قد نتساءل هل هناك مشكلة حقيقية بين الشيعة والسنة ؟ وهل صحيح أن الشيعة يريدون القضاء على السنة وهكذا السنة يريدون القضاء على الشيعة ؟ في الحقيقة انه لا توجد مشكلة بين المذهبين بهذا الحجم .
شارک :
وكالة انباء التقريب (تنا) : يكثر في هذه الأيام جدل مدى إمكانية إيجاد حل للتعايش السلمي بين السنة والشيعة وخصوصا في منطقة الخليج التي هي في الحقيقة تعيش فوق بركان طائفي قد ينفجر يوما ما ، علاوة على ما يحيط بالمنطقة من صراعات سياسية إقليمية ودولية كلها تصب الزيت على النار . وفي هذه الأجواء يحاول الكثير إيجاد حلول مستقبلية لإخماد الفتنة الطائفية . لهذا يتجه بعض رجال الفكر والسياسة في المنطقة إلى إيجاد مخرج لثورة البركان الطائفي المتوقع ، ووجد البعض أن المخرج الوحيد هو عمل ميثاق تعايش سلمي بين الشيعة والسنة ، وهذا العمل لا غبار عليه لو كانت الأمور بهكذا سطحية من التفكير .
هل هناك خلاف بين الشيعة والسنة ؟ قد نتساءل هل هناك مشكلة حقيقية بين الشيعة والسنة ؟ وهل صحيح أن الشيعة يريدون القضاء على السنة وهكذا السنة يريدون القضاء على الشيعة ؟في رأيي انه لا يوجد هناك مشكلة بهذا الحجم وأن الفرد الشيعي وكذلك السني يشغلهم البحث عن قوة يومهم وإيجاد مأوى لهم ولأولادهم وتسديد فواتير آخر الشهر من كهرباء وماء وتلفون وأجار ووووو....الخ ، أكثر من انشغالهم بمسألة (شيعة و سنة) ولا توجد حاجة حقيقية تستوجب عمل ميثاق فالمذهب الشيعي يدرس في الأزهر الشريف ، والمذهب السني يدرس في قم المقدسة ويلتقي العلماء من كلا المذهبين ويتناقشون في المسائل الخلافية ويعملون بشكل حضاري إسلامي .
هناك صراع بين الشيعة والخوارج : ولكن هناك صراع حقيقي وقائم بين الشيعة والخوارج (النواصب) ومازال هذا الصراع قائم بينهم منذ أواخر أيام حرب صفين ومرورا بحرب النهروان حتى تاريخه، وقد غير الخوارج جلدتهم الخارجية ومسماهم إلى مسميات أخرى متعددة ويجمعهم النصب والعداء لشيعة علي عليه السلام وللأسف أنهم أختلطوا وإختبؤوا تحت مظلة أهل السنة والجماعة . ولا طائل من عمل ميثاق بين الشيعة والخوارج لان مصير هذا الميثاق الفشل فقد سبق أن قام الإمام علي عليه السلام قبل حرب النهروان بمحاولات للتعايش مع هؤلاء الحثالة ولكن جميع هذه المحاولات لم تنجح لان عقول الخوارج غلب عليها النفاق ولا طائل لعمل ميثاق مع المنافق لأنه سوف ينقض الميثاق . ولابد من أهل السنة والجماعة التخلص من عوالق الخوارج والتحرر من هيمنتهم حتى لا يحسب عليهم الأعمال البشعة التي يقوم بها الخوارج ضد الشيعة تحت مسمى أهل السنة والجماعة ، وبسبب هذا الخلط والاختباء فشلت تجارب سابقة في التعايش ومنها تجربة نادر شاه .
صعود نادر شاه إلى الحكم الإيراني : بعد انهيار الدولة الصفوية عام ١١٣٥هـ / ١٧٢٢م ومصرع الشاه حسين على يد القبائل الافغانية زحفت القوات العثمانية على المناطق الغربية كما زحفت القوات الروسية جنوبا على مناطق اذربيجان ، كل تلك الظروف أدت الى تفاهم بين الامير طهماسب بن الشاه حسين الصفوي مع بعض جيوش الدولة الصفوية من القبائل التركمانية بقيادة رجل شجاع هو نادر خان للعمل على السيطرة تدريجيا وتحرير إيران من الاحتلال الأفغاني والعثماني والروسي .أدى كل ذلك الى تحقيق انتصارات عظيمة لنادر شاه وأعلن نفسه وصيا على العرش الصفوي بعد طرد الأفغانيين من إيران قام شاه إيران بمكافأة نادر شاه بأن أقطعه أربعة أقاليم في شمال إيران ، بل قرر نادر شاه بالانفراد بحكم تلك المناطق وطرد الأتراك منها وطالب بإعادة اقليم أذربيجان إلى إيران فنشبت حرب بين شاه إيران والأتراك وهزم الإيرانيين واضطر الشاه لتوقيع معاهدة مع الاتراك تنازل فيها شاه إيران عن مطالبه في البلاد الواقعة وراء العراقين ، مما أدى ذلك إلى شجب المعاهدة من قبل نادر شاه باعتبارها خيانة للمصالح القومية وعلى أثرها قام نادر شاه بخلع الشاه عن العرش وأقام مكانه طفله الصغير الشاه عباس الثالث وفي عام ١٧٣٦م قام نادر شاه باعتلاء عرش إيران وعقد معاهدة مع السلطان محمود الأول سلطان تركيا حددت بمقتضاها الحدود بين الإمبراطوريتين .
