توسع الرئيس الأسد في حوار شامل أجرته معه صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية في شرح تصوره للإصلاح في سورية ومتطلباته كما إلى عوائقه، في معرض تعليقه على مسار هذه العملية وفي سياق الحديث عن تطورات المنطقة ولاسيما في مصر وتونس. كما أجاب الرئيس الأسد عن الأسئلة المتعلقة بالشأن الإقليمي والدولي.
شارک :
فيما يلي مقتطفات من أبرز ما جاء في الحوار حسبما أوردتها صحيفة "الوطن" ولاسيما المرتبط بالشأن الداخلي السوري ومحيطها:
كان لدينا الكثير من الأمور لنسألك بشأنها الأسبوع الماضي. والآن أصبح لدينا أسئلة أكثر.
هذا هو الشرق الأوسط، حيث كل أسبوع هناك شيء جديد. وهكذا، مهما كان ما تتكلم عنه هذا الأسبوع فإنه يصبح لا قيمة له الأسبوع المقبل. سورية من الناحية الجغرافية والسياسية في وسط منطقة الشرق الأوسط، ولذلك فنحن على احتكاك مع أغلب المشاكل فيها إلى الأبد، لنقل سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. نشكرك ثانية لاستقبالنا، ونحن نقدر ذلك. ربما نستطيع أن نبدأ من الوضع الإقليمي الذي يطغى على جميع الأخبار. كرئيس لسورية، كيف ترى ما يحدث في تونس ومصر والجزائر والأردن؟ كيف ترى المنطقة تتغير؟ وأخيراً، ماذا يعني ذلك لسورية بالذات؟ هذا يعني أنه في حال كان لديك مياه راكدة، فسيكون لديك تلوث وميكروبات؛ وبسبب وجود هذا الركود، وعلى مدى عقود، خاصة في العقد الأخير، وعلى الرغم من التغيرات الضخمة التي تحيط بالعالم وببعض المناطق في الشرق الأوسط، بما فيها العراق، وفلسطين، وأفغانستان. لأن لدينا هذا الركود، فقد ابتلينا بالميكروبات، ولذلك فإن ما تراه في هذه المنطقة هو نوع من المرض. هكذا نرى الأمر. إذا أردت أن تتحدث عن تونس ومصر، فنحن خارج هذا الأمر. وفي النهاية، نحن لسنا تونسيين ولسنا مصريين. لا نستطيع أن نكون موضوعيين، ولاسيما أن الوضع ما زال ضبابياً وليس واضحاً. إن الأمور لم تستقر بعد، ولذلك فإن أياً كان ما تسمعه أو تقرأه في هذه المرحلة، لا يمكن أن يكون واقعياً أو محدداً أو موضوعياً. ولكنني أستطيع الحديث عن المنطقة بشكل عام أكثر من الحديث عن تونس أو مصر لأننا نشكّل منطقة واحدة. نحن لسنا نسخاً عن بعضنا لكن لدينا الكثير من الأمور المشتركة. إذن أعتقد أن الأمر يتعلق باليأس؛ وكلما كان لديك ثورة فإن من الثابت أنه سيكون هناك غضب، لكن هذا الغضب يتغذى من اليأس. اليأس مرتبط بعاملين داخلي وخارجي. الداخلي هو ما نلام عليه كدول ومسؤولين، أما الخارجي فهو ما تلامون أنتم بشأنه كقوى عظمى أو ما تدعونه في الغرب بالمجتمع الدولي، في حين بالنسبة إليهم فإن المجتمع الدولي مكوّن من الولايات المتحدة وبعض الدول الأخرى، ولكن ليس العالم كله. لذلك دعنا نشِر إلى الأخير باسم القوى الأعظم المنخرطة في هذه المنطقة منذ عقود. أما بالنسبة للعامل الداخلي فإن الأمر يتعلق بالقيام بشيء لتغيير المجتمع، وعلينا أن نواكب ونجاري هذا التغيير كدولة ومؤسسات. عليك أن تطوّر نفسك مع تطور المجتمع. لابد أن يكون هناك شي ما لتحقيق هذا التوازن، وهذا هو العنوان الأكثر أهمية. أما فيما يتعلق بالغرب فإن الأمر مرتبط بالمشكلات التي لدينا في منطقتنا، مثل غياب السلام، وغزو العراق، وما يحدث في أفغانستان، والآن تداعياته على باكستان ومناطق أخرى. وهذا أفضى إلى اليأس والغضب. ما أخبرك به الآن هو مجرد عناوين رئيسية، أما من ناحية التفاصيل فربما يكون لدينا تفاصيل للحديث عنها لأيام، في حال أردت المواصلة. أنا أعطيك فقط الطريقة التي ننظر فيها إلى الوضع بشكل عام.
أي نوع من التغيير؟ ما تعريفك للتغييرات التي تجري؟ دعنا نتحدث عما لم يتغير حتى اليوم. حتى الآن لدينا أمران جديدان فقط، ولكن إن أردت الحديث عن أمر جديد في حياتنا، فلديك آمال جديدة وحروب جديدة. لديك الكثير من الأشخاص الذين يأتون إلى سوق العمل وهم من دون وظائف ولديك الحروب التي تولد اليأس. إذا فهناك تغييرات داخلية وأخرى خارجية، بالطبع إذا أردت الحديث عن التغييرات داخلياً، فلابد أن يكون هناك نوع مختلف من التغييرات: سياسية واقتصادية وإدارية. هذه هي التغييرات التي نحتاجها، ولكن في الوقت نفسه عليك أن تطور المجتمع وهذا لا يعني أن تطوره من الناحية التقنية من خلال تطوير الكفاءات، بل يعني أن تفتح العقول. في الحقيقة، المجتمعات خلال العقود الثلاثة الماضية ولاسيما منذ فترة الثمانينيات أصبحت أكثر انغلاقاً بسبب تزايد انغلاق العقول ما قاد إلى التطرف. هذا التيار سيقود إلى تداعيات تتسم بإبداع أقل وتنمية أقل وانفتاح أقل. لا يمكنك إصلاح مجتمعك أو مؤسستك من دون أن تفتح عقلك، إذاً فإن القضية الجوهرية هي كيف تجعل العقل منفتحاً والمجتمع بكامله منفتحاً وهذا يعني الجميع في المجتمع وهذا يتضمن كل فرد فيه، أنا لا أتكلم عن الدولة أو عن الناس العاديين، أنا أتحدث عن كل شخص لأنك عندما تغلق عقلك كمسؤول لا يمكنك أن تتطور والعكس صحيح. هذا من الداخل، أما من الخارج، فما دور الغرب؟ لقد مر الآن نحو عشرين عاماً منذ بدأنا عملية السلام عام ١٩٩١. ما الذي حققناه؟ إن الطريقة السهلة للإجابة عن هذا السؤال هو القول هل الوضع أفضل أم أسوا؟ نستطيع على سبيل المثال القول إن الوضع أفضل بنسبة خمسة بالمئة عما كان عليه عندما بدأنا عملية السلام، أستطيع أن أقول لك بصراحة إن الوضع أسوأ بكثير ولذلك لديك المزيد من اليأس، هذه هي النتيجة النهائية. وإذا أردت الحديث عن المقاربة فأنا أتحدث دائماً عن أن الأمر يمضي إلى حلقة مفرغة من اليأس وخصوصاً عندما تتكلم عن السلام. إنني أتحدث الآن عن السلام. لديك عوامل أخرى: لديك المفاوضات ثم الآمال المبالغ فيها التي أعقبها الفشل، ومن ثم يأتي أمل آخر وفشل آخر وهكذا فإن الخط البياني ومع مرور الوقت آخذ بالهبوط، وهذا ما يحدث، قدر قليل من الارتفاع وقدر أكبر من الهبوط، وهذا أحد الأمثلة عن السلام.
