الردّ على اغتيال قادة النّصر واجب وكلّ الشعوب تريد أن تتلقّى أمريكا صفعة كبيرة
تنا
الدكتور طلال عتريسي: الرد على عملية الاغتيال هو واجب في كل الأحوال سواء بمنطق العدل الذي يقول "من اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثله" أو في منطق العقل الذي يقول بأنك "إذا تعرضت للعدوان يجب أن ترد على هذا العدوان" أو بمنطق الحسابات السياسية والإستراتيجية والمعنوية والنفسية
شارک :
ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي حواراً مع الأستاذ في الجامعة اللبنانيّة السيّد طلال عتريسي يجري فيه التطرّق إلى مسؤوليّة الشعوب بعد اغتيال قادة النصر، التداعيات الأمنيّة والثقافيّة على المنطقة وشعوبها التي سيحملها عدم الردّ على مثل هذه الممارسات وإن كان الردّ سينحصر بشعوب المنطقة أو سيمتدّ إلى الشعوب خارج هذه المنطقة، وهنا يشير السيّد عتريسي إلى أنّ كلّ شعوب العالم تريد أن تتلقّى أمريكا صفعة كبيرة.
ما هي مسؤوليّة الشعوب بعد اغتيال شخصيّات مثل اللواء سليماني وأبومهدي المهندس؟
الشهيد "الحاج قاسم" و الشهيد "أبو مهدي المهندس" استُشهدا من أجل قضية عادلة ومحقة. هذه القضية تلخصت في السنوات الأخيرة في مواجهة الإرهاب المتمثل في تنظيمات داعش وأمثالها سواء في العراق أو في إيران أو في سوريا أو في بلدان أخرى. وتمثلت أيضاً في مواجهة الهيمنة الأمريكية والتي كانت مرتبطة أيضاً باستخدام تنظيمات مثل داعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية. هذا المشروع الذي استُشهد من أجله "الحاج قاسم" و"الحاج أبو مهدي" هو مشروع تحرّر بلدان وشعوب المنطقة من هذا الاتجاه التفكيري والإرهابي، ومن الهيمنة الأمريكية. هذا الاتجاه يحظى بتأييد غالبية شعوب المنطقة على الرغم من وسائل الإعلام التي تصور الأمر بطريقة مختلفة، أقصد بعض وسائل الإعلام العربية أو حتى الأجنبية.
ولهذا السبب شاهدنا في تشييع هذين الشهيدين ومن استُشهد معهما كيف خرج الملايين بين العراق وإيران تعبيراً عن الارتباط بهذا المشروع وتعبيراً عن تأييد هذين الشهيدين وتعبيراً عن تأييد الجهود والتضحيات الكبيرة التي بُذلت في هذا المجال. لهذا السبب هناك مسؤولية معنوية وميدانية وسياسية وأخلاقية في الالتزام بهذا المشروع وعدم التوقف لا في منتصف الطريق ولا في آخر الطريق. إن عدم التوقف، والالتزام بهذا المشروع بالنسبة إلى شعوب المنطقة وبالنسبة إلى القوى السياسية الحيّة التي تحمي هذا المشروع يعني الاستمرار في الضرب على رأس هذا الإرهاب وهذه الجماعات التكفيرية كأداة في يد الولايات المتحدة الأمريكية، والضرب على القواعد الأمريكية في المنطقة، الضرب السياسي والإعلامي والنفسي والميداني والتحريض ضد هذا الوجود وإيذاء هذه القوات لتشعر بالألم من إستمرار وجودها في بلادنا.
قد يختلف هذا الأمر بين بلد وآخر وبين طرف وآخر من حيث الأساليب التي ستُستخدم من أجل الإستمرار في هذا المشروع سواء في محاربة الإرهاب أو في مواجهة القوات الأمريكية والهيمنة الأمريكية بين من يمكن أن يقوم بعمليات مباشرة ضد هذا الاحتلال، وبين من يقوم بالتعبئة المعنوية والثقافية، وبين من يعمل بشكل مترابط في بعض الجبهات لإضعاف حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية ولمواجهتهم، ربما البعض ينجح في ضرب الإرهاب فيُضعف الأدوات الأمريكية التي تُستخدم للهيمنة وللتمدد ولنشر الفتن في بلادنا.
