سوريا وأداء الحلفاء، بوتين ولافروف - الخامنئي وروحاني
تنا-بيروت
ليست روسيا ولا إيران دول مصالح بالمعنى الانتهازي، كما سورية ليست كذلك بالتأكيد، وكل من الحلفاء في سجله عشرات الشواهد على ما تلقاه من عروض ليبيع حلفه بالآخر، بأسعار تفيض المصالح المباشرة التي سيجنيها من تمسكه بهذا الحلف، لكن لروسيا وسورية وإيران مصالح استراتيجية عميقة متبادلة تقوم على مناوأة الهيمنة الأميركية والتصدي للإرهاب، بمفاهيم الأمن القومي والكرامة الوطنية والسيادة.
شارک :
ناصر قنديل
– شهدنا خلال الأيام الماضية مواقف أثارت جدلاً حول الوضع في سورية صادرة عن حليفين هما الأبرز دولياً وإقليمياً لسورية، روسيا وإيران، ما أثار تشوشاً حول صورة هذين الحليفين في عيون السوريين خصوصاً والعرب عموماً، والشعوب التي تراقب وتنظر إلى ما يقوله السوريون وحلفاؤهم عن الفوارق بين معاملة الحليف للحليف، ومعاملة المستعمر للتابع، وقد وصلت بعض أصداء هذه التساؤلات والتلميحات إلى أذان وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف من مواقع خبيثة لبعض المعارضين شبّهت مشروع الدستور الروسي المقترح لسورية بالدستور الذي وضعه ممثل الاحتلال الأميركي بول بريمر للعراق، ما اضطر الوزير لافروف والمتحدثة باسمه ماريا زاخاروفا للتوضيح.
– في مرة سابقة تحدّث الروس عن مشروع دستور فدرالي لسورية، وكانوا يحاولون فتح القنوات على الجماعات الكردية. وفي مرة مشابهة تحدّث الإيرانيون عن مشروع دستور جديد وإصلاحات دستورية لسورية وتقاسم صلاحيات الرئيس والحكومة. وكانوا يسعون لتشكيل منصة معارضة شبيهة بمنصة القاهرة ومنصة موسكو. وفي الأيام الماضية كانت إضافة للحديث عن مشروع الدستور الروسي لسورية، كلام للوزير لافروف ناقشناه هنا في هذه الزاوية يقول فيه إنه لولا تدخل موسكو لسقطت دمشق خلال أسبوعين أو ثلاثة بيد الإرهاب، وأمس كلام للرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني يقول فيه، لو لم تتدخل إيران لكانت في دمشق وبغداد اليوم حكومات للإرهابيين.
– ينقسم النقاش حول المواقف الروسية والإيرانية بين تطرفين ينتسب كل منهما لخطأ في التفكير والتحليل. التطرف الأول الحديث عن أطماع روسية وإيرانية تضع البلدين الحليفين في مصاف أي دول ذات مصالح لا تتصرّف بخلفية التحالف والحرص، بل بخلفية تقارب روح التسلّط والوصاية بالاستناد إلى ما قدّمته لسورية وتعتبره مبرراً لممارسة هذه الوصاية. والتطرف الثاني هو في خطاب إنكار مشابه للخطأ المرتكب في الكلام الإيراني والروسي، عبر القول إنه لولا سورية لكانت إيران وروسيا سقطتا، وإن لا جميل لأي منهما في انتصارات سورية.