أما داخلياً، فإن الأمر يتعلق بالإدارة وبمشاعر الشعب وكرامته، بمشاركة المواطنين في اتخاذ القرارات المتعلقة ببلدهم، إن الأمر متعلق بقضية مهمة أخرى. أنا لا أتحدث بالنيابة عن التونسيين أو المصريين، أنا أتحدث بالنيابة عن السوريين، وهو أمر نتبناه دائما، لدينا ظروف أصعب مما لدى أغلب الدول العربية ولكن على الرغم من ذلك فإن سورية مستقرة، لماذا؟ لأنك يجب أن تكون مرتبطا بشكل وثيق جداً بمعتقدات المواطنين، هذه هي المسألة الجوهرية. عندما يكون هناك اختلاف بين سياستك وبين معتقدات الناس ومصالحهم سيصبح لديك هذا الفراغ الذي يخلق الاضطراب، إذاً فالناس لا يعيشون فقط على المصالح بل أيضاً على المعتقدات وخصوصاً في الميادين العقائدية، ولن يكون بإمكانك فهم ما يجري في المنطقة إلا إن فهمت الناحية العقائدية للمنطقة.
إذا كانت سورية في صف واحد مع شعبها فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، لماذا يشكل الإصلاح السياسي مثل هذا التحدي داخلياً؟ هذا أمر تعمل عليه لكن الناس يشعرون بأنه لم يتم تحقيق تقدم كبير فيه. بدأنا الإصلاح منذ أصبحت رئيساً. لكن الطريقة التي ننظر بها إلى الإصلاح مختلفة عن الطريقة التي تنظر بها أنت إليها، بالنسبة إلينا لا يمكن أن تضع الأحصنة أمام العربة، إذا أردت أن تبدأ يجب أن تبدأ بـ١.. ٢.. ٣.. ٤ لا يمكنك أن تبدأ بـ٦ ومن ثم تعود إلى الواحد، بالنسبة لي الرقم «١» هو تماماً ما ذكرته للتو: كيف تطور المجتمع بكامله. بالنسبة لي كدولة ومؤسسات الأمر الوحيد الذي يمكن عمله هو، لنقل، إصدار بعض المراسيم والقوانين.. من الناحية الفعلية هذا ليس إصلاحاً. الإصلاح يمكن أن يبدأ ببعض المراسيم لكن الإصلاح الحقيقي يتعلق بكيف تجعل المجتمع منفتحاً وكيف تبدأ حواراً.
المشكلة مع الغرب أنهم يبدؤون بالإصلاح السياسي ومن ثم التوجه نحو الديمقراطية.. إذا كنت تريد المضي نحو الديمقراطية فإن أول أمر يجب أن تفعله هو إشراك الشعب في صنع القرار لا أن تقوم بإصدار القرار.. هذه ليست ديمقراطيتي كشخص بل هي ديمقراطيتنا كمجتمع.. إذا كيف تبدأ؟ تبدأ بخلق حوار.. كيف تخلق حواراً؟ نحن لم يكن لدينا في الماضي إعلام خاص ولم يكن لدينا انترنت أو جامعات أو مصارف خاصة. كل شيء كانت تديره الدولة.. لا يمكنك أن تخلق الديمقراطية التي تسال عنها بهذه الطريقة.. لديك طرق مختلفة لخلق الديمقراطية.
هل الشعور بأنك عندما تفعل ذلك قبل أن تفتح عقول المواطنين فإن النتيجة ستكون التطرف؟
لا ليس لهذا السبب، بل السبب هو أن الحوار ممارسة وعليك أن تدرب نفسك على كيفية إجراء الحوار، وعندما تكون لا تتكلم، وفجأة تتكلم، فإن ما يحدث هو أنك لا تتكلم بالطريقة الملائمة أو الطريقة البناءة.. نحن نتعلم.. ولكن نتعلم من أنفسنا. أنت لا تتعلم من أي شخص.
في هذا العالم.. وعندما يكون لديك إصلاح لابد أن يكون إصلاحاً وطنياً.. يمكنك أن تتعلم إذا رغبت، من تجارب الآخرين أو من أحد مظاهر هذه التجارب ولكن لا يمكنك أن تعتنق التجربة بكاملها.. أول أمر يجب أن تتعلمه هو كيف تجري حواراً وكيف تجعله بناء.. وهكذا بدأنا نجري حوارا في سورية من خلال الإعلام قبل ست أو سبع سنوات مضت. اليوم أفضل من ست سنوات مضت.. لكنه ليس الوضع الأمثل. ما زال أمامنا طريق طويل لنمضي فيه
لان الأمر هو عملية متواصلة.. لو أنني نشأت في ظروف مختلفة لكان علي أن أدرب نفسي، ولنكون واقعيين علينا أن ننتظر الجيل المقبل لجلب هذا الإصلاح.. هذا أولاً، ثانياً في سورية لدينا مبدأ مهم للغاية أتبناه شخصيا.. وهو إذا أردت أن تكون شفافاً مع شعبك فلا تفعل أي شيء تجميلي سواء كان الهدف خداع شعبك أو لتحصل على بعض التصفيق من الغرب.. هم يريدون انتقادك، دعهم ينتقدون ولا تقلق.. فقط كن شفافاً مع شعبك وأخبرهم أن هذا هو الواقع.. ما تفعله اليوم قد يكون سيئاً الآن ولكن جيد جداً العام المقبل.. إذن الوقت مهم بالنسبة للإصلاح وذلك يعتمد على مدى ما يمكنك المضي به إلى الأمام.. وبالعودة إلى عامل الركود، نحتاج إلى مياه متدفقة ولكن كم ستكون سرعة تدفقها.. إذا كانت سريعة جداً يمكن أن تكون مدمرة أو يمكن أن يتسبب بفيضان.. لذلك لابد أن تجري المياه بسلاسة.