مسؤولية شعوب المنطقة تجاه هذين الشهيدين الكبيرين العظيمين الذين ساهما في تغيير المعادلات والتوازنات في المنطقة هي مسؤولية كبيرة وعندما نقول بأن الولايات المتحدة الأمريكية تتراجع في المنطقة ويتراجع نفوذها حتى في العالم فهذه هي تحليلات الأمريكيين أيضاً والغربيين أيضاً والفرنسيين بشكل رئيسي. وهذا التراجع لم يحصل بالصدفة، ولم يحصل بسبب سوء تصرف الولايات المتحدة الأمريكية، وإنما حصل بسبب المقاومة التي تصدت للجيوش الأمريكية في منطقتنا في العراق وفي سوريا بشكل رئيسي، ومن لعب الدور الأساس في هذه المقاومة هما الحاج "قاسم سليماني" والحاج "أبو مهدي المهندس". ولهذا السبب، نعم شعوب المنطقة تحمل على عاتقها هذه المسؤولية المعنوية والأخلاقية والسياسية في متابعة هذا الخط وهذه المسيرة ويبدو أن هذا المشروع يتقدم خصوصاً عندما ننظر إلى الإدارة الأمريكية الضعيفة والمترددة التي تنسحب بشكل عشوائي ومهين ومذل من أفغانستان، وشعوب تنتظر أن يُستكمل هذا الإنسحاب من العراق ومن سوريا أيضاً.
ما هي التداعيات الأمنيّة والثقافيّة التي سيحملها عدم الردّ على مثل هذه الممارسات تجاه المنطقة وشعوبنا؟
في الواقع، شعرت شعوب المنطقة بألم كبير وعميق بعد إستشهاد "الحاج قاسم" و"الحاج أبو مهدي". كانت صدمة كبيرة عشناها وراقبناها وشاركنا فيها ولاحظنا وراقبنا كيف كان الحزن يعم مختلف الأوساط الاجتماعية والسياسية والثقافية، وهذا فعلاً كان شيئاً غريباً. بعض الناس لم تكن تعرف "الحاج قاسم" من قرب، لكن عندما شاهدت ورأت وسمعت وتعرفت على هذه الشخصية تبدل حالها كانت ترتدي الأسود والحزن وأنا شاهدت الكثير في المجال. كان هناك نوع من الانتماء إلى هذه الشخصية أي إلى "الحاج قاسم" بشكل خاص، ربما بسبب ما عرفه الناس بعد ذلك عن جهاده وتضحياته على امتداد أربعين عاماً، وشخصيته ومعنوياته وعرفانه وسلوكه. أيضاً الطريقة التي استُشهد بها هي طريقة الغدر والخيانة وليست المواجهة في المعركة ربما لو استُشهد في المعركة خلال مواجهة عسكرية، ربما كان الأمر مختلف، لكن في عملية الغدر من هذا النوع وهو يأتي في زيارة معلنة وليست سرية وهو ينتقل بشكل مكشوف وليس مخفي، هذا الأمر زاد من تعاطف الناس ومن ألم الناس ومن حقد الناس أكثر على السياسة الأمريكية وعلى هذا التعطش الدموي عند الولايات المتحدة الأمريكية وعلى الرئيس الأمريكي [السابق] "دونالد ترامب" الذي تباهى بأن هو من أعطى الأمر بالقتل وبارتكاب الجريمة. كل هذه المعطيات تجعل الناس تشعر بالرغبة في الانتقام لهذين الشهيدين، لأنهما قُتلا بهذه الطريقة، لو قُتلا في المعركة ربما لم يكن هناك وجود لمثل هذا الشعور أو لهذه الرغبة بالانتقام.
لهذا السبب، الناس كانت تتوقع ولاتزال تتوقع أن يكون هناك رد يُشفي غليل الناس التي تكره الولايات المتحدة، تكره سياساتها وتعلقت بهذين الشهيدين، وتؤيد أيضاً مشروع هذين الشهيدين يعني من جهة هناك تعلق عاطفي ونفسي وإنفعالي، وهناك من جهة أخرى ارتباط بهذا المشروع. إيران قامت بالرد وقصف قاعدة "عين الأسد" وكان هذا نوع من الرد يُشفي غليل جزئي للناس، لكن المشكلة أن أي رد لا يضاهي حجم "الشهيد سليماني" ولا حجم "الشهيد المهندس" حتى رأس ترامب نفسه في ذلك الوقت ربما كانت الناس لتقول بأنه نعم هذا ممكن أن يكون ثمنا لعملية الغدر والاغتيال.