في عام ١١٥٦هـ نادر شاه يزور النجف ويعقد مؤتمر التقارب : بعد معاهدة الصلح بين العثمانيون ونادر شاه ، توجه الأخير إلى العراق لزيارة العتبات المقدسة وفي نفسه فكرة التقريب بين المذاهب الإسلامية ، فاقترح على والي بغداد انتداب احد علماء بغداد (السنة ) لحضور المناظرة الكبرى التي سوف يترأسها هو لدى زيارته النجف فوقع اختيار الوالي على شيخ عبد الله السويدي فسافر السويدي إلى النجف ، ومن كربلاء حضر(السيد نصرالله الحائري) الذي كان كبير علماء الشيعة آنذاك. وعقد نادر شاه مؤتمر في النجف بغية التوحيد بين الشيعة والسنة وقد أحضر إليه عددا كبيرا من علماء الفريقين من إيران وأفغانستان وتركستان ، وافتتح المناظرة الملا باشي علي أكبر قائلا : " أول سؤال اطرحه هو أن تبينوا لنا الأسباب التي تدعوكم إلى تكفيرنا لكي ندفع ذلك عنا ، ونحن على التحقيق لسنا بكفرة فقد ورد في كتاب ((جامع الأصول)) ان للإسلام خمسة مذاهب ، وإن المذهب ألإمامي هو الخامس . كما وأن في كتاب ((الفقه الأكبر )) لأبي حنيفة قوله : لا تكفروا أهل القبلة . وفي كتاب ((شرح الهداية )) قوله : والصحيح أن الأمامية من الفرق الإسلامية ومثل هذا قال علماؤنا عنكم . بينما المتعصبون الجهلة منكم اعتبرونا كفارا ، مما حمل جهلاءنا على مقابلتكم بالمثل وتكفيركم . والحقيقة لا نحن كفار ، ولا أنتم كفار فلنبحث هذا الموضوع لإزالة سوء التفاهم .
وبعد مناقشات طويلة تم الاتفاق بين الطرفين على شروط كان أهمها أن يترك الشيعة سب الصحابة والثاني أن يعترف السنيون بالتشيع مذهبا خامسا يسمى بالمذهب الجعفري ، وأن يسمح للشيعة بالصلاة والخطبة في الركن الشامي من الكعبة عند موسم الحج وذلك بعد فراغ الإمام المختص من صلاته . وبعد انتهاء المؤتمر أرسل نادر شاه السيد نصر الله الحائري إلى مكة لكي يقوم بالصلاة في الركن الشامي حسب قرار المؤتمر وأرسل نسخة معه من محضر المؤتمر كما أرسل كتبا الى شريف مكة مسعود بن سعيد وإلى قاضيها ومفتيها يخبرهم انه مرسل إليهم إمام المذهب الجعفري لتنفيذ قرارات المؤتمر .
اعتقال المرجع الشيعي وقتله في استانبول : استقبل شريف مكة سماحة المرجع السيد نصر الله الحائري وسمح له بالصلاة في الركن الشامي حسب قرار المؤتمر ولكن العامة لم يهن عليهم ذلك فهاجوا وماجوا ، حتى أرسل الوزير التركي في جدة إلى الشريف مسعود يطلب منه تسليم الحائري ليقتله فامتنع الشريف عن تسليمه وقال سأحتفظ عليه إلى أن أكتب إلى دار الخلافة وأتلقى جوابها فيما تأمر فلم يرض الوزير التركي عن هذا الجواب واتهم الشريف بالميل الى المذهب الجعفري ، وجاء الجواب من السلطان خلال مدة قصيرة يأمر بإلقاء القبض على الحائري وتسليمه إلى أمير الحج الشامي ففعل الشريف ماأمره السلطان وحمل الحائري مخفورا مع اسعد باشا إلى الشام وسجن هناك في قلعة دمشق وبعد ذلك حمل مخفورا إلى اسطنبول ومات مسموما . هكذا كانت نتيجة أحداث ميثاق نادر شاه .
