في المقدمة لا بد من تأسيس قاعدة وهذه القاعدة تتوقف على سؤال
وهو: ماهي الحكمة من الشعائر الحسينية وماهو غرض الشارع المقدس في التاكيد على احياء الشعائر الحسينية.
شارک :
الشيخ عدنان الحساني
طبعا اذا تبينت معنا الحكمة والغرض سوف يكون ذلك بمثابة التأصيل لقاعدة ومعيار يحدد طبيعة الشعائر الحقيقية من الشعائر الدخيلة التي لا تتصف بالملاك الشرعي لتطبيقها.
قبل ان نتحدث عن الحكمة والغرض نقدم مقدمة بسيطة حول القاعدة الفقهية لكل عمل نجهل ماهو الحكم الشرعي تجاهه.
طبعا الاصل في الاشياء الاباحة ...ايضا ياتي هنا سؤال وهو هل ان ذلك يعني بان كل مباح يصلح للارتكاب ...هذا اول الكلام ، خصوصا لو اننا انطلقنا بالحكم على الاشياء وفق مدركات العقل العملي قبل ان نصل الى الاصل الشرعي للفعل ...هذا الفعل بنفسه لو جردناه عن عنوان الشعائرية يعني لو كنا في خارج موسم محرم ولا توجد مناسبة وفاة احد المعصومين (ع) وجاء شخص وطين نفسه من دون ان ينوي جزعه على احد المعصومين ...بنفسه هذا العمل هل هو حسن ام قبيح .. من الواضح انه بمجرده لا توجد فيه جهة من جهات الحسن بل ان فاعله قد يرمى بالجنون.. هنا يأتي دور الاصل الشرعي قبل ان يتعنون الفعل بعنوان الحسين عليه السلام يمكن ان يكون هناك مسوغ للنقاش في اباحة الفعل هل ان التطيين من دون عنوان الجزع على الحسين مباح في نفسه ام لا طبعا غير مباح لان الكثير من الاشياء التي قبحها العقل يقبحها الشرع ..بعد ذلك يأتي شخص بهذا الفعل الذي قبحه العقل يلبسه لباس الجزع على الحسين ويعنونه بهذا العنوان ما هو منشأ هذا التطبيق والعنونة ما هو المسوغ الشرعي والملاك الفقهي لهذه العنونة لا يحق لأي احد ان يعتبر مهما كان الاعتبار سهل المؤونة لا بد من وجود مناشئ حقيقية للاعتبار وهي الملاك والمصلحة ..ونعود هنا الى السؤال ماهو الغرض من الشعائر الحسينية ماهي المصلحة في الشعائر الحسينية..
يمكن ان نقول ان ثمة غرضين لاحياء الشعائر الحسينية غرض اصلي وغرض تبعي الغرض الاصلي يرتبط باعلاء كلمة الله تعالى باعتبار ان الحسين (ع) مضافا الى الله تعالى فهو كلمة مقدسة من كلمات الله التي يجب ان تعلو وهناك غرض تبعي اعتقد ان هذا الغرض يرتبط بالحكمة .. من احياء الامر والتأكيد على الشعائر الحسينية وذلك لتعويد الوجدان الانساني على اللين والانكسار ومن ثم تحصيل قيم من قبيل الرحمة والطيبة والتلطف فكل شيء يؤدي الى تحصيل هذه القيم فهو يدخل تحت عنوان الشعائر ..
فالبكاء واللطم والأنين والجزع والذكر ونظم القول الرقيق كل ذلك له مدخلية في تحصيل قيم الرحمة والطيبة وديمومة احياء الوجدان الانساني ..وهذا هو القدر المتيقن من روايات احياء الامر حيث شدد الائمة عليهم السلام على ضرورة احياء مجالس الذكر والفكر ذكرهم عليهم السلام وذكر فضائلهم واحياء فكرهم وعلمهم وادبهم حيث جاء عن عبد السلام بن صالح الهروي، قال: سمعت أبا الحسن عليّ بن موسى(ع) يقول: "رحم الله عبداً أحيا أمرنا فقلت له وكيف يحيي امركم قال عليه السلام يتعلم علومنا ويعلمها الناس,فان الناس لو علموا محاسن علومنا لاتبعونا) .
هذه العلوم وهذه الاداب هي منبع الرحمة والطيبة والخير كما ورد عن الامام الصادق عليه السلام (احيوا امرنا رحم الله من احيا امرنا) وكقول السيدة زينب (ع) في خصوص عزاء الامام الحسين (ع )حين قالت (وسيوكل الله من يجدد له العزاء في كل عام).
وعليه فان احياء الامر يرتبط اساسا بالاجتماع والاعلام الاجتماعي اي ان جنبته اعلامية صرفة والاعلام حتى يكون مؤثرا وبالغا في نفوس الناس ينبغي ان ينسجم مع الغرض والهدف وان يضيف الى هذا الغرض قيمة جديدة من قيم التأثير بالمتلقي فاذا كانت احد مفردات هذا الاعلام مشوهة او غير منسجمة مع البعد النفسي للمجتمع فسيكون تأثيرها الاعلامي سلبي بطبيعة الحال.
نأتي الى امثال هذه الامور التطبير و التطيين وغيره هل هو مما يكتسب فيه الرحمة واللين والطيبة ام ان بعض الافعال قد تورث قسوة القلوب..
قد يقال بالاباحة لكن الاباحة لوحدها لا تشكل مسوغ حقيقي لارتكاب مثل هذه الافعال مالم تكن مسلحة بأدلة اقوى وهي منتفية في مقامنا ..(التطيين والتطبير).