لاتزال الناس والشعوب تنتظر وتتوقع وأعتقد أنه يمكن أن نميّز بين الوعي السياسي الذي يربط الرد بإفشال المشروع الأمريكي في المنطقة يعني عندما نقول بأن الرد هو بإخراج الولايات المتحدة الأمريكية من غرب آسيا نعم هذا رد مرتبط بوعينا السياسي وبإفشالنا للمشروع الأمريكي وبضرب النفوذ الأمريكي في المنطقة، لكن الوعي الشعبي لدى عموم الناس ربما يحتاج إلى أن يرى الرد بطريقة أخرى وأن يرى رداً مماثلاً في ضرب شخصيات مماثلة أمريكية أو غير أمريكية.
لهذا السبب نحن إذا كنا لا نستطيع أن نقوم بالرد بنفس الطريقة يجب أن يكون لدينا القدرة على توضيح ماذا يعني الرد وأهمية الرد الإستراتيجي خصوصاً وأننا في هذا المحور وفي هذا المشروع، القوة التي تقود هذا المشروع والتي استُشهد من أجلها "الشهيد سليماني" قد لا تمارس الغدر ولا القتل بهذه الطريقة. لهذا السبب هنالك حاجة للتوضيح لعموم الناس أن الرد الذي نتوقعه ونطمح إليه هو إخراج الولايات المتحدة الأمريكية. هذه أهداف "الشهيد سليماني" هذه أهداف "الشهيد المهندس"، نعم بهذه الطريقة يمكن أن تُعوض الناس عن توقعاتها بأن يكون الرد بالطريقة المماثلة لكن الناس في كل الأحول تتمنى وتطلب وتريد أن تشعر بأن هناك من رد على اغتيال هذين الشهيدين.
من وجهة نظركم، هل الردّ الانتقامي والرامي إلى تحقيق العدالة في موضوع اغتيال اللواء سليماني وأبومهدي المهندس واجب عاطفي أو عقلائي أو مزيجٌ من كلا هذين الأمرين؟ بعبارة أخرى، هل ينبغي التطلّع إلى التحرّكات الساعية لتحقيق العدالة بعد اغتيال واستشهاد اللواء سليماني وأبومهدي المهندس على أنّها خطوات تستند إلى "مشاعر" الناس أو أنّها بمثابة واجب "عقلي" (ممزوج بالمشاعر)؟
الرد على عملية الاغتيال هو واجب في كل الأحوال سواء بمنطق العدل الذي يقول "من اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثله" أو في منطق العقل الذي يقول بأنك "إذا تعرضت للعدوان يجب أن ترد على هذا العدوان" أو بمنطق الحسابات السياسية والإستراتيجية والمعنوية والنفسية أنك يجب أن ترد حتى لا يشعر العدو بأنك في الموقع الأضعف وبأنه يمكن أن يكرر مثل هذا الاعتداء وبالتالي الرد هو أمر منطقي وضروري ومطلوب وإيران ردت مباشرة ـ كما أشرنا ـ وقصفت القاعدة الأمريكية وهذا كان إعلان بأن إيران لن تسكت وبأن منطق الرد موجود أو القدرة على الرد موجودة وقد حصلت. لكن بالنسبة إلى كل عملية الرد نعم هناك جوانب عاطفية موجودة عند كل الناس بمختلف مستويات وعيهم أنهم يريدون انتقاما قوياً يزلزل الولايات المتحدة الأمريكي ويزلزل الرئيس الأمريكي ويعيد الثقة إلى الناس عموماً، ليس فقط في البلدان العربية والإسلامية، بل في كل العالم الذي يشكو من الهيمنة الأمريكية ومن الغطرسة الأمريكية ومن الحصار ومن العقوبات ومن التهديدات الأمريكية. كل الناس تريد أن تتلقى الولايات المتحدة الأمريكية صفعة كبيرة.
اليوم الولايات المتحدة الأمريكية تتلقى صفعات هادئة وناعمة من بعض الدول الكبرى عبر إفشال بعض مشاريعها في مجلس الأمن وغيره، لكن في نفس الوقت الناس تحتاج إلى توجيه صفعة إلى الولايات المتحدة بنفس الطريقة التي تقوم هي فيها بالاعتداء على الآخرين. لهذا السبب، الرد ليس مسئلة عاطفية فقط ـ نعم الجانب العاطفي هو جانب مهم ـ والجانب العقلي هو جانب حتمي وضروري والأمر من جهة، نعم هو يلبي مشاعر الناس ويطفئ غضب الناس ومن جهة ثانية هو تثبيت لمعادلات الردع لأنه لا يكفي تلبية مشاعر الناس بل يجب أيضاً الحفاظ على معادلة الردع يعني منع الولايات المتحدة الأمريكية أو أي قوة أخرى مثل الكيان الصهيوني من التفكير في الاعتداء مجدداً وبهذه الطريقة. إذن الرد هو أمر ضروري على كل المستويات، يحمل الأبعاد العاطفية والنفسية والعقلانية والإستراتيجية وهذا أمر ضروري في معركة مفتوحة من هذا النوع ومع مثل هذه القوى كالولايات المتحدة الأمريكية.