ما هي الأسباب التي شجعت نادر شاه لميثاق التعايش الشيعي السني ؟ في الحقيقة أنني عرضت هذه التجربة لنتمكن من دراسة أسبابها ونتائجها وإمكانية الأخذ بها من عدمه ، ورأيت أن أسباب حركة نادر شاه إلى العمل على ميثاق التعايش بين الشيعة والسنة هي :
أولا : تتدهور علاقات نادر شاه مع علماء الدين الشيعة: قام نادر شاه وهو قائد في الجيش الصفوي بتحرير مدينة مشهد من يد الأفغان الذين استولوا على عاصمة الدولة الصفوية ، وفي البداية وضع أحد أحفاد الصفويين على الحكم وما لبث أن عزله وورث حكم الدولة الصفوية ، مما أغضب علماء الدين الشيعة واعتبروه مغتصبا للحكم الصفوي ، فحاول نادر شاه التقرب من العلماء وشيد بابا كبيرا من الذهب لمرقد الإمام الرضا عليه السلام واهدي اربعمائة نسخة من المخطوطات النادرة إلى مكتبة الضريح ، ولكن علماء الدين لم يغفروا له اغتصاب العرش الصفوي من الشاه طهماسب ، وانصرفوا عنه ، مما أدى إلى تدهور في العلاقات بين العلماء ونادر شاه ، فدعاهم إلى اجتماع في مدينة قزوين واعلن تجريدهم من حقوقهم وامتيازاتهم قائلا لهم : إن صلواتكم لم توقف الكارثة التي حلت بإيران على يد الأفغان وأن جهودكم في صد الغزاة لا تذكر ، ولن تنالوا مرضاة الله ، أما جنودي فسينالون أجرا أعظم ومنزلة ارفع عند الله لأنهم قاتلوا وصمدوا ، أجل ، أنهم أحق منكم بأموالكم .وقام نادر شاه بمصادرة أموال الوقف ، وإلغاء منصب الصدر ، وتحديد صلاحيات جميع محاكم الشرع ، وإلغاء منصب شيخ الإسلام في اصفهان .
ثانيا : رغبة الباب العالي العثماني في التقارب :سياسة نادر شاه الجديدة للتقريب بين السنة والشيعة أدت إلى ارتياح الباب العالي وتعهدت الدولة العثمانية بإعادة جميع المناطق التي احتلها الجيش العثماني في عهد الشاه طهماسب والغاء الرسوم المفروضة على الرعايا الإيرانيين وتسهيل مرورهم عبر الأراضي العراقية لزيارة العتبات المقدسة في العراق .
ثالثا : كثرة الحوادث الطائفية في الحجاز وصعوبة أداء فريضة الحج : بسبب الصراع الصفوي العثماني منذ القرن العاشر الهجري حدث الكثير من المضايقات للحجاج الشيعة في مكة المكرمة ففي موسم الحج حتى انه في عام ١٠٤٢هـ ورد الى مكة أمر من السلطان العثماني في اسطنبول بمنع العجم (الصفويون) من الحج والزيارة ، وقد نودي بهذا الامر في أسواق مكة لتبليغ العجم بذلك وهم يبلغونه إخوانهم إذا عادوا إلى بلادهم .
ما هي أسباب فشل نادر شاه في ميثاق التعايش ؟ ١ـ عدم وجود رغبة لدى علماء السلطان العثماني في التقارب نظرا أنهم يعتاشون على الكراهية بين المذاهب ويتبين ذلك أنه في عام ١٧٤٣م أرسل نادر شاه إلى السلطان العثماني يطلب منه الاعتراف الرسمي بالمذهب الجعفري فجمع السلطان العلماء يستفتيهم فكان جوابهم أن الشيعة مارقون عن الإسلام يجوز قتلهم وتأسيرهم شرعا ٢ـ وجود متطرفين (خوارج) تحت عباءة أهل السنة والجماعة لم تعجبهم التقارب بين المذهبين لانهم يرون أن التقارب يفقدهم المادة التي بسببها يجتمع حولهم الإتباع ، وبالتالي يفقدون العدو الوهمي الذي نسجوه في خيالهم ألا وهو الشيعة والتشيع . ٣ـ سيطرة علماء السلطان على قرار السلطان العثماني وبالتالي نجاحهم في افشال ميثاق التعايش الشيعي السني . ٤ـ تدهور العلاقة بين علماء الشيعة في إيران ونادر شاه ، وذهب إلى علماء النجف الذين كانوا تحت السيطرة العثمانية واستعان بهم في عمل الميثاق وتم إقصاء الكثير من علماء إيران. هل هناك جدوى في الوقت الراهن من ميثاق تعايش :أعتقد إن الأسباب التي أفشلت مشروع نادر شاه مازالت قائمة وأن كل ميثاق سيقوم دون حل أسباب هذا الفشل سيكون مصيره سلبي وكارثي بين السنة والشيعة ، ومادام أهل السنة يحتضنون بين جنباتهم الكثير من الخوارج (النواصب) فمن الغباء أن يهرول بعض الشيعة لعمل وثيقة تكون نتائجها ذات النتائج لمشروع نادر شاه . حسين السلهام