مما رأيناه في تونس ومصر خلال الأسابيع الماضية هل يجعلك ذلك تفكر بأن هناك بعض الإصلاحات التي يجب أن تقوم بتسريعها؟ وهل هناك أي قلق من أن ما يحدث في مصر يمكن أن يصيب سورية؟
إذا لم تكن قد رأيت حاجة للإصلاح قبل أن يحدث ما حدث في مصر وفي تونس فإن الوقت سيكون قد تأخر كثيراً للقيام بأي إصلاح.. هذا أولاً. ثانياً، إذا قمت بالإصلاح فقط بسبب ما حدث في مصر وتونس فسيكون مجرد رد فعل وليس فعلاً.. وطالما كان ما تفعله هو رد فعل فإنك ستفشل.. إذا من الأفضل أن تفعل ذلك عن قناعة.. لأنك مقتنع به.. وهذا أمر نتحدث عنه في كل مقابلة وكل اجتماع.. نحن دائماً نقول إننا نحتاج إلى الإصلاح ولكن أي نوع من الإصلاح.. هذا أولاً.. ثانياً، إذا أردت أن تجري مقارنة بين ما يجري في مصر وسورية فعليك أن تنظر من زاوية مختلفة.. لماذا سورية مستقرة على الرغم من أن لدينا ظروفاً أكثر صعوبة؟ مصر مدعومة مالياً من الولايات المتحدة بينما نحن تحت الحظر الذي تفرضه أغلبية دول العالم.. لدينا نمو على الرغم من أننا لا نملك الكثير من الاحتياجات الأساسية للناس.. وعلى الرغم من كل هذا لا تجد الناس يخرجون في انتفاضة.. لذلك فالأمر لا يتعلق فقط بالاحتياجات وليس فقط بالإصلاح ولكنه متعلق بالعقيدة والمعتقدات والقضية.. هناك فرق بين أن تكون لديك قضية وبين أن يكون هناك فراغ.. إذاً كما قلت لدينا الكثير من الأمور المشتركة ولكن في الوقت نفسه لدينا بعض الاختلافات.
إذا وبطريقة ما يجب أن يكونوا قادرين على التحرك بشكل أسرع أليس كذلك؟
بالضبط.. وما يحدث هو العكس.. إنهم يطلبون منك المضي في الإصلاح بشكل أسرع ويفرضون في الوقت نفسه حظراً. إن جزءاً من المضي أسرع يتعلق بالأمر التقني وجزء من المشكلة هو كيف تطور إدارتك لأنه وفي النهاية كل شيء في المجتمع سيكون مرتبطاً بالإدارة مثل القوانين والنظام القضائي وقضايا تقنية أخرى.. وما لم تفعل ذلك من أجل اقتصاد أفضل وأداء أفضل فإن الناس لن يكونوا راضين.. والنقطة الأكثر أهمية في أي إصلاح هي المؤسسات.. لا يمكن أن تكون لديك ديمقراطية من دون مؤسسات.. لا يمكن أن يكون لديك ديمقراطية على أساس أمزجة لأشخاص ذوي مصلحة خاصة. إذا فالبداية تكمن في الحوار والمؤسسات.
هل تعتقد بأننا نمضي نحو حقبة جديدة كلياً مع قوى جديدة مثل تركيا وسورية؟
إنها حقبة جديدة ولكنها لم تبدأ الآن.. هذه هي النقطة.. لقد بدأت مع الثورة الإيرانية. ولكن تلك هي المشكلة فنحن دائماً ننسى.. ليس لدينا ذاكرة.. نحن ننسى أن أمرا حدث في إيران عام ١٩٧٩ ومن ثم ولأنه لم يحدث أي أمر مماثل فيما بعد نسينا.. ولكن هذه نفس الحقبة. إنها انتفاضة ضد أي شخص يريد معارضة ما يؤمن به الشعب.. وكما قلت أنا شخص يرى الأمور من الخارج الآن ولا أستطيع الحديث عما يحدث في الداخل هناك وأريد أن أكون محدداً وموضوعياً.. ولكن هذه ليست بداية حقبة. ربما في العالم العربي هي كذلك ولكن إيران جزء من منطقتنا فهي على حدود العراق.. وكان لدينا انتفاضة في العراق عام ١٩٩١ ضد صدام لكنه جرى قمعها بدعم من الولايات المتحدة وخصوصاً في الجنوب.. لقد منعوه من اضطهاد الأكراد لكنهم سمحوا له باضطهاد السكان في الجنوب، وهم الشيعة في ذلك الوقت.
هل تعتقد أنه خلال هذه الحقبة وما تتضمنه سيكون للولايات المتحدة نفوذ أقل؟
في هذه الحقبة كان لدينا إيران ولدينا الانتفاضة في فلسطين عام ١٩٨٧ وأيضاً عام ١٩٩٣ والآن تجدها في العالم العربي.
إذاً فإنه المفهوم نفسه ويتمحور حول اليأس والغضب. في فلسطين هناك إحباط بسبب اتفاق أوسلو وقبل أوسلو لأنه ليست لديهم حقوق، والآن الانتفاضة هي ضد ما يحدث في العالم العربي.. والجديد فيها هو أنها تحدث داخل بلدان مستقلة في العالم العربي.. إنه أمر جديد ولكنني لن أدعوها حقبة جديدة لأنها ليست حقبة جديدة بل هي شيء جديد سيغير الكثير من الأشياء، على الأقل في الطريقة التي نفكر بها كحكومات وكمسؤولين فيما يتعلق بشعوبنا. هذه هي أهم نقطة، والأمر الآخر الذي سيتغير هو الطريقة التي سينظر بها الغرب والقوى العظمى إلى منطقتنا والطريقة التي سينظرون بها إلى دولنا ومسؤولينا.. هل تريد شيئاً فقط ليسترضيك أم تريد شيئاً يسترضي الناس؟ هذا هو السؤال، أي منهما ستختار؟ هذا هو السؤال الذي على الغرب أن يجيب عنه بأسرع وقت ممكن من أجل أن يعرف كيف يتعامل مع مصالحه في المنطقة. إذاً هو أهم أمر بالنسبة إلينا وهو الطريقة التي ينظر بها الغرب إلى الوضع وما الدروس التي سيتعلمونها.