هذا من جهة من جهة اخرى ان كثير من الاحكام لا تلحظ بعنوانها الاولي الذي قد يكون هو الاباحة .. وانما بمقدور الفقيه ان يضيف مؤنة ثانوية على الحكم وتحويله من حال الاباحة الى حال الحرمة مثلا وهو ليس حالة مزاجية للفقيه.. وانما ايضا تستند الى مصالح وملاكات يعتمدها الفقيه في هذا التحويل..
والان يأتي هذا السؤال وهو هل ان الشارع مسؤول عن تحديد مفردات الشعائر ..
طبعا قرآنيا واضح ان الشارع المقدس انبرى في اكثر من مناسبة الى بيان وتحديد مفردات الشعائر وهوهنا يريد ان يضع معيارا ثابتا وهو ان واحدة من مسؤوليات الشارع هو تبيين الضوابط العامة والخاصة للشعائر يقول تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} [البقرة : 158] .
اذن فالسياق العام للمسؤولية الشرعية هو ان ينبري الشارع للتحديد والبيان فاي شيء يضاف او يستجد لابد ان تكون اضافته منسجمة مع الطابع العام للقبول والرد وهو اما ان تكون هذه الاضافة مؤثرة في الغرض الاصلي او مؤثرة في الغرض التبعي على الاقل اما اذا لم تكن ذات تأثير او كان تاثيرها سلبي فترد ..
اضف الى ذلك ان هذه المفردات المستحدثة على الشعائر اثارت الكثير من الجدل بين المؤمنين ومرجعياتهم وبذلك اصبحت مثارا للفتنة وقد يأتي النقاش فيها من هذا الجانب وفي سياق قوله تعالى {وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا } يعني حتى لو كان في هذه المفردات الجديدة شيء من النفع الديني الاانها بالعنوان الثانوي اصبحت مثارا للفتنة بين المؤمنين وبما انها خالية من ملاكات الاصل مما يضيف مسوغ لردها والتعامل معها على اساس انها ليست من الشعائر.
.....
الان ياتي هذا السؤال ..ما هو سبب تفشي ظاهرة الشعائر الدخيلة اعتقد ان ذلك يعزى لعدة امور منها:
1- قلة المبلغين الرساليين القادرون على التاثير المباشر على عواطف الناس وضبطها من خلال تصعيد حالة الوعي الديني لديهم.
2- استغلال الشعائر من قبل البعض لتصفية الحسابات السياسية والزعامات المجتمعية للاسف هناك من الزعامات الدينية من يتخذ من قضية الشعائر مسوغا لتشويه خصومه بعيدا عن شعوره باهمية احياء الشعائر وانما اصبحت قضية الشعائر مبررا للتسقيط والتشويه والوصول الى مآرب دنيوية رئاسية ليس الا.
3- حالة الفراغ الفكري والروحي التي يعيشها الشباب ادت الى تنامي هذه المسألة ولو درسنا حالات مهمة من قبيل بعض الحركات المنحرفة لوجدنا ان الكثير من هولاء الشباب يلجأ الى هذه الحركات بسبب خواءه الفكري والروحي ونفس الامر بالنسبة للشعائر الدخيلة فلان الشباب يعيش حالة خواء فكري وروحي يلجأ الى اختراع امور وقضايا يحاول من خلالها ملا فراغه النفسي والا فاننا لو دققنا النظر في اغلب الاناشيد الدينية في الفضائيات نجدها عبارة عن اغاني والحان غنائية مليئة بالإشكالات الشرعية وهذا ما اسميه بالخواء النفسي الذي يعانيه شبابنا للأسف.
4- وجود الطابور الخامس الذي يحاول التصيد في مناطق الفراغ التشريعية ويدفع ببعض المنتفعين او الجهلة لارباك الواقع الفكري للاسلام وللطائفة.
هناك نقطة اخرى اشير اليها وهي انه في المقابل من هذا وعلى الرغم من وجود مغالاة في مسألة توسيع دائرة الشعائر الدخيلة من دون ضابطة ومعيار محدد ....في المقابل من ذلك ايضا يوجد هناك مغالاة في مسألة الدعوة الى تهذيب الشعائر.. ويبدو انه من باب الفعل ورد الفعل فادى ذلك الى تنفير بعض الناس وحتى من طبقات المثقفين تنفيرهم الى درجة انكار الثابت من الشعائر الحسينية او المجمع عليه من قبل الفقهاء.. وهذا في الحقيقة اخطر من الاول لان الطرف الاول غايته قد يبتدع في الدين ويدخل امورا ليست من الدين في الدين بمعنى يزيد من مفردات الدين وان كانت زيادة كالنقيصة ولكن الطرف الاخر يريد ان يمحق الدين ويلغي ثوابته وهذا في غاية الخطورة.... فحينما يدعو احدهم مثلا الى التقليل من البذل والاطعام بحجة التبذير والظرف الاقتصادي .. فهذا تجني على شعائر الحسين لان الامام الحسين عليه السلام غايته الاجتماع والتباذل بين المؤمنين واحياء المجالس الجماعية والاطعام والتكرم على الفقراء والمؤمنين فان هذه من شعائر الدين الحنيف قبل ان تكون من شعائر الامام الحسين ع .. ماذا يقول القرآن يقول تعالى : {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ} .
اذن فان اقامة الدين وشعائره هي من مضان نزول البركة ونمو الاقتصاد الاجتماعي ..