هل ينحصر واجب الردّ على مثل هذه الممارسات الإرهابيّة التي أسفرت عن استشهاد اللواء سليماني وأبومهدي المهندس بشعوب المنطقة، أو من الممكن أن يمتدّ ليصل إلى الشعوب خارج هذه المنطقة أيضاً؟
الرد على هذه العملية وعلى هذا الاغتيال والغدر برأيي هو مسؤولية شعوب المنطقة بالدرجة الأولى، وإن كان الأداء للولايات المتحدة الأمريكية حالة موجودة في كل العالم، موجودة في أمريكا اللاتينية موجودة في روسيا موجودة في الصين موجودة في بلدان كثيرة في إفريقيا هناك حالة عامة مشتركة بسبب السياسات العدوانية الأمريكية وسياسات النهب وسياسات الحصار الاقتصادي للشعوب وسياسات الاستكبار على الناس وعلى موارد الناس ونهب الثروات وسرقتها والاشتغال بالفتن. في كل العالم هناك كراهية للولايات المتحدة الأمريكية، لكن في منطقتنا تحديداً نحن نقوم بمواجهة عسكرية مباشرة وهذا غير موجود في بلدان العالم الأخرى، يعني الصين تقوم بمواجهة إعلامية بمواجهة اقتصادية بمواجهة في مجلس الأمن وفي غير ذلك، روسيا أيضاً ودول أخرى أيضاً تواجه الحصار الأمريكي، لكن نحن في منطقتنا في غرب آسيا تحديداً نواجه الحصار الأمريكي والاحتلال الأمريكي المباشر ونواجه ميدانياً القوات الأمريكية وأدواتها مثل تنظيمات داعش وغيرها. لهذا السبب، من المتوقع أن يكون الرد هو من جانب شعوب المنطقة وقوى المقاومة في المنطقة كما يحصل في العراق على سبيل المثال من عمليات لأبطال الحشد الشعبي من وقت إلى آخر ضغوط على تجمعات عسكرية أمريكية وضغوط لإخراج القوات الأمريكية من العراق وهذا قد ينسحب على سوريا أيضاً .
في منطقتنا يجري قتال لحلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في بعض الدول العربية على سبيل المثال، إذن الرد المتوقع والممكن والذي يجري فعلياً هو في منطقتنا وهذا ما يحصل حقيقةً، لكن الإنسان يتمنى أن يكون هناك ضغوط على الولايات المتحدة الأمريكية وعلى أساليبها وعلى سياسات الغدر ليكون هناك دعم لشعوب منطقتنا من باقي شعوب العالم. قد لا يتمكن الآخرون في بلدان أخرى من القيام بعمليات عسكرية ضد الولايات المتحدة الأمريكية، لكن بإمكانهم القيام بأعمال إعلامية وثقافية وتحريضية أمّا في بلادنا، فنحن نخوض هذه المعركة مباشرةً، وهذا جزء من المواجهة الحضارية التي نخوضها، مشروع التحرر والإستقلال السياسي والاقتصادي والثقافي الذي استُشهد من أجله "الشهيد قاسم سليماني" و"الشهيد أبو مهدي المهندس". طرد الاحتلال من بلادنا وقطع يد الهيمنة الأمريكية من بلادنا هذه هي مسؤولية شعوبنا، ومن المؤكد أن النجاح والتقدم في هذا المشروع وهو يجري بهدوء سيؤثر على باقي بلدان العالم، كما ذكرنا أنه في تراجع النفوذ الأمريكي في العالم لعبت شعوب منطقتنا دوراً كبيراً وهي التي ساهمت في هذا التراجع بسبب المواجهة الميدانية مع الاحتلال الأمريكي، وقد إستفاد العالم من هذا التراجع وإستفادت القوى الكبرى من هذا التراجع وأصبح العالم اليوم يسير باتجاه تعدد الأقطاب، إنتهى عهد التفرد الأمريكي. نحن في منطقتنا، خضنا منذ أكثر من 30 عاما هذه المواجهة مع النفوذ الأمريكي ومع الاحتلال الصهيوني ومع حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية.