تناول الباحث والأكاديمي التونسي علي بن مبارك في حديث خاص مع وكالة أنباء التقریب (تنا) الانتفاضة التي اجتاحت تونس وأدت الى مغادرة رئيس الجمهورية زين العابدين بن علي البلاد معتبرا أن المشهد السياسي في تونس لم يتضح لحد الآن بعد هروب الرئيس بن علي من البلاد ولكن بشكل عام فان الوضع اليوم (أمس) أفضل من أمس وهناك حالة من الترقب لدى التونسيين مشيرا الى أن البلد في النهار هادئ ولكن عمليات السلب والنهب والسطو تبدأ في الليل مؤكدا بأن هذه العمليات لا يمارسها المواطنون وانما جماعات مشبوهة مسلحة لنشر الذعر والخوف بين المواطنين وهناك من يقول أن بعض الأجهزة الأمنية الرسمية هي التي تقوم بهذه الممارسات "ولكن المتداول بين الناس أن الذين يقومون بالتخريب ليسوا مواطنين عاديين".
وأعرب مبارك عن اعتقاده بأن الأسباب التي أدت الى اندلاع الانتفاضة اجتماعية واقتصادية "ففي السنوات الأخيرة أصبحت شريحة الشباب المتعلمة والتي تحمل الشهادات والعاطلة عن العمل واسعة جدا ويصل عددهم نحو ٥٠٠ ألف شاب وهذه الفئة أصبحت تعاني من وضعية اجتماعية قاسية كالبطالة والتهميش الاجتماعي والسياسي في حين أن الثروات محتكرة من قبل مجموعة ضيقة التي تحاول استثمار حتى هذه المشاكل وتسعى الى الثراء من خلال توظيف هذه المشاكل والظروف القاسية التي يعيشها الشباب مما جعلهم يشعرون باليأس الشديد ودفعهم الى الاحتجاج على الشكل الذي ظهر.
وقال: أغلب هؤلاء الشباب لم يجدوا عملا أو أن بعض المسؤولين في الدوائر الحكومية رفضوا توظيفهم والتعامل معهم أو أنهم لم يفتحوا لهم الأبواب أو فتحوا الأبواب لغيرهم ولم يفتحوها لهم، فتراكمت المشاكل ثم تطورت ولم يضع النظام الحلول لهذه المشاكل ولوكان قد وضع الحلول منذ البداية لما توصلت الأمور الى ما هي عليه في الوقت الراهن ولما وصلنا الى هذه الحالية المزرية والمقلقة.
وحول ما اذا كانت مغادرة بن علي ستحل المشكلة أم لا قال مبارك: في الحقيقة المشهد غير واضح فالفعاليات الناشطة في الشارع تقول نحن نريد تغيير نظام لا تغيير أشخاص ولكن بشكل عام العملية غير واضحة، هل ما يجري باتفاق أم بتنسيق أو ليس كذلك، ربما ستتضح هذه الآمور في المستقبل، ولم يستبعد حل المشكلة مع رحيل بن علي عن السلطة واذا أحسن الرئيس المؤقت ادارة الأزمة فالأمر منوط بتصرف الرئيس الجديد فاذا كانت الادارة حكيمة تحسن التصرف وتكون صادقة مع الجماهير وأوفت بالوعود التي قطعتها للجماهير فربما ستؤول الأمور الى الهدوء، ولكن اذا لم يحسن الرئيس الجديد والادارة الجديدة حل الأزمة فان الأوضاع ستزداد خطورة خاصة وأن الوضع حاليا خطر للغاية. وأشار مبارك الى أن أغلب المحللين أكدوا أن الانتفاضة الشعبية التونسية اندلعت بشكل عفوي وفي البداية لم تكن منظمة مطلقا ولم يكن هناك طرف سياسي أو حزب سياسي تحكم بهذه الانتفاضة وبالتالي فانها شعبية مئة في المئة وتلقائية مئة في المئة "ربما في مرحلة لاحقة تدخلت بعض الأطراف السياسية والنقابية لتوجه هذه الاحتجاجات ولكن هذه الحركة صدقا هي حركة شعبية مئة بالمئة نبعت من الشارع وتحركت في الشارع لذلك كانت تلقائية وكانت أحيانا عنيفة وحتى فوضوية في بعض الأماكن مما نتج بضرر كبير ليس في المصالح العمومية بل حتى في الخاصة أيضا كاحراق بعض السيارات الخاصة والاضرار بالمتاجر والمنازل وبالتالي كان هناك شيء من الفوضى في هذا التحرك".
ونفى مبارك أن تكون الانتفاضة تحمل طابعا سياسيا سواء كان اسلاميا أو قوميا ومن يدعي ذلك فانه يزايد على هذه الانتفاضة فالذي حدث أن مجموعة من الشباب الذين يعانون ظروفا اقتصادية قاسية جدا انتفضوا وحتى شعاراتهم بسيطة من نوع المطالبة بالخبز والعمل وفي مرحلة أخرى طالبوا بالكرامة والحرية وهذه المطالب ربما بسيطة في ظاهرها ولكنها كبيرة في معانيها "خاصة وكما قلت أن هذه الفئة من المثقفين واسعة جدا مع الأخذ بنظر الاعتبار أن الجامعة التونسية تخرج سنويا عشرات الآلاف من الجامعيين ونتج عن هذا تراكم كبير ومشاكل وأصبحت هذه الفئة مهمشة ومن دون عمل، وفي الحقيقة الذين قاموا بهذه الانتفاضة هم هؤلاء بعيدا عن كل الشعارات السياسية، وربما ستظهر قوى تقود هذه الانتفاضة الا أن أساسها وجذورها شعبية وليست سياسية".
وأعتبر أن المستقبل غير واضح "فلا ندري هل سيحدث تحول جذري أم جزئي أم تحول فقط في الشخصيات بينما النظام الأساسي سيبقى في السلطة وبشكل عام هناك العديد من التساؤلات تنتاب كل التونسيين الذين يطمحون الى واقع أفضل وظروف اقتصادية واجتماعية أفضل وكذلك الى حرية سياسية وتعدد فكري وسياسي واقتصادي والجميع يفكر باحياء مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات بصفة العامة والحراك الفكري والثقافي الحر، لأن تونس في الحقيقة من أواخر القرن الثامن عشر كانت فضاء للفكر العقلاني والتحرري وللتعدد والتنوع منذ أواخر القرن الثامن عشر وحتى اليوم، وقد تجمد في السنوات الأخيرة، وهناك طموح لاستعادة ما كانت عليه تونس واحياؤها من جديد واعادة اللون الأخضر الى تونس لأن تونس خضراء وجميلة، ولابد من استعادة ذلك".
الهدوء عاد إلى تونس والجماهير الغاضبة مازالت في الشوارع تطالب بتغيير نظام الحكم وبناء مرحلة جديدة منفصلة على كلّ ما كان سائدا في العهد البائد، كما تأكّد أنّ أعمال الفوضى كان يقوم بها عصابات منظّمة مازات غامضة الهويّة ولم تعلن التحقيقات عن الحقيقة كاملة