لكلّ طائفة في لبنان حصّتها من السّلطة ـ وكلّ من له حق وفق الإتّفاق اللبنانيّ طبعاً ـ يأخذ حقّه بشروطه وقوّته، إلّا الإنتخابات الرّئاسيّة والّتي هي من نصيب الّلبنانيّين المسيحييّن الموارنة تحديداً، فغالباً ما يكون الرّئيس توافقيًّا، بمعنى أن تتّفق عليه كلّ أصقاع الأرض ، فضلاً عن الأطراف الدّاخليّة.
شارک :
ويعتبر لبنان مختبر القوى الأقليميّة والدوليّة في عمليّة تحديد حجم كلّ لاعب، محلّيًّا كان أم إقليميًّا أم دوليًّا؛ والإستحقاقات الّلبنانيّة واحدة من بارومترات معرفة من يفرض شروطه ومرشّحيه على السّاحة اللبنانيّة. في هذه اللحظة المفصليّة في المنطقة، وإعادة رسم المشهد من جديد، بعد أن طُرحت كل السّيناريوهات الممكنة في عقول ومخيّلات إستراتيجييّ العالم، بين فرض وقائع على الأرض في سوريا ولبنان والمنطقة عمومًا عبر الضّغط من بوابة التّكفيريّين تارة والإقتصاد والسّياسة طورًا، وبين محور ممانع يفرض خياراته بقوّة العزيمة والإرادة والتصدّي، فإنّ الإستحقاق الرّئاسيّ المقبل على لبنان، لا ينّفكّ عن هذه المعطيات والتّطوّرات ، وهذا ما يفرضه إستحقاقاً من نوعٍ أخر، علّه يكون هذه المرّة لبنانيًّا بحتاً بعدما فرضت جهة لبنانيّة نفسها على السّاحة الإقليميّة، ووضعت حدّاً لكثيرٍ من المتطفّلين.
في ما يلي نعرض لمستجّدات الإستحقاق، بناءً على تصريحات دوليّة وإقليميّة، ومواقف ممثّلي الأطراف الّلبنانيّة.
في المواقف الغربيّة: أوّلًا مع الولايات المتّحدة الأمريكية، حيث تسعى للملمة أوضاعها، بعدما تبدّلت المعادلات الدوليّة، فحتّى الآن لم تفصح عن موقفها في موضوع الإستحقاق الرّئاسيّ اللبنانيّ بما يريح تابعيها الّلبنانيّين، الّذين يتأمّلون أن تشير على أحد منهم، فيحالفه الحظ ويمتلك كرسيّ القصر؛ ووفق تصريح مسؤول في البيت الأبيض ليس للإدارة الأميركيّة “مرشح”، وأنّها ستأخذ موقفها من أيّ رئيس طبقاً لأفعاله والتزاماته القرارات الدّوليّة.
الفاتيكان سلّم المعنييّن أسماء الصّالحين للوصول للرّئاسة ومواصفاتهم أمّا المرجعية الرّوحيّة لمسيحي العالم، والسّاعية لاعطاء دور أكبر لهم في الشّرق، خاصّة بعد حملات التّكفير الّتي تجهد لقتلهم وطردهم؛ وبما أنّ لبنان البلد الوحيد في المنطقة الّذي يحكمه رئيس مسيحيّ، فهي معنية مباشرة بالإستحقاق، وتؤكّد إهمّية اجرائه في موعده، وتحدّد مواصفات تمكّن حسب رأيها من تثّبيت دور المسيحيّين في الشرق. وفي هذا السياق أكّدت مصادر صحفيّة أنّ " الفاتيكان سلّم الجهات الدّوليّة المعنيّة بالملف الرّئاسيّ لائحة ضمّت أسماء أربعة أثّبتوا نجاحهم في الدّاخل والخارج، متمكنين من ترسيخ وجودهم في المنطقة، ولعب دور همزة الوصل بين مكوّنات المجتمع الّلبنانيّ".