هل تعتقد أن الغرب أو الولايات المتحدة سيكون لها تأثير أقل أو إمكانية أقل لإملاء الأوامر بسبب هذه التغيرات؟
هذه هي المرة الأولى التي نسمع كلمة «إملاء» من الغرب لأننا يطلق علينا لقب الدكتاتورات والدكتاتور هو الذي ينبغي أن يملي الأوامر.. والجواب هو نعم لأنكم تملون من خلال المسؤولين والحكومات ولكنكم لا تستطيعون الإملاء من خلال الشعب وطالما أن الشعب سيكون له الكلمة الأكبر في المستقبل فسيكون لكم في الولايات المتحدة بعد ذلك الكلمة الأكبر وليس فقط في الولايات المتحدة ولكن أي أحد يريد التأثير على المنطقة من الخارج.
لبنان
هل يمكنك التحرك باتجاه لبنان؟ هل أنت راض عن تشكيل حكومة جديدة هناك وهل تعتقد أن لبنان يسير نحو تحقيق بعض الاستقرار؟
ما يسعدني هو أن هذا الانتقال بين الحكومتين حدث بسلاسة لأننا كنا قلقين كما أعربنا عن قلقنا قبل وخلال الأسابيع القليلة الماضية حول الوضع في لبنان لذلك فإن النقطة الأكثر أهمية هي أن هذا التحول حدث على نحو سلس. والآن فإن مرحلة الانتقال الثانية لا يمكن تحقيقها قبل تشكيل الحكومة والسؤال الآن هو من أي نوع ستكون هذا الحكومة؟ هل هي حكومة وحدة وطنية؟ هذا السؤال مهم جداً لأننا نتحدث عن بلد منقسم وليس عن حكومة مستقرة لذلك فإنه من دون حكومة وحدة وطنية لن يكون هاماً جداً ما لديك من الأغلبية أو الأقلية، وهذا يعني لاشي، لأنه إن كان لديك جانب يتغلب على الجانب الآخر فإن هذا يعني صراعاً.
وفي لبنان ومنذ ٣٠٠ سنة كان من السهل جداً وقوع صراع قد يتطور إلى حرب أهلية كاملة.. حتى هذه اللحظة كل شي يسير على ما يرام لذلك فإننا نأمل أن يشكلوا خلال هذا الأسبوع حكومة وحدة وطنية وهذا هو الهدف من وجود رئيس الوزراء ولذلك أعتقد أن الوضع متجه للأفضل أو نحو التأكد من أن الأمور تسير بشكل طبيعي وسلس دون أي صراع.
هل يمكنك الإسهاب في هذه النقطة لأنه فيما يبدو فسورية والسعودية والممثلتين بشكل رئيسي بك وبالملك عبد اللـه كان لديهما اتفاق بشأن لبنان ومن ثم غادر الملك إلى الولايات المتحدة وبدا أن تلك كانت نهاية المسألة، هذا هو ما أحسسنا به ولكن هل هناك أي شيء يمكنك إخبارنا به عن ماهية الاتفاق ولماذا في النهاية لم ينفذ. هل السبب هو ما قاله الأميركيون للملك عبد اللـه عندما كان في نيويورك.. لكن أياً كان ما تم الاتفاق بشأنه فإنه لم يتحقق.
منذ إنشاء المحكمة وجزء من اللبنانيين يتساءلون لماذا لدينا محكمة دولية؟ لم لا يكون لدينا محكمة لبنانية؟ وهذا أمر واقعي ومنطقي. إذا كنت تريد أن يكون لديك محكمة وطنية ليس لديها القدرة على التعامل مع جريمة معقدة فلماذا لا تتوقع أن يكون لديك خبراء من الخارج، بمساعدة بعض البلدان أو بمساعدة الأمم المتحدة والأمران سيان. إذا فهم ضد المحكمة الدولية على أي حال.. والبعض يقول لم لا يكون لدينا محكمة عربية بدلاً من ذلك؟ إذا لدينا وجهات نظر مختلفة.. البعض مقتنع بأن المحكمة مسيسة والتسريبات والتي هي مختلفة عن «ويكيليكس» والتي تدعى «بتسريبات الحقيقة» في لبنان بشأن تسجيلات لبعض الأشخاص الذين أرادوا تزوير أدلة وشهود مزيفين أصبحت واضحة الآن... ولذلك كان هناك الكثير من اللغط بشأن هذه المحكمة وبشان مصداقية وحرفية هذه المحكمة.
ولأننا نرى بأن هذه المحكمة ستخلق مشكلات قلنا دعونا نجد حلولاً.. الطرف الأول وهي المعارضة قالت نحن لا نحتاج إلى المحكمة على الإطلاق.. دعونا ننشئ محكمة لبنانية ولا نقبل بأي محكمة دولية.. بينما قال الطرف الآخر إننا سنقبل بالمحكمة ولكن لدينا شروطاً داخلية ومتطلبات وشيئاً يتعلق بالإدارة في المقابل. لا أذكر هذه الأشياء الآن.. إنها تفاصيل صغيرة.. ولكن هكذا كان الاتفاق وكنا قريبين جداً من التوصل إلى الاتفاقية النهائية عندما اتصل الملك عبد اللـه وقال إن الأمر لن ينفع لأن أحد الأطراف ليس مستعداً، ولأنه كان يتحدث عبر مكبر الصوت في الهاتف فإننا لم نناقش التفاصيل. بالطبع لدينا علاقات جيدة مع الملك عبد اللـه إلا أنني لم ألتق معه بعد أو مع ابنه الأمير «عبد العزيز» الذي كلف أداء هذه المهمة.. والآن هم انتقلوا إلى المغرب.. أعتقد ذلك. وهو آت قريبا إلى سورية.. إذا فقد مرت ثلاثة أسابيع الآن ونحن لا نعلم ما حدث تماماً.. نحتاج لمقابلتهم من أجل معرفة ما حدث وما السبب في أن طرفاً ما ليس مستعداً، من الشخص المسؤول عن ذلك، لا أعلم.
لا توقيع لاتفاق مع وكالة الطاقة الذرية هل لي أن أسأل سؤالاً أوسع؟ وأنا أعلم أن القضية الكبرى في هذه المنطقة من إيران إلى سورية إلى إسرائيل هي وجود منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل ومن الأسلحة النووية. من ناحية، أنا أعلم أن سورية وبلداناً أخرى مهتمة جداً في دفع الإسرائيليين إلى توقيع معاهدة حظر الانتشار النووي تحت إشراف دولي وهذا لا يحدث، ولكن في الوقت نفسه هناك القليل من النزاع مع الوكالة بشأن مزاعم بأن سورية تسعى خفية إلى هذا النوع من التكنولوجيا النووية. هل يمكنكم الحديث عن ذلك وكيف يمكن الوصول إلى منطقة خالية من الأسلحة النووية وإنهاء نزاعكم مع الوكالة الدولية وفيما إذا كان هناك طريقة لاتخاذ قرار بشأن اتهاماتهم تلك لكم؟
لقد كنا عضواً في مجلس الأمن لعامي ٢٠٠٢ و٢٠٠٣، وكان هناك مشروع سوري في ذلك الوقت بشأن إخلاء الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، وبالطبع الذين عارضوا ذلك هم إدارة بوش، لأنه يضم إسرائيل، والواقع أنه «أي المشروع» لا يزال هناك، وأعتقد أنهم أعطوه الصيغة الزرقاء، وذلك يعني أنه غير مفعل. هذه هي وجهة نظرنا: الشرق الأوسط منطقة صراع منذ قرون وليس عقود.
فيما يتعلق بوكالة الطاقة الذرية، إسرائيل هاجمت هذا الموقع وقلنا إنه موقع عسكري. بالطبع في البداية لم يقولوا إنه موقع نووي. هم انتظروا مدة ثمانية أشهر وبعد أن أعدنا بناء الموقع قالوا إنه كان موقعاً نووياً. ينبغي عليهم معاقبة الولايات المتحدة وإسرائيل، وخصوصاً الولايات المتحدة، لماذا الانتظار ثمانية أشهر للقول إنه موقع نووي، هذه هي النقطة الأولى، والنقطة الثانية هي ما حدث مع الوكالة، طلبوا منا أن يرسلوا خبراء، ولأننا واثقون جداً قلنا لهم يمكنكم المجيء وجاؤوا وأخذوا عينات وذهبوا إلى فيينا، كما أعتقد، وبعد ذلك قالوا إنهم اكتشفوا بعض الجسيمات من الإشعاعات، وأنت تعرف أنه إذا كان لديك منشأة نووية فإنك لن تسمح لأحد في العالم أن يأتي إذا أردت أن يبقى الأمر سراً. هذا أولاً، ثانياً قالوا إن إسرائيل هاجمت موقعاً نووياً قيد الإنشاء، وقبل أن يبدأ العمل. إذا كان قيد الإنشاء، وقبل أن يبدأ العمل، فكيف يمكن أن يكون لديك هذه الجسيمات؟ من أين أتت؟ لأنك لا تجلب المواد إلى الموقع حتى يبدأ العمل، فهل هذا صحيح؟ هذا ثانياً. ثالثاً كيف يمكنهم تدمير موقع دون ضحايا ودون أي خطط طوارئ لأنه مفترض أن يكون نووياً؟ وماذا عن الإشعاعات؟ كل واحد بإمكانه الذهاب إلى الموقع فهو مفتوح ويمكنك أن تعبر بجانبه، لذا فهو واضح للجميع أنه لم يكن موقعاً نووياً، ولكن السؤال هو: لماذا انتظروا مدة ثمانية أشهر؟ لأنه عندما تنتظر ثمانية أشهر ونحن نعيد بناء الموقع فإنه من السهل عليك أن تقول إنه كان، هل تفهم ذلك؟ نعم.
وهل تعتقدون أنه يمكن حل هذه المشكلة مع وكالة الطاقة الذرية؟
نعم، أعتقد. نحن الآن نتناقش معهم. معظم القضايا تقنية وقانونية في الواقع.
هل ستسمحون بكل ما يحتاج إليه ذلك التفتيش ومهما كانت الوكالة تريد أن تفعل أو أنتم لا تزالون تتفاوضون معهم؟
لا، في الواقع هناك تعاون بين سورية والوكالة الدولية فيما يتعلق بالأشياء العادية مثل هذا المفاعل وهذه الكعكة الصفراء، إنها لا تراه إلا كل ستة أشهر أو سنة، لدينا قواعد، ولكن هذه المرة طلبوا إلى سورية أن توقع البروتوكول الإضافي الذي يمكنهم أن يأتوا أي وقت. لا، نحن لن نوقع.
في أي وقت وفي أي مكان؟ لا، نحن لن نوقع. يمكن أن نتبع فقط لمعاهدة عدم الانتشار لأننا من الدول الموقعة عليها وليس لدينا أي مشكلة، لا أحد سيقبل التوقيع عليه، وهذا شيء متعلق بالسيادة: أن تأتي أي وقت للتحقق من أي شيء تحت عنوان فحص الأنشطة النووية يمكنك من التحقق من أي شيء. لدينا العديد من الأمور السرية مثل أي بلد آخر ولا أحد سوف يسمح لهم.
أريد فقط أن أعرف من نقطة البداية لأنكم كنتم تقولون إن التغييرات في المنطقة بدأت من الثورة الإسلامية في إيران عام ١٩٧٩، ثم في الوقت نفسه أنتم ببساطة تعرفون أن ما حدث ويحدث في الأسابيع الأخيرة أوحى أن هناك عهداً جديداً في العالم العربي نفسه، أريد فقط أن أؤكد هل ترون أن هناك حقبة جديدة ناشئة ولا أحد يرى بالضبط ما سوف تكون ولكن هذا هو مجرد تصوركم الخاص، يعني أننا في حقبة جديدة حيث يكون لدى الناس أنفسهم صوت أكثر، والولايات المتحدة والدول الأخرى الذين يرون في هذه البلدان مثل، كما تعلمون، مصر، الأردن، أنه يمكن أن تنجح في دفع سياساتها. تلك الحقبة على وشك الانتهاء. كيف ترون ذلك؟
لن أقول نهاية لأنه في النهاية أنا لا أطيع الولايات المتحدة، ولكن أود أن أقيم علاقات جيدة مع الولايات المتحدة، أود أن أقيم الحوار والحوار يعني التفاعل، وهذا لا يعني أن نقول لا، لا، لا. أنا لا أريد أن أتأثر بك. علينا أن نتأثر ببعضنا البعض. لذا، اسمحوا لنا أن نكون معتدلين وواقعيين. لا، لا أعتقد أنه يجب على كل شخص قطع علاقته مع أي أحد من هذه القوى العظمى، ولكن أعتقد أن الأمر يتعلق بشيئين سواء كان إيجابياً أو سلبياً. الجانب الايجابي: هل سيكون هناك عهد جديد نحو مزيد من الفوضى أو نحو مزيد من المأسسة؟ هذا هو السؤال. لذا هذا ما قلته في البداية لا تزال هناك ضبابية، لا يمكننا فهم الأسباب حتى نرى النهاية والنهاية غير واضحة حتى الآن.
وهل ذلك يحمل درساً لسورية وأنتم كيف تنظرون إلى ذلك الأمر؟
بالنسبة للجميع، طبعاً لا تستطيع أن تقول إنك لم تتلق درساً.
والدرس هو أن تتحرك بشكل أسرع أو أبطأ؟
إن الشيء الجيد في سورية هو أن الكثير من الأمور التي تحدثت عنها كتحليل، شيء ما بإمكاننا اعتماده، ولكن كم يمكن أن تكون بعيداً عن الناس، هذا هو السؤال، سواء فيما يخص القضايا الداخلية أو فيما يتعلق بالقضايا الخارجية، أنا لدي علاقات وأستقبل العديد من المسؤولين من الولايات المتحدة وأنا أتحدث عن التعاون لكنهم لا يلومونني لأنني لست دمية.
لذا، كنت تشعر في المدى القصير أنه لا يجب عليك حقاً أن تفعل ذلك لأنك تحت مرأى شعبك، ولكن على المدى الأبعد فإن القضية هي بناء المؤسسات وذلك النوع من البطء في الإصلاحات بدلا من التسارع بها.
تماماً، لأنه حتى لو كنت تريد التحدث عن الديمقراطية والمشاركة، وينبغي أن يكون من خلال المؤسسات. لذا، قم بتوسيع هذه المشاركة من خلال تحسين وتطوير هذه المؤسسات.
بالتأكيد، كثير من الناس الذين يقولون لا، الدرس يجب أن يكون إصلاحاً سياسياً أسرع، تمثيلاً للشعب أسرع بكثير وتحسين حقوق الإنسان؟
أنا لا أعتقد أن الأمر يتعلق بالوقت، بل يتعلق بالأمل، لأنه إذا قلت إنه في فترة خمس سنوات أو عشر سنوات يمكن أن يكون ذلك، إذا كان الوضع فسيكون أفضل، فإن الناس صبورون في منطقتنا. والمشكلة هي إذا أخبرتهم أنني لا أرى أي ضوء في نهاية النفق، هذه هي المشكلة، لذلك فإن المسألة ليست كونه أسرع أو أبطأ وأعتقد أن أسرع يمكن أن تكون جيدة ولكنها قد تكون سيئة، أسرع يمكن أن يعني المزيد من الآثار الجانبية، أبطأ لا يمكن أن تكون جيدة ولكن يمكن أن يعني آثاراً جانبية أقل، وهكذا، كل شيء له مزايا وعيوب، علينا أن نكون واقعيين، كلاهما جيد.
هل تشعر وكأنكم تسيرون بالسرعة المناسبة؟
عليك أن تتحرك. وهذا هو سبب قولي ما دام لديك المياه المتدفقة ليس لديك ركود وليس لديك تلوث. وهكذا، التدفق بسرعة أو ببطء، كل واحد له مزايا. هذه هي الطريقة التي ينبغي لنا أن ننظر إلى الأمر بها أكثر من القول كم سرعته. لا أعتقد أن السؤال هو عن السرعة؟ بل هل تتحرك أم لا، هذا هو السؤال.
وهل يمكن وضع مسألة حقوق الإنسان في هذه المؤسسات؟
نعم. بالطبع ينبغي أن يكون جزءاً منه ولكن في النهاية حقوق الإنسان هي كيف.... عندما أتحدث عن المجتمع، وكيف كل مجتمع يفهم مسألة حقوق الإنسان وفقا لتقاليده، لأنك تتحدث عن منطقة أيديولوجية، تتحدث عن آلاف السنين من التقاليد، لا يمكنك أن تفعل أي شيء بشأن ميثاق الأمم المتحدة، ينبغي أن يكون الأمر متعلقاً بميثاق هذه الثقافة. ولهذا أنت تحتاج لهذه المناقشة، إنها ليست شيئاً أتيت به. أنت تحتاج لحوار وطني وتحتاج أن تفهم أنه في هذه المنطقة لديك - التنوع الكثير - وأنا لست أتحدث عن الاستقطاب. في بعض الأحيان لديك ثقافتان مختلفتان تعيشان في نفس المكان وليست ثقافة واحدة، إذاً لديك الكثير من الثقافات.
أعتقد أنه يمكنكم الإشارة إلى أنكم تتحركون في حوار وطني، أليس حواراً وطنياً، ما الأشياء الثلاثة التي يمكن أن تشيرون لها أولاً وما الذي يجري في سورية؟
هذا يعتمد على الأولويات. دعونا نقُل إن الأولوية يجب أن تستند إلى عاملين: العامل الأول حيث يمكنك التحرك على نحو أسرع، والعامل الثاني هو الأكثر إلحاحاً، أنه أكثر إلحاحاً بالنسبة للشعب، عندما أصبحت رئيساً كان الاقتصاد هو الأمر الأكثر إلحاحاً لأنك أينما كنت تذهب فهناك فقر والوضع يزداد سوءاً يوماً بعد يوم، ونحن لدينا خمس سنوات من الجفاف وهذه هي السنة الخامسة حيث إننا لا نملك ما يكفي من المياه وبذلك، سيكون لدينا إنتاج أقل من القمح. لقد اعتدنا تصدير القمح والقطن كل عام لكن هذا العام لدينا مشاكل وسيكون لدينا هجرة. هذا العام ثلاثة ملايين سوري من أصل ٢٢ مليون سوري سيتأثرون بالجفاف وهكذا فهذه هي أولويتنا الآن.
صحيح، لأنه يمكن للاقتصاد التحرك بشكل أسرع.
ولكن بعد أحداث ١١ أيلول، أي بعد أن أصبحت رئيساً لسورية بسنة واحدة ثم في بداية عام ٢٠٠٢ كان غزو أفغانستان وبعدها غزو العراق ثم الفوضى والتطرف الذي نتج بسبب هذه السياسة الخاطئة، وأصبحت أولى أولوياتي الاستقرار حتى قبل الغذاء. ولذلك أنت تغير الأولويات وفق الظروف، وهكذا يصبح الاستقرار أولاً: كيف تستطيع أن تجعل بلدك مستقراً؟ كيف تستطيع أن تمنع مجتمعك من التطرف؟ كيف تستطيع محاربة الإرهاب لأن لديك خلايا نائمة في كل مكان في هذه المنطقة؟ ثانياً: الاقتصاد، هذه هي الأولوية الملحة الثانية. ثالثاً: يمكن أن يصبح لدينا كل شيء آخر. وهكذا، الإصلاح في السياسة مهم ولكنه ليس هاماً وملحاً بقدر أن الناس يستيقظون كل يوم ويريدون أن يأكلوا، أن يتمتعوا بصحة جيدة، أن يرسلوا أولادهم لمدارس جيدة، هذا هو الذي يريدونه، أنا أريد أن أشعر بالطمأنينة في بلدي، هذا هو هدفي.