– الذي يجب الانتباه إليه لدى الحلفاء جميعاً، الروسي والإيراني والسوري وسواهم، من الذين خرجوا يواجهون الغطرسة الأميركية ومشروعها للهيمنة، هو أن الحرب لم تنته ولم يزل أمامها أشواط، لا يمكن الفوز بها بحلف متخلخل، يتقاتل على ترصيد المكاسب، ولذلك تجب مناقشة كل هذه الهفوات بحجمها كهفوات، منطلقين من أن الكلام الذي يعبر بعمق عن موقف روسيا هو كلام الرئيس فلاديمير بوتين كزعيم صانع للسياسة، قال إن روسيا قاتلت مع سورية دفاعاً عن موسكو، وخلال كلمة له في احتفال اُقيم في الكرملين، قال بوتين «إن الإرهابيين في سورية لا يخفون خططهم التوسعية»، داعياً قواته الى ان تكون جاهزة للردّ المناسب على التهديدات، مشيراً الى سعي موسكو الدائم لحل الأزمة في سورية بالطرق السياسية والدبلوماسية. وأشار الرئيس الروسي إلى أن الإرهابيين في سورية يصفون روسيا صراحة بالعدو ولا يخفون خططهم التوسعية، لافتاً إلى أن القوات الروسية تدافع في سورية عن مصالح روسيا الوطنية. وثمّن بوتين عالياً عمل القوات المسلحة الروسية في سورية معتبراً «أن المهارة الحربية للجيش الروسي تزداد تحسناً الآن وبفضل العملية العسكرية في سورية»، مضيفاً «فبقتالهم في هذا البلد الشرق أوسطي يحمي جنودنا وضباطنا مصالح الاتحاد الروسي ويقضون على المسلحين الذين يسمون وطننا مباشرة عدواً، ولا يخفون خططهم التوسعية بما فيه على الأراضي الروسية ورابطة الدول المستقلة».
– وفي كلام مشابه للزعيم الإيراني ومرشد الجمهورية السيد علي الخامنئي يقول في تشييع ضباط وجنود من الإيرانيين الذين سقطوا في سورية «لو لم نقاتل في سورية، لكان علينا أن نقاتل الإرهاب والفتنة في طهران وفارس وخراسان».
– كلام الرئيس بوتين والسيد الخامنئي مبني على عمق الاستراتيجية وتقدير الإسهام المتبادل للحلفاء في حماية أحدهما أمن الآخر. وكلام لافروف وروحاني كلام السياسي الذي عليه تظهير قوة الدولة التي يمثلها ومكانتها تمهيداً لموائد التفاوض، الدولية والإقليمية، بالإشارة إلى أن أمن المتوسط الذي تمثل سورية حلقة هامة فيه ويتوقف عليه أمن الغرب كله كان ليختلف جذرياً لولا الدورين الروسي والإيراني، لكن المأخذ هنا هو على كون الهدف قابل للبلوغ بتعابير لا تمسّ ولا تجرح الكرامة الوطنية للسوريين بتصوير دورهم شعباً وجيشاً ورئيساً ثانويا في تحقيق النصر على الإرهاب، بينما هو دور تأسيسي ما كان بدونه ليكون قيمة للدعم الروسي ولا للدعم الإيراني، اللذين كان ليصيرا بلا الشعب والجيش والرئيس في سورية، كما القوة الأميركية العمياء في العراق زمن الاحتلال أو القوة الأميركية الفاشلة في الرقة بسبب غياب القوة البرية الفاعلة والقادرة على ملء الفراغات التي يحدثها القصف الجوي في صفوف العدو الإرهابي، وما كان لينتقص من مفعول الاستعراض الذي تحتاجه الدول العظمى دولياً وإقليمياً في مناوراتها، لو قيل لولا صمود الشعب والجيش الحليفين في سورية ومساندتنا ودعمنا لسقطت دمشق وحكمها الإرهابيون.