وهنا لا بدّ من التّوقف عند تصريح البطريرك المارونيّ الكاردينال بشارة الراعي قبيل سفره إلى سويسرا الأسبوع الماضي؛ وفحواه أنّه يشجع إنتخاب رئيس توافقيّ، لا ينتمي إلى فريق الثّامن ولا الرّابع عشر من آذار؛ ويكون مقبولاً من الشّعب وقادراً على جمع الأطراف المتناحرة، وأن لا يثير إنتخابه أزمة جديدة؛ وهو حدّد مواصفات الرّئيس القوّي على الشّكل الآتي: قويّ بأخلاقه وتاريخه وتجرّده وإيمانه بالدّولة، وبعلاقاته العربيّة والإقليمية والدّوليّة.وهو ما قرأت فيه الأطراف الّلبنانيّة إستبعادًا لمرشّحي القوى المسيحيّة الكبرى على السّاحة؛ وأعقبته بلبلة في الوسط المسيحيّ، والمارونيّ تحديدًا؛ لكنّ البطريرك نفى بعد عودته إلى لبنان ما نُسب إليه في هذا الخصوص.
مواقف الأطراف الدّاخليّة: الحريري طلب من المستقبل عدم إعطاء مواقف حول الإستحقاق تشهد السّعودية ـ حيث إقامة زعيم تيّار المستقبل سعد الحريري الدّائمة ـ سلسلة من الإجتماعات يشارك فيها، بالإضافة إلى الحريري رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة وأعضاء من وزراء التّيار ونوّابه، وبعض مسؤولي التيار الّذين كُلّفوا الإتّصال ببعض الأطراف اللبنانيّة؛ ورشح عنها أنّ الحريري لم يقرّر بعد العودة إلى لبنان، ما يؤشّر إلى عدم التّأكّد من حصول الإستحقاق؛ فضلًا عن عدم جهوزيّة قوى ١٤ آذار بعد للإجتماع بسبب تعدّدية التّرشيحات فيها أوّلً، وثانيًا لأنّ إجتماعها رهنٌ بمعرفة إسم المرشّح الّذي يؤيّده التّيّار والقرار الرسميّ محصور بالحريري. لذلك طلب الأخير، بحسب المعلومات المتداولة، تحاشى إعلان مواقف قد تُفهَم خطأ بتأييد هذا المرشّح أو ذاك؛ ووفق المعلومات أيضًا فقد أبلغَ الحريري من التقاهم أنّ الصّورة ليست واضحة بعد، وأنّه في صدد إجراء مشاورات دوليّة بشأن الإستحقاق الرئاسيّ"؛ لكنّ هذه المعلومات لا تلغي ما تردّد على لسان أكثر من مسؤول في حزب القوّات الّلنانيّة ـ قبل وبعد ترشّح جعجع ـ أنّ الحريري يدعم سمير جعجع للرئاسة الأولى؛ ويلتقي مع تصريح النّائب عن تيار المستقبل عاصم عراجي بأنّ جعجع هو المرشّح الأوفر حظّاً لإنتخابات رئاسة الجمهوريّة. وهو ما أثار بلبلة في أوساط السّنّة في لبنان.
الرّئيس نبيه برّي بناءً على معلومات صحافية فإنّ اتصالًا هاتفياً جرى بين رئيس مجلس النّواب نبيه برّي والبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أول من أمس وقبل عودة الأخير من سويسرا أمس، أبلغ فيه برّي البطريرك أنّه يتّجه مبدئيا إلى الدعوة إلى عقد جلسة عامّة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية بعد ١٦ نيسان الجاري.