لديكم وضع مستقر بشكل معقول بالقدر الذي يمكن حصوله في الشرق الأوسط، برنامجكم الاقتصادي يستمر قدماً، إذاً هل ستحتل موضوعات الإصلاح السياسي وحقوق الإنسان الصدارة حالاً؟
بالتأكيد، أنت تتقدم، نحن فعلنا ذلك، ولكن أنا أتحدث عن الأولويات، ذلك لا يعني لاحقاً، أنا أتحدث عن العمل بالتوازي ولكن أيهما الأسرع وأيهما تركز عليه أكثر. مثلاً، إصلاح الإدارة المحلية هام جداً قبل القانون، نحن جعلناها الأولوية رقم واحد لأن هنا حيث ينتخب الشعب، الآن يستطيعون انتخاب مجالس بلدياتهم، ولكننا نريد تعديل هذا القانون ليصبح أكثر ديمقراطية وأكثر فاعلية لأن الناس في كل مكان يتعاملون أولاً مع مجالس بلدياتهم، وهكذا هذا الموضوع رقم واحد، في الواقع، نحن أجلناه بسبب الصراع، لقد اتخذنا القرار في عام ٢٠٠٥ في أحد المؤتمرات الحزبية، في ذلك الوقت بدأ الصراع من قبل فرنسا، وبريطانيا، والولايات المتحدة وآخرين في محاولة لزعزعة استقرار سورية. نحن قلنا: حسناً، دعونا ننس ذلك لدينا شيء جديد. الآن، نحن جادون جداً لإنهائه. الأمر الآخر هو المجتمع المدني، نحن بحاجة لتحسين المجتمع المدني، الآن نحن بصدد إتمام قانون المجتمع المدني. نحن نناقش هذا القانون لأكثر من عامين، لماذا؟ لأننا ذهبنا إلى كل مكان من الغرب إلى الشرق لنرى أفضل نموذج يمكن أن نستخدمه، وفي الحقيقة بعد أن أنهيناه، أعطى الكثير من الأشخاص من المجتمع المدني ملاحظاتهم وقالوا يجب تغييره، والآن نحن نعمل على تغييره.
هذان هما الموضوعان اللذان تريد على الأرجح رؤيتهما هذه السنة؟
ليس هذه السنة. لا أعرف إذا كان بإمكاننا أن ننجز الإدارة المحلية هذه السنة لأنه مثلاً استغرقنا ٥ سنوات لتغيير قانون العمل لأننا نملك اتحادات قوية في سورية، هم اعترضوا ورجال الأعمال اعترضوا وقد استغرقنا ٥ سنوات حتى صغناه السنة الماضية. ذلك لم يكن سهلاً، ثم أحيل على مجلس الشعب وكان هناك الكثير من المناقشات حوله، أتوقع أن نصوغ قانون الإدارة المحلية في نهاية هذه السنة، أما قانون المجتمع المدني فكان من المفترض أن ينتهي السنة الماضية ولكن لأننا أردنا إجراء المزيد من الدراسات مع مختلف الأطراف، قلنا حسناً دعونا نؤجله للسنة المقبلة.
ذلك يمنح المنظمات غير الحكومية والمنظمات الأخرى بشكل أساسي دوراً أكبر؟
لدينا أقل من ٢٠٠٠ منظمة غير حكومية في سورية ولكننا نريد أن نجعله قانوناً أكثر فاعلية حتى يصبح لدينا منظمات غير حكومية أكثر، أقل بيرقراطية وأشياء مثل ذلك.
لقد أجلتم القانون للسنة المقبلة، هل تقصد من العام ٢٠١٠ حتى عام ٢٠١١؟
في الحقيقة، كان من المفترض أن يكون في كانون الأول، فإذاً عندما نتكلم عن العام المقبل فهذا يعني شهراً أو شهرين.
إذاً فالعام لتنفيذه هو العام الحالي؟
في الحقيقة، كان من المفروض أن يتم السنة الماضية، والآن يمكن أن ينتهي الشهر المقبل. الآن نحن في بداية شهر شباط. في بعض الأحيان، الموضوع لا يتعلق بالوقت لأن الكثير من الناس يريدون المشاركة وهذا جيد، وفي بعض الأحيان نقول دعونا نؤجله لأنه عندما يكون لديك الكثير من المشاركين فإنهم سوف يدعمونه، إذا قمت بعمل ذلك بمشاركة أقل فإنهم سوف يهاجمونه. لذلك من الأفضل أن يكون هناك إجماع، هذا مهم جداً للاستقرار، إنه أحد أهم المبادئ، كلما كان لديك إجماع أكثر على كل شيء حصلت على استقرار أكثر وتقدمت للأمام بهدوء أكبر وهذا يعني سيكون لديك أعباء أكثر وبالتالي أبطأ ولكن أكثر استقراراً.
هل هناك أي تغيير في مجال وسائل الإعلام؟ أعلم أنك تحدثت عن ذلك.
نحن نتحدث حالياً عن نظرة جديدة لوسائل الإعلام وبالطبع أزلنا بعض العقوبات لأننا في بعض الأحيان نقوم بأشياء رئيسية ونقوم بعملية تصحيح بشكل مؤقت حتى نجد الشكل الجديد. لذلك نحن لا نريد التوقف، نحن في سورية ديناميكيون جداً، نقوم بالأشياء الصغيرة، ولكن عندما يكون لدينا رؤية واضحة نعمل أشياء كبيرة، إصدار قانون أساسي لنغير كل شيء، في بعض الأحيان لا نملك هذه الرؤية فيما يخص موضوعاً ما، الفرق بين وسائل الإعلام ومواقع الانترنيت والمواقع الجديدة. لذلك أجلته - قانون النشر، ليس واضحاً بالنسبة لنا ما الفرق بين النشر والتجارة الالكترونية، إلى آخره.
خطتك للسنوات الخمس طموحة جداً. هل تعتقد أنه بإمكانك تحقيق هذه الأرقام بالنسبة للنمو الاقتصادي مع العقوبات وكل شيء؟ ٦-٧% في السنة.
