاب المرأة الجزائرية مثلا- .بينما يناقش البرلمان الفرنسي مشروع قرار يقضي بحظر النقاب أو كما جاء في هذا النقاش "إخفاء الوجه" في الأماكن العامة وسط تأييد واسع على المستوى الشعبي وعلى مستوى النخب السياسية في فرنسا، تثور في الذهن عدة تساؤلات لعل من أهمها: هل مثل هذا الحظر هو حالة فرنسية خاصة أم أنه توجه عام في الغرب ستنتقل عدواه حتما إلى باقي الدول الغربية؟ وإذا كان الأمر كذلك فأي هذه الدول أكثر قابلية للتأثر بالنموذج الفرنسي من غيرها ؟ حول هذا الموضوع اجرى مراسل وكالة انباء التقريب (تنا) حواراً مع الاستاذ صالح عظیمه استاذ فی جامعه سوربون من فرنسا :
س١:هل مثل هذا الحظر هو حالة فرنسية خاصة أم أنه توجه عام في الغرب ستنتقل إلى باقي الدول الغربية؟
ج :تختلف الدول الأوروبية من حيث نوع ودرجة استجابتها لقضية حجاب المرأة- والذي يعتبر النقاب حالة خاصة منه- اختلافا يسترعي الانتباه ويستدعي التأمل والدراسة. ومما لاشك فيه أن الزخم الإعلامي الدائر حول حجاب الوجه هو زخم فرنسي المنبت له جذوره البعيدة في الثقافة الفرنسية وعلله القريبة في مجريات الأحداث على الساحة الشعبية والنخبوية في فرنسا في العشرين عاما الآخيرة. وقبل الشروع في تحليل الحالة الفرنسية والفرق بين فرنسا وجاراتها الأوروبية في هذا الصدد يمكن القول بوجه عام إن غطاء الرأس يمثل لدى الغرب رمزا لاستعباد الرجل الشرقي للمرأة وتهميشه لدورها حيث لايراه عامة الناس وكثير من المثقفين في السياق الغربي على أنه واجب ديني وإنما على أنه فريضة ذكورية تمثل تحكم الرجل في المرأة باسم الدين في المجتمعات الشرقية ومن ثم فهو ظاهرة سلبية يجب منعها من التسرب إلى المجتمعات الغربية. وعلى مستوى النخب السياسية يحمل الحجاب بوجه عام والنقاب بوجه خاص أبعادا سياسية هامة فيما يتعلق بدور الدين في المجال العام، ذلك الدور الذي قامت العلمانية الأوروبية بتهميشه وتحييده منذ ردح بعيد. فرجال الفكر والسياسة بالدوائر الغربية يدركون الدور التاريخي للمرأة في نشر الأديان: فقد كانت أول من آمن بنبي الإسلام وآزره هي زوجته خديجة، وبالمثل كانت أول امرأة تؤمن بالمسيح وقيامته في العقيدة المسيحية هي مريم المجدلية. وعقب أحداث ١١ سبتمبر تضاعفت أعداد معتنقي الإسلام من النساء بنسبة أربعة إلى واحد مقارنة بالرجال كما تشير أحدث الإحصائيات. وتلعب هؤلاء المعتنقات حديثات العهد بالإسلام دورا كبيرا في الوقت الحالي في نشر الإسلام والترويج للقيم الإسلامية، و ترتدي معظمهن الحجاب أو النقاب ويدافعن عن ارتدائه دفاعا مستميتا.
س٢: لماذا فرنسا بالذات؟ لماذا لايمثل حجاب الرأس أو الوجه نفس المشكلة بالنسبة للنساء المسلمات في دول أوروبية رئيسية مثل انجلترا وألمانيا؟ ج :يبدو لنا أن ثمة صراع حضارات خفي يكمن وراء اختلاف ردة الفعل حول هذا الموضوع بين فرنسا وكل من إنجلترا وألمانيا، يتمثل في الاختلاف بين العقلية اللاتينية التي تتشبث بمبادئها وتحيزاتها الثقافية مهما طال الزمن واختلفت الظروف والعقلية الأنجلوساكسونية البراجماتية التي تحركها المصالح قبل الأيديولوجيات. وليس معنى ذلك أن فرنسا هي الدولة الأوروبية الوحيدة التي تضع قيودا على حرية الزي بالنسبة للمرأة المسلمة، فهنالك حالات مماثلة للحالة الفرنسية في ألمانيا وبلجيكا وهولندا إلا أنها لا تتميز بذلك التصعيد المحموم الذي تميز به الحراك الفرنسي ضد الزي الإسلامي.
س٣: ماذا يمثل غطاء الرأس أوالوجه بالنسبة للمرأة الأوروبية المسلمة التي لا يربطها أي رابط عرقي أوثقافي بالمجتمعات الشرقية المحافظة؟ ج :حول هذا الموضوع عامل الهوية يلعب دورا كبيرا في ارتداء الأوروبيات المسلمات للحجاب رغبة منهن في تأكيد هويتهن الدينية التي تميزهن عن باقي المجتمع. ومن خلال بعض المقابلا ت التي تمت مع نساء كنديات مسلمات صرحت بعضهن بأن الحجاب هو عنصر تحرير وليس تقييد حيث يجبر الرجل على تقييم المرأة من خلال سماتها الشخصية والعقلية فقط وليس على أساس مقاييس جسدية. وهذا في رأيهن يحرر المرأة من ربقة النظرة التقليدية لها باعتبارها جسدا في المقام الأول. ومن الواضح أن انتشار هذا الوعي الجديد بين النساء في أوروبا من شأنه أن يمثل تحديا جوهريا للثوابت التي قامت عليها الحداثة الأوروبية مما قد يهددها بأزمة متوقعة. ولاينبغي أن نتوقع أن مثل هذه الأزمات الثقافية الكبرى سوف تحسم بسهولة نظرا لارتباطها بالأسس المرجعية التي تقوم عليها الحضارات.