مرشح ٨ آذار بين الفصح ونهاية نيسان وبحسب معلومات صحفيّة عن وزير حزب الله الحاج محمد فنيش قوله أنّ "هذه القوى وقبل توجيه الدّعوى لعقد جلسة لمجلس النّواب حول الإستحقاق الرّئاسيّ، في الفترة الفاصلة بين عطلة الفصح ونهاية هذا الشّهر، ستعلن إسم مرشّحها الموحّد للرّئاسة، والّذي يرجّح أن يكون العماد ميشال عون، أو النّائب سليمان فرنجية، إذا قرّر عون عدم السّير في معركة مواجهة مع رئيس الهيئة التنفيذيّة في "القوات اللبنانيّة" سمير جعجع، على أن تترك للمجلس النّيابيّ التّصويت"
الوزير بطرس حرب أعلن وزير الإتصالات بطرس حرب قرار التّرشّح لرئاسة الجّمهوريّة، ليس لأنّه يريد العمل بصمت أو من تحت الطّاولة للوصول إلى الرّئاسة، بل لأنّه يريد أن يتفرّغ للعمل المنتج حالياً، “والبلد لا ينقصه مزيد من المرشحين، بل يحتاج إلى قليل من الهدوء وقليل من الجدّية ويحتاج إلى العمل. وانا اعتبر أنّ البلد اهم مني ومن إعلان ترشيحي” كما صرّح لصحيفة السفير الّلبنانيّة.
نديم الجميّل: جعجع يمثّل قيم بشير الجميّل ومبادئه وفي موقف يعكس في ثناياه توجّه حزب الكتائب في الملف أكّد عضو كتلة الكتائب” اللبنانيّة النّائب نديم الجميّل أنَّ الحزب لم يجتمع بعد لإختيار مرشّحه، أو تأييد أيّ مرشّح من خارجه”، لكنّه في المقابل يؤكّد “حقّ رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في الترشّح وطرح برنامجه الإنتخابيّ”؛ ويصفه بأنّه أحد المناضلين الّذين يحملون قيم بشير الجميل".
حزب الله أعربت مصادر نيابيّة عن أملها أن تساعد الأجواء الإيجابية الّتي سادت أثناء الجلسات التشريعية لمجلس النواب، على تخطي مرحلة الإستحقاق الرئاسي بسلام، بعدما وعد رئيس المجلس نبيه بري بتحديد موعد الجلسة الأولى لانتخاب الرئيس اللبناني الجديد قبل نهاية نيسان الجاري، علماً أنّ المهلة الدستورية تنتهي في ٢٥ ايار المقبل.
وبحسب المعلومات الإعلاميّة المتداولة، فإنّ "حزب الله" دعا حليفيه رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" النّائب ميشال عون ورئيس “تيّار المردة” النّائب سليمان فرنجية، إلى التريث في إعلان ترشيحهما إلى ما بعد هذه الجلسة، وذلك لمعرفة اتجاهات النّواب في التصويت والنّسبة الّتي سينالها رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع باعتباره مرشح "١٤ آذار"، الّذي سيعلن برنامجه الإنتخابي الأربعاء المقبل، وفي ضوء ذلك يمكن لفريق “٨ آذار” أن يحسم خياره بعد التشاور مع حلفائه الإقليميين، ما بين تبني ترشيح عون أو فرنجية، مع الوقوف على رأي بكركي.
جبهة النضال الوطني تميل لترشيح حلو أو إيلي عون على مستوى الموقف الدّرزيّ؛ فإنّ "جبهة النضال الوطني" برئاسة وليد جنبلاط ـ وتعتبر بيضة القبّان في الإستحقاق الرّئاسيّ ـ تميل لترشيح أحد نوابها الموارنة النّائب هنري حلو، أو النائب إيلي عون والتصويت له، وذلك منعاً للإحراج الّذي قد يقع فيه جنبلاط من جانب فريقي "٨ و١٤ آذار".
لكنّ النّائب حلو أكّد في تصريح صحفيّ "أنّ أحداً لم يفاتحه بترشيحه للرّئاسة"، معتبراً أنّه من السّابق لأوانه التكهن بكيفية تطور الأمور التي ستسبق جلسة الإنتخاب. بورصة التّرشيحات والتّوقّعات والمفاوضات بدأت للوصول إلى رئيس يخدم مصلحة كلّ الاطراف، وسط تشكيك دبلوماسيّ وسياسيّ وإعلاميّ ـ محلّيًّا وإقليميًّا ـ في إتمام الإستحقاق ضمن المهلة الدّستوريّة؛ مع الاشارة أنّ مهلة ٢٥ أيار هي نهاية الطّريق قبل الدّخول إلى ظلام الفراغ الدّامس الّذي يخشاه الجميع.