إنها ٥%. ولكن الموضوع لا يتعلق بالأرقام على أية حال، لأننا جربنا الأرقام وكان لدينا دائماً أرقام أفضل في مختلف الظروف خاصة فيما يتعلق بسورية، والموضوع كيف تجعلها شاملة، هي ليست شاملة لأنها لا تملك إدارة جيدة. نحن نحسن الإدارة لكنها ليست جيدة كما ينبغي أن تكون لتجعل هذا الرقم شاملاً.
وهذا يعني الوظائف بشكل أساسي!
نعم، بالتحديد، لأننا الآن في البداية لدينا القليل من الناس الذين لديهم هذه الأرقام، وهذا طبيعي في البداية، نحن نتحدث عن الملايين والملايين، لدينا بعض المئات الذين استفادوا أكثر من الآخرين، في الماضي، كان من العادة أن يكونوا أقل، أقل بكثير، حالياً كيف نجعلها شاملة ذلك هو التحدي وأنت لا تستطيع أن تجعلها شاملة إذا لم تطور الإدارة، ولكن يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن ٦٠% من مجتمعنا فلاحون وبذلك فإن تقريباً ٦٠% من اقتصادنا سوف يعتمد على المياه. لذلك عندما يكون لديك نقص في المياه سوف يكون لديك نقص في النمو، تعلم أنني كنت طبيباً وأتذكر أنه في عام ١٩٩٢ أحد أصدقائي الذين تخرجوا من كلية الطب ذهب لمنطقة زراعية وعاش هناك، أتى لزيارتي، وسألته «كيف حال عملك»، قال لي «ليس جيداً لأنه ليس هناك مطر»، قلت «كيف ذلك؟، أنت طبيب...» قال «لأنه ليس هناك مطر فإن الكثير من الناس يؤجلون حتى عملياتهم للسنة القادمة». وهكذا تستطيع أن تتخيل كم يؤثر المطر في كل ناحية من اقتصادنا، ولذلك فإن أربع سنوات من الجفاف قد أثرت في اقتصادنا على نحو مثير. لهذا السبب من الصعب أن أقول إن لدي خطة واضحة في كل شيء، كما ترى هناك الكثير من العوامل المعقدة التي تؤثر بك.
يمكنك أن تقول إن تركيا حالياً هي أكبر شريك اقتصادي لكم، أعني أنه يبدو أن تركيا تشكل نموذجاً للاستثمار.
إنها النموذج لأنه لدينا نفس المجتمع ونفس العادات. إنها نموذج، في النهاية ليس لديك نموذج كامل لتتخذه كاملاً، ولكن بعض العناصر منه لأنه في النهاية اعتاد الغرب دعم تركيا، والآن الغرب يقف ضد تركيا، لديهم تكنولوجيا أكثر تطوراً وليس لدينا تكنولوجيا، نحن لا نتحدث عن الإصلاح بل نتحدث عن التكنولوجيا أيضاً، ليس هناك إصلاح من دون كفاءات عالية المستوى. جامعاتنا كانت تحت الحظر، فكيف يمكنني أن أملك الموارد البشرية؟ لديهم أفضل الموارد البشرية، في النهاية يجب أن تنظر إلى كامل مسار الأحداث وكامل السياق، لا نستطيع أن نتعامل معها كما هي اليوم، تركيا اليوم وسورية اليوم أنها ليست اليوم.
هل التكنولوجيا هي أسوأ جزء من العقوبات الأميركية؟
لا، في الواقع هناك ما هو أسوأ من التكنولوجيا، لدي أحد أصدقائي عمل في الولايات المتحدة لأكثر من ١٢ عاماً ويملك مختبراً طبياً وهو لا يستطيع أن يستورد المواد الأولية لمختبره. ذلك يؤثر في حياة الناس إذا لم يكن لديك المعاير الصحيح لتحاليل المختبر مثلاً. ذلك يعني أنك تعطي نتائج خاطئة للناس، أنت تشخص إصابة بالسرطان لشخص ما في حين أنه لا يعاني منه، ما الذي فعله الناس للولايات المتحدة ليستحقوا ذلك؟ وفيما يتعلق بالطائرات، ما شأن السياسة بالناس الذين يقضون بسبب حوادث الطائرات. لكن من وجهة نظر أخرى نحن أسرع قوة نامية من حيث عدد مستخدمي الانترنت في الشرق الأوسط وهذا يرجع لطبيعة السوريين، فهم شعب منفتح عموماً على المجتمع يريدون التعلم وهم ناجحون، لدينا مغتربون في العالم وكنا على تواصل مع كل أرجاء العالم منذ ١٥٠ عاماً على الأقل أكثر من أي بلد آخر في الشرق الأوسط وعدد المغتربين لدينا أعلى من أي بلد آخر في المنطقة، عدد اللاجئين الفلسطينيين هو ٥ ملايين في حين أن عدد المغتربين السوريين بالحد الأدنى الذي نعرفه هو ١٠ ملايين وهو يشكل ضعف العدد والبعض يقول إن عدد المغتربين السوريين هو ١٨ مليوناً لذا يمكننا أن نفهم التنوع الثقافي داخل مجتمعنا، كما نملك هذا التواصل مع بقية أنحاء العالم. لذا لا يمكننا أن نقول إن هذا الحظر كان يقتل سورية. كلا، إنه يؤثر في قطاعات معينة من الناحية الإنسانية. في النهاية يمكنك الحصول على هذه المواد من السوق السوداء... اعتاد شراء المواد من الولايات المتحدة وهذا العام اشترى المعدات والمواد من فرنسا فعلى سبيل المثال، هو لم يشترهم من الولايات المتحدة. اشترينا مؤخراً طائرتين، ليستا بالكبيرتين، بمراوح من فرنسا في نهاية المطاف لم نشترها من الولايات المتحدة. العالم يتجهون بشكل أكبر نحو أوروبا والآن يمكنك أن تشتري من الصين ويمكنك أن تشتري من الهند والآن نحن انتقلنا بهذا الاتجاه، اتجهنا نحو الشرق اعتدنا النظر نحو الغرب الآن ننتقل نحو الشرق وهذا أمر هام ونحن لسنا الوحيدين حتى الدول التي تتمتع بعلاقات جيدة مع الولايات المتحدة الأميركية، حتى حلفاؤهم، ليسوا متأكدين أن الولايات المتحدة ستساعدهم في يوم ما، أرادوا أن ينوعوا مصادرهم وعلاقاتهم ومصالحهم وكل شيء، يريدون أن يقيموا علاقات جيدة خصوصاً مع الصين والهند.