– في قضية الدستور والمسودة الروسية يعرف المتابعون لكواليس السياسة أن هناك خطة روسية تشبه خطة أستانة، التي تحدّث كثيرون عن فشلها، بينما ها هي تنجح بإشعال حرب تصفية وإبادة بين الجماعات المسلحة وجبهة النصرة، ومثلها مسودة الدستور التي حيّدت حق الرئيس بالترشح وتجاهلته ومثله تجاهلت صلاحياته بقيادة القوات المسلحة وحقه بالترشح لولايتين جديدتين، كل ولاية من سبع سنوات، وجمعت كل ما يقوله كل فصيل معارض في البنود الأخرى وجعات منها دستوراً غير متماسك ووضعته في النقاش، ليناقش الجميع الجميع. حكم ذاتي للأكراد ومناصب تراعي الطوائف ما دون الرئاسات اللاطائفية، ولا دستور يستند إلى الشريعة واسم سورية الجمهورية السورية، ولامركزية موسّعة وجمعيتان انتخابيتان واحدة وطنية وأخرى للمناطق، وتركت التداول وسيكون مثله من الدولة السورية، وكلمة الفصل للاستفتاء، لكن يكون ما يتصل بالرئيس وهو القيمة الاستراتيجية للدستور قد بقي خارج التداول، بعدما نقلت كل الصلاحيات المتصلة بالشؤون الإدارية والاقتصادية إلى مجلس الوزراء. ومرة أخرى نقول لم تكن روسيا مضطرة لتقديم مسودة باسمها، فيكفي جمع معارضين يتداولون وتولي أحدهم تقديم مسودة بتشجيع ورعاية روسيتين، وتكليف أمانة سر من المشاركين بصياغة مسودة من المناقشات بإشراف ضمني روسي لتخرج المسودة ذاتها باسم مسودة حوارات موسكو من دون أن تثير ما أثارت من لغط وتنثر غباراً يصل حد الاتهام لروسيا بالوصاية.
– في العمق ليست روسيا ولا إيران دول مصالح بالمعنى الانتهازي، كما سورية ليست كذلك بالتأكيد، وكل من الحلفاء في سجله عشرات الشواهد على ما تلقاه من عروض ليبيع حلفه بالآخر، بأسعار تفيض المصالح المباشرة التي سيجنيها من تمسكه بهذا الحلف، لكن لروسيا وسورية وإيران مصالح استراتيجية عميقة متبادلة تقوم على مناوأة الهيمنة الأميركية والتصدي للإرهاب، بمفاهيم الأمن القومي والكرامة الوطنية والسيادة. وكل ما شهدته السنوات الماضية كافٍ ليقول إن ما يحرك الحلفاء هو المصالح الاستراتيجية العميقة وليست المصالح السطحية المباشرة التي تنشأ عادة بين المستعمر والوصي من جهة والتابع من جهة أخرى بمثل حال اميركا وحلفائها، حيث لا يمكن لأحد العثور على مبرر يتصل بالمصالح العميقة وبالأمن القومي لدولة مثل فرنسا أو السعودية مع أميركا.
– ليس بيد روسيا ولا بيد إيران، لو أرادتا، وهما لا تريدان أصلاً، التلاعب بمصير سورية، كي يتحدث البعض عن بيع وشراء وصفقات يخشاها. فما جرى هو ثغرات في الأداء تستوجب المراجعة والانتباه، وشرط قوة وتماسك التحالفات دخولها في الوجدان الشعبي، وأساسه الشعور بالعزة الوطنية، ويكفي لقول ما يجب قوله استعادة ما قاله السيد حسن نصرالله بعد نصر حلب الذي كان للمقاومة إسهام كبير في تحقيقه، "إن الشعب السوري وقيادته وجيشه هم مَن أخذوا قرار المواجهة، وصمودهم هو الأساس في تحقيق نصر حلب، وإن دور الحلفاء عامل مكمّل ومتمّم ومساعد»، لافتاً إلى أن «السوريين يصنعون مستقبل بلدهم والمنطقة كلها".
– كلام الزعماء غير كلام السياسيين الذي نتطلع إليه بمستوى كلام الزعماء، لثقتنا بمن يصدر عنهم وحجم خبرتهم ومكانتهم ومسؤولياتهم وإدراكهم دقة ما نعبر من ظروف ومطبات ومَن يتربص بنا عند كل مفترق ومحطة.